Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يمكن تحميل الجائحة مسؤولية فشل مفاوضات بريكست؟  

مع العودة إلى مناقشات الصفقة التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة يجد المفاوضون أنفسهم مضطرين إلى التكيُّف مع الحقائق السياسية والجوانب العملية الجديدة

"من الصعب استحضار أجواء المحادثات المباشرة": ميشيل بارنييه (يمينا) وديفيد فروست (غيتي) 

عندما التقى المفاوضون التجاريون لكل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة للمرة الأولى في بروكسل في يوم ماطر مطلع مارس (آذار)، كان تأثير فيروس كورونا يقتصر إلى حدٍّ كبير في زجاجات إضافية من مطّهرات اليدين وُضعت على مكاتب مركز المؤتمرات. لكن بعد شهرين، غيّر الوباء الافتراضات السياسية التي تستند إليها الأشهر السبعة المقبلة من مفاوضات الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي، إن لم يكن المواقف العامّة للطرفين.

هذا الأسبوع، عاد المفاوضون إلى الاجتماع مرّةً أخرى، بحيث سجّل قرابة 200 مسؤول دخولهم إلى مناقشاتٍ في ما بينهم من خلال الفيديو، للبحث في النقاط الدقيقة للتجارة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. لكن على الرغم من الوقت المحدود المتاح للتوصّل إلى صفقة، فقد تطلّبت المسألة أسابيع عدّة، لموافقة الجانبين على إجراء المفاوضات عن بُعد، بعد إلغاء "جولتين" كان خُطّط لهما في تلك الأثناء.

كان هناك بعض الخلاف على السبب الذي عطّل الشروع في المناقشات عبر الفيديو. وبينما ذكرت بعض التقارير أن المفوضية الأوروبية كانت لديها شكوك في ما إذا كان استخدام الإنترنت يمكن أن يحلّ مكان المفاوضات المباشرة داخل غرفة واحدة، أصرّ مسؤولو الاتحاد الأوروبي على أن "العكس هو الصحيح".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضحوا لـ"اندبندنت"، أن "مفاوضي المملكة المتّحدة كانوا في الواقع غير متأكّدين تماماً من طريقة القيام بذلك، ومن سلامة هذه العملية". فالخلاف على الطريقة التي سارت من خلالها الأمور، هو مسألة مألوفة لأيّ شخص يتابع مباحثات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي منذ بداياته.

لكن، أيّاً كان الطرف الذي أسهم في تعقيد الأمور، فقد وافق الجانبان في النهاية على استخدام خدمة WebEx، وهي عبارة عن مجموعة مؤتمرات فيديو من المستوى المؤسّسي، تنتجها شركة البرمجيات "سيسكو"، وتتمتّع بدرجة أمانٍ أكبر بكثير من التطبيقات الأخرى ذات المستوى التجاري، مثل "زوم" و"سكايب".

ويؤكّد مصدر بريطاني مطّلع على مسار المناقشات، أنه تبيّن أن المؤتمرات عبر الفيديو هي "جيّدة بشكل أساسي"، وذهب حتى إلى وصفها بأنها كانت "أكثر كفاءة" في بعض النواحي.

ورأت الأوساط نفسها أنه "عندما يقوم أحدٌ بمداخلة مباشرة (على المستوى الشخصي)، يكون هناك عدد كبير من الأشخاص في وضع الذين ينتظرون دورهم كي يدلوا بدلوهم في المناقشات"، مشيرةً إلى أن هذا لا ينطبق على المباحثات عبر الإنترنت. وفي المقابل يحرص الطرفان على تأكيد أنهما استفادا من الوقت الذي كانت ستستغرقه المفاوضات الملغاة، من خلال تبادل النصوص القانونية، الأمر الذي ساعد في توضيح كلّ جانب آراءه للآخر.

لكن، حتى أولئك الذين يؤيّدون إجراء المفاوضات عبر الفيديو، يعترفون أن "من الصعب تكرار أجواء المناقشات المباشرة. ففي المداولات الدولية على مختلف أنواعها، تلعب ما تُعرف غالباً بـ(دبلوماسية الأروقة) دوراً كبيرا. وتوجد خارج المباحثات المنظّمة مساحة أكبر للمرونة، وربّما للصراحة. وهذا ما لم يتحقق".

