Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هوس ترمب الجديد بمؤامرة "أوباما غيت" ينطوي على نيات شريرة

يعملون على إعادة هندسة الواقع عكسياً

لوهلة، يبدو ترمب كأنه بصدد منافسة سلفه باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية المقبلة (أ.ف.ب.)

خلال السنوات القليلة الأولى من رئاسة دونالد ترمب، كثيراً ما استشهد المدافعون عن الرئيس بتصريح منسوب إلى لافرينتي بيريا، رئيس الشرطة السرية السوفياتية سيئ الصيت في عهد ستالين، في سياق وصفهم التحقيقات المتعددة ضد ترمب من قِبل وزارة العدل ومجلس النواب ومدينة نيويورك وولايتها. "أرني الرجل، وسأريك الجريمة" (بمعنى إلصاق جريمة به)، تلك كلمات تصريح لافرينتي.

وبالطبع، على عكس مغزى كلمات بيريا، لقد كشفت سلسلة من التحقيقات عن معلومات حول سلوك ترمب قبل توليه الرئاسة وبعدها. وبدا من شبه المؤكد أن يسفر ذلك، لولا منصبه الرئاسي، عن قضية جنائية ضده.

ويحب كثيرون من منتقدي ترمب إجراء مقارنات بين الرئيس الـ45 للولايات المتحدة ومجموعة من الديكتاتوريين الأكثر شهرة في التاريخ، بمن فيهم أدولف هتلر وبينيتو موسوليني، وبالطبع جوزيف ستالين.

لكن، تلك المقارنات ليست عادلة كذلك، لأن ترمب على عكس ستالين (أو بيريا) لا يستطيع أن يُرينا الجريمة. ففي الأيام الخمسة التي تلت تقدّم وزارة العدل بطلب إسقاط الاتهامات الجنائية ضد الجنرال المتقاعد مايكل فلين، أول مستشار للأمن القومي عيّنه ترمب، المتعلقة بالكذب على "مكتب التحقيقات الفيدرالي" (إف بي آي)، ركّز الرئيس اهتمامه مجدداً حول ما يصفه بـ"أكبر جريمة سياسية في التاريخ الأميركي"، وقد كُشف عن هذا بطريقة أو بأخرى من خلال قرار وزارة العدل غير المسبوق بنشر ملاحظات عملاء "إف بي آي" إلى محامي فلين، على الرغم من وجود أمر قضائي يضع هذه المستندات خارج أدلة "البراءة"، التي يتوجّب على الدولة تسليمها إلى المُدّعى عليه.

كذلك قرّر ترمب وحلفاؤه توظيف سلسلة من محاضر المقابلات التي أجرتها لجنة المخابرات في مجلس النواب في أثناء تحقيقها في الهجوم الروسي على الانتخابات الرئاسية في 2016. وقد تمسّكوا تحديداً بجزء من مقابلة اللجنة مع نائبة المدعي العام السابق سالي ييتس، يصف اجتماعاً عُقد في المكتب البيضاوي خلال الأيام الأخيرة من إدارة أوباما، بأنه فاضح على نحو خاص.

كذلك أخبرت ييتس المحققين بأن باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة آنذاك، عَلِمَ بمراقبة سرية للغاية للمكالمة الهاتفية التي أجراها السفير الروسي في ذلك الوقت سيرغي كيسلياك مع فلين، المستشار المُكلّف آنذاك شؤون الأمن القومي في إدارة ترمب.

وبالنسبة إلى ترمب الذي يُعرف عنه أنه لا يقرأ الإحاطات الاستخباراتية اليومية، بدت فكرة اطّلاع الرئيس بشكل كامل على اتصالات خصم أجنبي، بمثابة فضيحة أطلق عليها اسم "أوباما غيت".

في المقابل، عندما طلب فيليب روكر، الذي يعمل في صحيفة "واشنطن بوست"، من ترمب أن يوضح الجرائم التي يعتقد أن سلفه ارتكبها، لم يستطع ترمب التوضيح، لأنه لا يستطيع. من جهة أخرى، ثمة لجنة ثلاثية من المدعين الفيدراليين الذين عيّنهم ترمب يبحثون في سجلات التحقيق الذي أجرته وزارة العدل بشأن ترمب وروسيا، وكذلك في سجلات الأيام الأخيرة لإدارة أوباما، عن مواد يمكن استخدامها بالطريقة نفسها التي استُخدمت بها ملاحظات عملاء "مكتب التحقيقات الفيدرالي" لتقويض قضية وزارة العدل ضد فلين.

غير أن ما يسميه ترمب "أوباما غيت،" والتحقيق الجاري المتعلق بروسيا، وتحرّك وزارة العدل لإسقاط التهم الموجهة ضد فلين، ليست أمثلة على التبجح المعتاد من قِبل ترمب، أو ردوده على خصم سياسي، ليست كلها مجرد انتهاكات صارخة أخرى للمعايير الراسخة التي تحكم علاقة الرئيس بوزارة العدل. إنها أسوأ بكثير من ذلك.

