Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جرائم الشرف في شمال القوقاز الروسي...شكل من أشكال القتل المقبول اجتماعياً

في معظم الأحيان، لا يتصرف فرد بمفرده بل بتفويض من "مجلس عائلي" مكون بكامله من الذكور.

قبر مريم ماغوميدوفا التي قتلها عمها في ما يسمى بـ"جريمة الشرف" (أوليفر كارول)

في أسبوع حار من شهر أغسطس (آب) عندما حان موعد قتلها خنقا حتى الموت على يد عمها، عادت مريم ماغوميدوفا إلى منزلها في قرية نيشاييفكا في داغستان، لحضور حفل زواج ابن عمها.

يتذكر أقارب مريم  من جهة أمها فرحتهم عندما رأوا الفتاة الجميلة ذات الطوال الممشوق، البالغة من العمر 22 عاما – هكذا تذكرها الجميع تقريبا – عندما عادت من موسكو التي تدرس فيها في رحلة نادرة. لقد ساعدوها حتى في شراء تذكرة العودة إلى أهلها. كانوا يجهلون ما كان ينتظرها. كان ذلك  صدمة كبيرة لهم كما كان بالنسبة لها.

تقول خالتها فاطمة عبد المسلموفا إن الحظ ما كان أبدا بجانب مريم إذ خانها قبل عامين من وفاتها عندما أرغمت على الزواج بابن عمها الذي يكبرها بـ 14 عاما. وتم تنظيم زفاف علاه الصراخ وخلا من البهجة. وقالت عبد المسلموفا إن ذلك اليوم كان نذير شؤم إذ تقاطع موكب الزفاف مع موكب جنائزي أقيم في ذات الوقت.

لا أحد في نيشاييفكا يعرف حقا لماذا قتلت مريم. لكن عمرعزت ماغوميدوفا، مدير مدرسة إعدادية محلية، وهو ليس من أقارب الفتاة، قال إن الكثير من الحكايات راجت بالتأكيد، وأن الفتاة كانت مطلقة بالفعل في ذلك الوقت، ولكن لسبب ما، أثارت رسائل نصية ربما تبادلتها أو لم تتبادلها مع رجل حفيظة أقاربها من جهة الأب. لا أحد قرأ تلك الرسائل، ولا أحد يستطيع حتى أن يدلي بمضمونها.

عندما وصل الأمر إلى المحكمة، قدم عمها قصة مختلفة: لقد شوهدت مريم وهي ترتدي أكماما قصيرة وفساتين إلى حد الركبة. كانت هناك شائعات بشأن انحلال أخلاقي، لكن في الواقع لم تكن أي من تلك الشائعات صحيحة.

وعلى مدى أسبوعين، التزمت جهة الأب من العائلة الصمت بشأن دورهم في اختفاء مريم. ظهرت الحقيقة فقط عندما تم العثور على الجثة، كاملة مع وشاح استخدم لخنقها.

ولم يكن ذلك إلا بداية مسيرة دامت  أربع سنوات قبل أن تتمكن والدة مريم من وضع قاتل ابنتها في السجن. وفي كل خطوة على الطريق كانت السلطات تعرقلها. واستغرقت إجراءات  تقديم بلاغ الموت المشبوه أسابيع. أما التحقيق فقد دام سنة كاملة، وقد تم رفضه قبل وصوله المحكمة. وعندما عاد للمحكمة المحلية - بعد فضيحة كبيرة - تمت تبرئة عمها. لكن وبمساعدة منظمات غير حكومية وصحافيين، تم نقض هذا الحكم في نهاية المطاف. وبوجود علامات واضحة، أقر العم بارتكابه الجريمة وحكم عليه بالسجن سبع سنوات، بما يزيد قليلا عن الحد الأدنى لعقوبة القتل العمد.

تقول خالتها عبد المسلموفا: "أخيرا بلغنا الهدف. كنا مدفوعين بعينيها الجميلتين. ما زلت أراهما كل يوم." لم تعد تتحدث مع عائلتها من جهة الأب بعد أن تصرفوا "مثل الحيوانات،" كما تقول.

 

قصة وفاة مريم ماغوميدوفا ليست حادثة منعزلة في شمال القوقاز الروسي ذي الغالبية المسلمة. لكن تفاصيلها تستحق أن تُعرض لسببين اثنين أولهما، أنها أصبحت قصة متداولة بين العامة، وثانيهما لمتابعتها بإصرار في المحاكم وسط مقاومة واضحة من السلطات.