ويقول أحد مسؤولي الجانب الأوروبي، "هذا الطابع إمّا أن يكون موجوداً وإما لا. يمكن محاولة تكرار تلك الأجواء بالتأكيد، لكنها لن تكون هي نفسها، ولا يمكن أن ترجع إلى ما كانت عليه حتى نتمكّن من العودة إلى التفاوض وجهاً لوجه".

ويضيف، "توجد حاجة إلى أن تكون في غرفة واحدة مع أشخاص آخرين من أجل التفاوض، ويجب عدم نسيان أن الأمر لا يقتصر على وجود كلا الجانبين خلف الشاشة، بل إن كلّ شخص على حدة، يقبع خلف شاشة في منزله، لذا من الصعب على كلّ فريق أن يتحادث مع الآخر".

ويقول سام لوي، كبير الباحثين والمتخصص التجاري في "مركز الإصلاح الأوروبي"Centre for European Reform، "قمنا جميعاً بذلك. نعلم كلّنا ما القيود التي يفرضها إجراء مؤتمرات عبر الهاتف، حيث يتمّ فقدان كلّ تفاعل غير رسمي. إن تكوين فهمٍ أفضل للفرد الذي تتحدّث معه يحصل فقط من خلال التفاعل ما بين الشخصيات".

ويرى لوي أنه "يمكن إجراء مناقشات في ما يتعلّق بأمور عادية أيضاً، فهي تبني علاقة عملٍ أفضل. المشكلة في مؤتمرات الفيديو ذات الطابع الرسمي، هي أنه لا يوجد وقت لسؤال الآخر عن عائلته وأطفاله، إن هذه الأنواع من المباحثات ترسي في الواقع مناخاً أفضل للحوار".

هل يمكن للمشروبات الافتراضية ما بعد العمل على منصة "زوم"، أن تكسر ربّما عقدة المناقشات؟ المصدر البريطاني يجيب: "حتى الآن، لم نخطّط لأمرٍ كهذا".

إن المفاوضات الأكثر فتوراً على المستوى التقني، قد لا تكون في النهاية أكبر مشكلة تسبّب بها وباء فيروس كورونا. فنقاط الخلاف في السياسة بين الجانبين معروفة جدّاً ومعترف بها من كلا الفريقين، وتتمحور حول مسألة صيد الأسماك، والتكافؤ في القوانين بين الجانبين، ودور "محكمة العدل الأوروبية"، والتزام "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان"، وإدارة الصفقة عند التوصّل إليها.

وتُعدّ جميع هذه المسائل قضايا سياسية خلافية كبيرة. ويمكن للمفاوضين الذين يجلسون لمناقشة التفاصيل أن يحقّقوا كثيراً من التقدّم، سواء كانوا أصدقاء أم لا. ويرى مراقبو المباحثات أنه يجب إجراء اتّصالات سياسية، ويتعيّن أن يقوم بها سياسيّون.

وهنا يأتي التأثير الأكثر أهميةً للوباء. فالحكومة البريطانية لا يتيح نطاقها السياسي اتّخاذ قرارات لخروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبي. وينصبّ التركيز بشكل قوي في دوائر "ويستمنستر" كما هي الحال في جميع العواصم الوطنية، على سبل التعامل مع تفشّي مرض "كوفيد 19". إن معظم العواصم الوطنية الأخرى لم تقرّر إعادة ترتيب علاقاتها مع جيرانها بالكامل في الوقت نفسه الذي كان عليها التعامل فيه مع الوباء، أو تعليق سمعتها السياسية على التزام جدول زمني صارم.

ويرى لوي الباحث والمتخصص التجاري أن "كبار المسؤولين في الحكومة لا يركّزون فقط على المناقشات الآن، وهم محقّون في ذلك، فهم يتعاملون مع الوباء وتداعياته، في وقتٍ لم تكن فيه صحّة بوريس جونسون على ما يرام. من هنا يأتي عمق هذه المشكلة مع المفاوضات، بحيث تتداخل جميع القرارات الفعلية التي يجب اتّخاذها من أجل إبرام اتفاقية التجارة الحرّة مع قضايا أخرى مثل المساعدات التي تقدّمها الدولة، ومجالات التكافؤ مع الجانب الأوروبي، ودور محكمة العدل. وتُعدّ هذه القضايا كبيرةً وسياسية ودسمة، وهي ليست مجرّد مشكلات فنية".

ويتابع سام لوي، "إنّ المسؤولين ليسوا في مكان يمكن أن يُدخل فيه ديفيد فروست ومفاوضوه بعض التعديلات الذكية وينتهي الأمر. إنها قرارات سياسية كبيرة تتطلّب تغييراً في المسار من جانب المملكة المتّحدة. لسنا حتى في موقعٍ نقوم فيه بالتفكير بهذا الجانب. وأعتقد أنه من أجل الوصول إلى نقطة يمكن من خلالها تقديم تلك التنازلات، يتوجّب القيام بكثير من الألاعيب السياسية، وفي الوقت الراهن إن الجميع يركّزون على (كوفيد 19)، وهذا أمر جيّد".

كي تكون للبلاد مساحة سياسية لمناقشة هذه المسائل، يجب أن يعود الوضع السياسي في المملكة المتّحدة إلى حالٍ تشبه بعض الشيء ما كانت عليه في العام الماضي، مع سيطرة موضوع الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي على ما عداه من القضايا. أمّا في الحال الراهنة، فحكومة المملكة المتحدة كانت صريحة بتأكيدها إعادة تكليف 47 مسؤولاً كانوا يتعاطون بملفّ "بريكست"، العمل على مواجهة مشكلات ملتهبة أخرى فرضها تفشّي الوباء.

ومع أخذ هذا الواقع في الاعتبار، لا بدّ من الإشارة إلى أن كلا الجانبين اتّفق على أن أزمة فيروس كورونا لم تغيّر رأي أيّ طرف في أيّ نقطة، على المستوى الرسمي على الأقل. وبدلاً من بثّ أجواء الاضطراب من خلال مواقف الطرفين، فقد تمّ فعلاً وضع الخلاف في وضع التبريد الفائق، بحيث يترجم المفاوضون ذلك عبر القيام بالدور المطلوب منهم، بلا حماسة، بينما يتعامل السياسيّون مع شأن آخر.

ويقول أحد مسؤولي الاتّحاد الأوروبي إن "المقاربات البريطانية ما زالت على حالها إلى حدّ ما. لا أعتقد أنهم تغيّروا تغيّراً جذرياً بسبب فيروس كورونا".

مصدر حكومي بريطاني قريب من المناقشات يوافق على هذه القراءة، ويقول: "إذا أردنا أن نكون صادقين، لا أعتقد أن الأزمة أحدثت أي فارق في المواقف. أرى أن ميشيل بارنييه نفسه يرغب في التوصّل إلى صفقة، وقد شعرتُ بذلك قبل بدء الأزمة".

لكنّ المسؤولين البريطانيين يعرفون أن قرارات سياسية كبيرة يجب أن تُتخذ، وأنه سيتعين على رئيس الوزراء وحكومته أن يغوصا في هذه المسألة في نهاية الأمر. ويرى المصدر الحكومي البريطاني أن جونسون "سيُضطر في مرحلة ما إلى المشاركة. لا أعتقد أننا وصلنا إلى هذه النقطة بعد. لكنه سيقوم بالانخراط في المفاوضات عندما نستقر، أو عندما نبدأ في التعامل مع أكثر الجوانب السياسية حساسية في هذه المباحثات".

ويتوقّع المصدر أن يطلّ رئيس الوزراء البريطاني برأسه في مسألة الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبي، خلال مرحلة العدّ العكسي لـ"جردة الحساب"، المقرّرة في منتصف يونيو (حزيران) المقبل، حين يتوجّب عليه اتخاذ قرار في مسألة تمديد الفترة الانتقالية، وسيجلس بوريس جونسون للتحادث مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ربما عن طريق الفيديو.

ويضيف المصدر البريطاني، "أعتقد أنه في تلك الفترة، يريد رئيس الوزراء أن يشارك في تشكيل الإطار لذلك"، واصفاً الخطوة بأنها ستكون "محطة مهمة" سياسيا.

تُعدّ مسألة التمديد معقدة ومثيرة الجدل، فبموجب اتفاقية الانسحاب التي وقّعها بوريس جونسون، يمكن إطالة الفترة الانتقالية لمدّة تصل إلى سنتين. لكن يتعيّن إقرار الموافقة عليها في يونيو، لمنح الشركات الموجودة على طرفي القناة وقتاً كافياً للاستعداد للمرحلة الحاسمة المرتقبة في ديسمبر (كانون الأول).