يَفترض جيسون ستانلي، الأستاذ في "جامعة ييل" والمتخصص في دراسة الاستبداد والدعاية، أن الهدف النهائي لترمب وحاشيته يتمثّل في يُدخِلوا إلى الحياة الواقعية عدداً من نظريات المؤامرة التي لا أساس لها حول أوباما وغيره من الديمقراطيين البارزين الذين يندرجون تحت مظلة ما يعرف بـ "كوانو" QAnon. (يروج في أوساط مؤيدي ترمب نظرية مؤامرة تتبنى مقولات يفترض أنها آتية من وثائق يسرّبها شخص مجهول يعمل ضمن المؤسسة السياسية. ويُشار إلى ذلك بتسمية "كوانو").

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح ستانلي "أنهم يقومون بإعادة هندسة الواقع كي يبدو على عكس حقيقته، فيُصبح متناسباً مع نظريات المؤامرة المجنونة الخاصة بهم"، وأضاف، "إنهم يحاولون العثور على كل قصة محتملة يمكنهم ترويجها من طريق إخراج الأشياء من سياقها وجعلها تتناسب مع نظرية المؤامرة الخاصة بهم".

وكذلك اعتبر ستانلي أن هوس ترمب بالتغريد حول "أوباما غيت"، وتصرّفات وزارة العدل في قضية فلين، يشكلان تعبيرات واضحة عن نياتهما.

ووفق كلماته، "إنها سمة معروفة للحكومات الاستبدادية، إنهم يختلقون واقعاً لأكاذيبهم. يُخبرون الناس بالقصة التي سيختلقونها، ويعيدون هندسة الواقع عكسياً، لجعل نظرتهم إليه تبدو حقيقة، وسيتطلب ذلك انتقاء الأشياء، لأن الواقع ببساطة ليس مناسباً، وكذلك يصبح كل دليل مضاد لدعواهم، مجرد أدلة على وجود مؤامرة ضدهم أصلاً".

وتابع، "إنهم يبحثون في جميع الوثائق للحصول على بضعة أجزاء من البيانات التي سيقولون إنها حقاً دليل دامغ، وبعد ذلك ستُستبعَد كل الأدلة الوفيرة ضد نظرية المؤامرة الخاصة بهم. وفي الواقع، سيُجرى التعامل معها دليلاً يعزز نظرية المؤامرة تلك، ما دام يُفتَرَضُ أنها مكتوبة من قبل المتآمرين"، وأضاف ستانلي أن استحضار ترمب اسم أوباما شكّل وسيلة "لربط انتخابات 2020 مع الانتماء العرقي"، عبر جعلها تدور حول الفساد المتصوّر لسلفه بدلاً من سجله الخاص في الفساد.

في المقابل، يشير توني شوارتز، المؤلّف الخفيّ لكتاب ترمب "فن الصفقة"، إلى أن مزاعم ترمب بشأن أوباما لا تنبثق من حسابات سياسية، بل من عقل مضطرب للغاية.

وحسب رأيه، "أعتقد أن التفسير الأساسي يتمثّل في أنه يتمتع بصفات مريض نفسي، بمعنى أنه غير مقيد بأي شعور بالضمير. فإذا لم يكن لديك ضمير، فأنت لا تميِّز بين الصواب والخطأ. أنت تختلق الواقع. كي يتناسب مع حاجاتك الفورية".

وأوضح شوارتز أنه بالنسبة إلى ترمب "ليس مهماً أن يكون أمر ما صحيح أو خطأ، بل المهم هو هل أتجاوز هذا الشيء؟ هل سيعزز هذا مصالحي؟ إنها الأسئلة الوحيدة التي سبق أن طرحها على الإطلاق".

وليس شوارتز الوحيد ممن يعرفون الرئيس، ويشيرون إلى أنه يعاني اضطراباً في الشخصية. إذ كتب المحامي جورج كونواي، المعروف أيضاً باعتباره زوج مستشارة ترمب كيليان كونواي، العام الماضي في مجلة "ذي أتلانتيك" أن ترمب يعاني الاضطراب النفسي المعروف بـ"اضطراب الشخصية النرجسية". كذلك جادل أخيراً بأن ترمب يعاني "نرجسية خبيثة،" وقد صاغ ذلك المصطلح عالم النفس الاجتماعي إريك فروم لوصف "مرض عقلي شديد" يمثل "أساس الشر"، و"أشد الأمراض، وأصل أقوى النزعات التدميرية والوحشية".

في مسار مغاير، رأى أحد المسؤولين السابقين في البيت الأبيض، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه حمايةً لمشروعاته الاستشارية السياسية، إن تبني ترمب نظريات المؤامرة ليس ناتجاً عن حسابات معينة، ولا متأتيّاً من تجذّر افتقار عميق للوازع الأخلاقي لديه، بل لأنها (نظريات المؤامرة) تعزز ثقته بالنفس.

وأوضح المسؤول السابق أن ترمب "يصدّق كل شيء عن هذا الهراء، لأنه شخص مهووس، يريد أن يشعر بالرضا عن النفس، والمجانين الذين يتحدثون عن ذلك يجعلونه يشعر بالرضا عن نفسه عبر الحديث عنها". وأضاف، "الآن، بات لدى الرئيس المجنون مجانين آخرون يُجرون تحقيقات لتعزيز النظريات الجنونية التي يطالعها على (فوكس نيوز) وشبكة (أو إيه أن) OAN. نحن نعيش تحت سلطة مجنونة".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء