انهارت البورصات الأميركية أمس، على وقع التحذيرات الخطيرة التي أطلقها رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي (البنك المركزي) جيروم باول، حول اقتصاد الولايات المتحدة الضعيف واحتمالية استمرار ضعفه طويلاً، داعياً مجلس النواب إلى مزيد من الإنفاق المالي لتجاوز الأزمة الناتجة عن انتشار فيروس كورونا وتوقف الأعمال.
وعلى الفور، هوت "وول ستريت" حيث هبط مؤشر داو جونز الصناعي 520 نقطة بما يعادل 2.19 في المئة إلى 23244 نقطة، وفقد "ستاندرد آند بورز" 50 نقطة أو 1.75 في المئة ليسجل 2819 نقطة، ونزل المؤشر "ناسداك" المجمع 139 نقطة أو 1.55 في المئة إلى 8863 نقطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تصريحات معاكسة للرهانات
وجاءت تحذيرات رئيس "مجلس الاحتياطي" معاكسة لما راهن عليه المستثمرون الشهر الماضي بإمكانية العودة للأعمال، بالتالي العودة للنمو الاقتصادي التدريجي، لكن يبدو أن البنك لديه بيانات مختلفة سلبية، وأعطى أمس إشارات للسوق بأن الأسوأ قادم، ما ترك انطباعاً سلبياً. وكانت أجواء التفاؤل في البورصات الأميركية دفعت المؤشرات الرئيسة الثلاثة للأسهم الأميركية للارتفاع نحو 30 في المئة من أدنى مستويات مارس (آذار)، بحسب بيانات "رويترز"، وذلك بعد انهيارات لحقت بأوامر الإغلاق الفيدرالية.
ومن الملفت أن رئيس مجلس الاحتياطي نفى ما تردد عن إمكانية دفع أسعار الفائدة لما دون الصفر، كما فعلت بنوك مركزية أخرى في إطار تصديها للأزمة المالية العالمية قبل أكثر من عشر سنوات، قائلاً إن "أسعار الفائدة السلبية ليست شيئاً ندرسه".
الدولار يصعد بانتظار التحفيز
وأعطت تلك التصريحات زخماً للدولار، حيث ارتفع مؤشره، الذي يقيس قوة العملة الأميركية أمام ست عملات رئيسة، 0.23 في المئة إلى 100.26. وكان قد انخفض إلى 99.57 في وقت سابق من الجلسة، بحسب بيانات "رويترز".
وكان البنك المركزي الأميركي خفض أسعار الفائدة إلى ما يقارب الصفر، وقدم خططاً تحفيزية عدة تشمل تسهيلات إقراض غير مسبوقة للشركات وشرع للمرة الأولى في شراء سنداتها.
وهناك جدل سياسي الآن حول خطة تحفيزية جديدة قوامها 3 تريليونات دولار ينتظر أن يقرها الكونغرس الأميركي لمواجهة الأزمة، وتأتي بعد خطة تريليونية سابقة، ما يوضح حجم الأزمة وعمقها.
محو الوظائف وآمال العودة
وكان المركزي الأميركي أجرى مسحاً حديثاً خلص إلى أن ما يقدر بـ40 في المئة من الأسر التي يقل دخلها عن 40 ألف دولار فقد أحد أفرادها وظيفته منذ فبراير (شباط) الماضي.
وأظهرت بيانات معدلة نشرتها وزارة العمل هذا الأسبوع أن اقتصاد الولايات المتحدة فقد 20537 مليون وظيفة، وهو رقم قياسي مرتفع، في أبريل (نيسان). وقفز معدل البطالة إلى 14.7 في المئة في الشهر ذاته، وهو مستوى قياسي مرتفع، من 4.4 في المئة في مارس.
وتستعد أميركا لفتح الاقتصاد تدريجياً، علماً أن ولايات عدة عادت إلى العمل بشكل منفرد، وقال وزير الخزانة ستيفن منوتشين، أمس، إنه ستتم إعادة فتح الاقتصاد ببطء، وحذر من أن الانتظار أكثر من اللازم يهدد بحدوث أضرار اقتصادية بالغة.
وامتد صدى تصريحات البنك المركزي الأميركي على البورصات الأوروبية، حيث تراجع مؤشر "ستوكس 600" الأوروبي 1.9 في المئة أمس، ليسجل أدنى مستوياته في أسبوع. وهناك إشارات إيجابية جاءت من إيطاليا، بؤرة فيروس كورونا في أوروبا، حيث قال رئيس الوزراء جيسيبي كونتي، إن الحكومة وافقت بعد تأخر طويل على حزمة تحفيز حجمها 55 مليار يورو (59.6 مليار دولار) لمساعدة الشركات والأُسر على اجتياز أزمة فيروس كورونا.
انتكاسة النفط مرة أخرى
وأدت هذه التصريحات المتشائمة من "المركزي الأميركي" إلى تراجع في أسعار النفط أيضاً، حيث هوت الأسعار نحو 2 في المئة أمس، رغم ظهور بيانات أميركية عن أول تراجع في مخزونات الخام الأميركية منذ يناير (كانون الثاني)، ما يفترض أن يكون عاملاً إيجابياً لأسعار النفط، لكن وقع تحذيرات "الاحتياطي الفيدرالي" كانت أقوى، حيث إن أشهراً عديدة قد تستغرق للتعافي بحسب تقديرات "الاحتياطي"، تعني أن الحاجة إلى الطاقة ستقل تدريجياً.
وتحدد سعر التسوية لخام القياس العالمي "برنت" على انخفاض 79 سنتاً بما يعادل 2.6 في المئة إلى 29.19 دولار للبرميل. وأغلقت العقود الآجلة لخام القياس الأميركي "غرب تكساس الوسيط" منخفضة 49 سنتاً أو 1.9 في المئة عند 25.29 دولار للبرميل.
وقالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أمس، إن صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام تراجع الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوياته على الإطلاق.
وأظهرت البيانات انخفاض صافي الواردات إلى نحو 1.87 مليون برميل يومياً.
وتراجع إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة 300 ألف برميل يومياً إلى 11.6 مليون برميل يومياً، أقل مستوى له منذ ديسمبر (كانون الأول) 2018.
الذهب الملاذ الآمن
في المقابل، ظهرت توقعات بأن يتجه المستثمرون أكثر نحو الذهب كملاذ آمن، حيث قالت أبحاث بنك "سيتي" إن من المتوقع أن ترتفع أسعار المعدن الأصفر على المدى المتوسط وقد تتجاوز 2000 دولار للأوقية (الأونصة) في عام 2021، إذ عزّز خفض البنوك المركزية أسعار الفائدة والتوقعات الضبابية للاقتصاد الكلي الطلب على الملاذ الآمن بحسب ما نقلت "رويترز".
ورفع البنك توقعاته لمتوسط سعر الذهب في العام الحالي إلى 1680 دولاراً من 1640 دولاراً في وقت سابق، بينما أبقى على توقعاته لعام 2021 عند 1925 دولارا للأوقية.
ويبدو أن العالم يتجه إلى مأساة اقتصادية طويلة، إذ قالت كبيرة اقتصاديي صندوق النقد الدولي، غيتا غوبيناث، إن "البيانات الاقتصادية منذ أبريل (نيسان) تؤكد توقعات صندوق النقد لانكماش الناتج الاقتصاد العالمي 3 في المئة، وربما ما هو أسوأ".
بينما قالت الأمم المتحدة أمس، إنه "من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد العالمي 3.2 في المئة في 2020"، مرجحة أن يكون تعافي الناتج الاقتصادي تدريجياً فحسب في 2021.