وقد رفض بوريس جونسون النظر في المسألة، على الرغم من حرصه على تضمين اتّفاقه إمكانية التأجيل. وفي حين كانت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي هي التي وافقت أساساً على شرط التمديد، فإن الاتّحاد الأوروبي أصرّ على أن يتمعّن فريق الرئيس الجديد للوزراء في أدقّ التفاصيل التي تضمّنتها اتفاقية الانسحاب "سطراً تلو الآخر"، والإبقاء على بند التمديد. بالتالي، فإنّ موقف الحكومة البريطانية يثير بعض التعجّب لدى مختلف الأوساط الأوروبية.

لا شكّ في أن تأثير انتشار فيروس كورونا في مسألة التمديد يحمل في طيّاته كثيراً من التعقيدات السياسية. لكن بقراءة بسيطة للأحداث، يشكّل المرض تحديداً عذراً منطقياً يمكن أن تبحث عنه حكومة براغماتية في ظلّ تعثّر بعض المناقشات العالقة. من جانب آخر، أظهر استطلاع للرأي أن الشعب البريطاني يدعم بشدّة تمديد الفترة الانتقالية، ويتفهّم الأمر تماماً نظراً إلى الظروف الوبائية الراهنة: فقد أظهر الاستطلاع الأخير الذي أجرته مؤسسة Focaldata أن 66 في المئة من الناخبين يؤيّدون التأجيل، بما في ذلك 48 في المئة من "المحافظين"، و45 في المئة من أنصار حزب "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".

ويقول سام لوي، "السؤال الوحيد المهم الآن يكمن في ما ينوي بوريس جونسون فعله، لأنه إذا قرر أن من مصلحته السياسية تمديد الفترة الانتقالية، فلا شكّ لديّ في أنه سيكون قادراً على حشد التأييد الشعبي لذلك".

ويرى أنه إذا كان جونسون سيظهر على شاشة التلفزيون مبرراً التخلّف عن وعوده التي تقضي بإتمام الاتفاق بحلول نهاية السنة بالظروف الطارئة للوباء التي تستلزم وقتاً أطول للتعامل مع الأحداث، مستعطفاً تفهّم الناس، "فأنا على يقين أن 90 في المئة من السكّان سيقومون بتأييده، ويجدون أن ذلك عادل بما فيه الكفاية"، على حدّ تعبير لوي.

ويعتبر في المقابل، أن من البديهي أن يثير القرار حفيظة بعض المتطرّفين، "لا سيما منهم المسنّون"، لكنه يرى أن على جونسون أن لا يقلق على الانتخابات العامّة سنوات، وأنه ما زال من الممكن أن يغيّر رأيه، وإذا ما قام بذلك، "فسيكون لديه سبب وجيه جدّاً. وفي أي حال سنرى".

في الواقع، قد يشير بعض المشكّكين إلى أن الحكومة البريطانية لم تترك فرصةً خلال الأعوام الأربعة الماضية، إلا ونفت فيها نيّتها إرجاء أي أمر يتعلق باتفاقية مغادرة بريطانيا الاتّحاد الأوروبي، لكنها كانت تقوم بعكس ذلك في اللحظة الأخيرة.

لكن، في كلّ مرة كانت استراتيجية المملكة المتّحدة تتمثل دائماً في استخدام جهة أخرى للتسبّب في إرجاء الاتفاقية: وهو البرلمان عادة. وفي ظلّ غالبية كبيرة في مجلس العموم، وتداعيات الأزمة الوبائية الراهنة التي تطغى على السجالات السياسية، من الصعب رؤية أيّ عامل من شأنه أن يجعل الحكومة "مضطرة" إلى طلب التمديد هذه المرّة. حتى السير كير ستارمر، زعيم حزب العمّال المعارض، رفض الإثنين الماضي أن يغوص في هذا السجال قائلاً إنه لم يكن يدعو إلى تأخير التمديد، إنما يفضّل "استكمال المفاوضات بأسرع وقتٍ ممكن".

هذا الوضع أدّى إلى قيام نظرية أخرى مختلفة تماماً حول تأثير "كوفيد 19" في سياسات التمديد، إذ رأى فيل هوغان، المفوّض التجاري للاتحاد الأوروبي، في تصريح علني الأسبوع المنصرم، أن السياسيين والحكومة في المملكة المتّحدة "قرّروا بالتأكيد إلقاء اللوم على كورونا في مجمل التداعيات المتعلّقة بخروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبي. وفي تصوّري للأمر، إنهم لا يريدون دفع المفاوضات إلى 2021، لأنهم يعلمون أن في وسعهم على نحو فعّال، ربط إخلالهم بأيّ وعود، بتفشّي الوباء". 

إذا أخذنا في الحسبان هذه النظرية التي تُتداول على نطاق واسع في دوائر "ويستمنستر" وبروكسل على حدّ سواء، فإنّ عدم التوصّل إلى اتفاقية لم يعد بالأمر الأساسي، لأن الاقتصاد البريطاني يقبع اليوم في "جناح العناية الفائقة"، نتيجة إجراءات الإغلاق التي فرضها الوباء.

إذن، ما أهمية بعض الفوارق القليلة في النسب المئوية للناتج المحلي الإجمالي بين الأصدقاء؟ إن هذا المنحى التحليلي خاطئ برأي لوي، لأسباب سياسية واقتصادية، بحيث يرى أن السؤال الذي يجب طرحه على الحكومة البريطانية يصبح كالآتي: "هل نريد حقاً أن نتلقّى ضربة أخرى بقوة الصدمة التي أحدثها لنا وباء (كوفيد 19)؟ وحجّتي ستكون: لماذا نريد أن نفعل ذلك؟".

ويضيف المتخصص والباحث، "قد تكمن الحجّة في أن الصدمة الاقتصادية التي سبّبها الوباء من شأنها أن تخفي أيّ تأثير سلبي لخروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبي. وربما إنما كما في الواقع، الصدمات التي قد تنجم عن مسألة (بريكست) تختلف عن تلك المتأتية من (كوفيد 19)، لذا أعتقد أن من السخف تبنّي مثل تلك الحجّة. لكن لا يهم، فأنا لست في موقع المسؤولية".

ويستكمل لوي، "موضوع المغادرة البريطانية للكتلة الأوروبية يشتمل على مجموعة من الحواجز والاحتكاكات الجديدة التي تمس سلسلات الإمداد الغذائي، ما من شأنه أن يتصدّر ذروة الاهتمامات، إضافة إلى المشكلات القائمة الآن. فلنترك مسألة أرقام الناتج المحلّي الإجمالي وغير ذلك من أمورٍ ذات صلة، إلا أن التأثير الذي سيحمله اليوم الأول من بدء تطبيق الوضع الجديد، إضافة إلى الإجراءات القائمة التي يُعمل بها عند منافذ الدخول إلى البلاد والخروج منها، ستثير ضوضاء إعلامية، وقد تتصدّر شاشات التلفزيون لقطات حيّة على سبيل المثال لصفٍّ من الشاحنات المتراصّة في دوفر. وهذا في حدّ ذاته يشكلّ أحد التحدّيات التي تختلف عن تلك التي يشكّلها (كوفيد 19)".

الاتّحاد الأوروبي يؤكّد من جهته، أنه موافق على التعاون لتمديد المرحلة الانتقالية، لكنه على دراية بالوضع السياسي القائم في المملكة المتّحدة. فقد أوضح سايمون كوفيني نائب رئيس الوزراء الإيرلندي التحدّي الذي يواجه الاتّحاد الأوروبي الجمعة الماضية، قائلاً: "لن أرفع التوقّعات لموافقة الحكومة البريطانية على المطالبة بمهلة أطول. إذا كان لدينا أيّ فرصة لإقناعها بأخذ المزيد من الوقت، علينا أن نكون حذرين في طريقة القيام بذلك، لأن مطالبتنا قد تُفسَّر بأنها تنازل من جانب الاتّحاد الأوروبي، وهذه ليست إطلاقاً الطريقة الفضلى للقيام بذلك".

كيف يمكن إذن تنفيذ ذلك من الناحية العملية؟ الاتّحاد الأوروبي يمتلك استراتيجية حذرة، بعيداً عن الكاميرات، لمساعدة حكومة المملكة المتّحدة على التحرّك نحو طلب التمديد إذا ما اختارت ذلك.

فقد قال أحد مسؤولي الاتّحاد المعنييّن بالمفاوضات لـ"اندبندنت"، "أعتقد أن النقطة التي نريد أن نثيرها هي أن لا حاجة إلى تقديم طلب موافقة على التمديد، إذ يكفي فقط أن يكون هناك توافق بين الطرفين. قد يبدو الأمر سخيفاً، لكن لا يتعيّن على أحد التقدّم بطلب للحصول على ذلك. علينا فقط التوصّل إلى توافق مشترك، بحيث لا يقع الخطأ على أحد. أعلم أن هناك فارقاً بسيطاً".

هل يستغرق ذلك مزيداً من الوقت؟ ربما، لكنه حلّ يمنح فسحة أملٍ ولو كانت صغيرة، ويعطي بوريس جونسون مساحةً أكبر للمناورة السياسية.

من جهة أخرى، يمكن للحكومة البريطانية ببساطة التزام الموعد النهائي المحدّد للمرحلة الانتقالية، على أمل أن تتمكّن من تعديل قواعد اللعبة في ديسمبر (كانون الأول)، إذا كانت هناك حاجة فعلية للتمديد في ذلك الوقت. توجد مدرستان فكريتان في هذا الشأن: مدرسة متفائلة تقول إنه سيُعثر على حلّ إذا ما لزم الأمر، وأخرى مشكّكة تشير إلى أن المعاهدات غير المرنة تسبّبت في مشكلات أكبر في الماضي من الحواجز ونظام الحصص.

لكنّ مصدراً بريطانياً معنيّاً بالمفاوضات يرى أن (كوفيد 19) يجعل من التمديد أمراً غير مرغوب فيه على نحو كبير، ويصرّ على الرغبة الجادّة لدى الحكومة في عدم التأجيل، ويزعم أن حزمة الإنقاذ المطروحة في الأفق، من خلال استخدام حجّة الوباء التي يُجرى التخطيط لها في مطبخ الاتّحاد الأوروبي، يمكن أن تحمل في طيّاتها تحوّلاً جذرياً في سياسة الاتّحاد الأوروبي، لم توافق عليه بريطانيا أساساً.

ويضيف المصدر الحكومي البريطاني، "سيقومون بابتكار مجموعة من القوانين الجديدة المتعلقة بـ(كوفيد 19)، ونحن لا ندري ما ستكون طبيعتها أو تكلفتها، أو ما إذا كانت متوافقة مع شروطنا. لا يبدو من المعقول بالنسبة إلينا أن نكون في وضع يصعب توقّعه". وفي الحقيقة إن من الصعب التكهّن بهذه الحالة.

ويعلّق لوي، "أنا لست من فئة الأشخاص، (لعله يجب القول إن بعض متابعي المفاوضات التجارية قد يخالفون هذا الرأي)، الذين يعتقدون أن المفاوضات على الاتفاق التجاري تتطلّب وقتاً طويلاً. لا أعتقد أن هناك بالفعل أيّ سبب تقني يجعل الأطراف المعنية فيها تستغرق سبع سنوات، على سبيل المثال للتوصّل إلى اتفاق".

ويتساءل: "هل يمكن إبرام اتفاق تجاري هذه السنة على الرغم من الوقت الضائع؟ بالطبع يمكن ذلك. الأمر يتطلّب فقط اتّخاذ قرارات سياسية، وبالتحديد في المملكة المتّحدة، حتى لو تسبّب الأمر بإزعاج بعض الدوائر الانتخابية. في هذه الحال، يمكن التوصّل إلى اتفاقية".

ويخلص إلى القول، "هل ما زال هناك وقت لتحقيق ذلك هذه السنة؟ نعم، بكلّ تأكيد. ما زلت أعتقد فقط أن القيام بذلك هذه السنة هو عمل غير مسؤول إلى حدّ كبير، لأنك تطلب من الشركات التكيّف مع تغييرات كبيرة، سواء جرى التوصل إلى اتفاق أم لا، بعدما كان عليها المكابدة للتعامل مع تداعيات الوباء العالمي وحال الركود الاقتصادي الناجمة عنه".

© The Independent

المزيد من دوليات