مثل هذه القضية غالبا ما تظل طي الكتمان، حسب يوليا أنتونوفا، وهي محامية مختصة في الدفاع عن حقوق الإنسان، أصدرت في ديسمبر (كانون أول) 2018 بالشراكة مع سعيدة سراج الدينوفا، أول دراسة مستفيضة حول القضية. وتضيف أنتونوفا أن العائلات لديها ميل كبير للتآمر مع الأطباء والمحامين لإخفاء  آثار الجرائم، وحتى حين تصل القضية ردهات المحاكم فغالبا ما يطلب الأقارب أن تتم جلسات الاستماع على انفراد.

كما أن الطبيعة المحرمة للقضية تحول دون الحصول على فكرة كافية عن الحجم الحقيقي للمشكلة. ويوثق التقرير الصادر سنة 2018 ما لا يقل عن 36 حالة على مدى خمس سنوات من 2012 إلى 2017. لكن الأرقام لا تشمل إلا جرائم القتل بدافع الشرف التي تم توثيقها ومراجعتها. وقد يتم تفسير الكثير من حالات النساء اللائي "غادرن" إلى موسكو أو أنهن تعرضن لحوادث سير تفسيرا أكثر قبحا.

وتتفق أنتونوفا مع تقديرات الأمم المتحدة التي تفيد بأن الأرقام الحقيقية قد تكون أكبر من ذلك بعشرة أضعاف، وتقول: "يجوز لنا القول إن حوالي 500 جريمة قتل وقعت خلال السنوات الخمس تلك لوحدها".

عموما يتم اللجوء إلى الخنق أو الطعن كخيارين أساسين للقتل، لكن التقارير تفيد كذلك باستعمال السموم والرمي بالرصاص وحتى الضرب بالفؤوس. وفي غالب الأحيان لا يتصرف القاتل لوحده لكن بتفويض من "مجلس عائلي" يتكون كله من الذكور. وفي بعض الأحيان، يكون أفراد الأسرة الأقربون ضد الفكرة لكنهم يتعرضون لضغوط هائلة من قريب بعيد يرغب في استغلال القتل لتعزيز مكانته الاجتماعية والمهنية. وفيما يخص "الجرائم"، فإنها تتراوح بين الزنا وشائعة بسيطة حول فساد أخلاقي. ففي حالة وقعت سنة 2015، تم خنق فتاة إنغوشية حتى الموت من طرف عمها بعد أن وجدها تدخن سيجارة.

وترى سفيتلانا أنوخينا، وهي صحفية محلية ساعدت العديد من الفتيات من شمال القوقاز على النجاة، إن الرجال غالبا ما يتوارون خلف مفاهيم ملتوية للشرف والتألق لتبرير جرائمهم. غير أن عبثية جرائم القتل لا تبرر أبدا القبول الذي تحظى به.

وتضيف:

يجب علينا أن نفكك المفاهيم، فتلك الجرائم ليست قتلا للدفاع عن الشرف، بل هي قتل بدم بارد يقترفها أشخاص هم موضع ثقة. إنها جرائم قتل يرتكب حين تنتفي كل الحراسات.

ويتم كذلك استخدام شعار "القتل دفاعا عن الشرف" لإخفاء بعض الممارسات غير الأخلاقية مثل السرقة، والاغتصاب وزنا المحارم. ففي حالة مزعجة حدثت سنة 2013، تم قتل فتاة عمرها أربعة عشر ربيعا فقط، اعترف والدها المدعو عبد الله أ. حسبما ورد في الوثائق القضائية، للمحققين أنه أقدم على قتلها في لحظة غضب بعد اكتشافه سلوكها "غير الأخلاقي". لكن الدافع الحقيقي وراء تلك الجريمة، الذي لم يكن سوى اغتصابه لها وإيذائها لمدة عامين، لم يظهر إلا بعد أن صرحت عمتها أن الفتاة سبق لها أن أسرت لها بذلك. وفي نهاية المطاف حكم على عبد الله بالسجن اثني عشر عاما.

ويزيد نظام إنفاذ القانون الفاسد في المنطقة عبئا خاصا على النساء. وفي هذا الصدد تقول المحامية سليمة قاديروفا، التي نابت عن أم مريم ماغوميدوفا المكلومة في المحاكم، أنها ما تزال تتذكر كيف كان قتلتها يتمتعون بالحماية الخاصة من الشرطة. وأن المكان كان مليئا "بالأكاذيب القذرة".

كان وجه المحامية، وهي تنظر إلى كوب الشاي أمامها، تعلوه ملامح الغضب. وأضافت أن هذا العمل صعب بحيث يجعلك تشك في أخلاقيات الأمة في معظم الأوقات. كانت قد انتهت لتوها من الدفاع في المحكمة عن ضحية أخرى من نوفوشوراخ وهي قرية جبلية تقع على بعد 20 ميلا من نيشاييفكا. وليس هناك من شيء جميل يمكنها أن تذكره عن قصة موكلتها. فالمرأة الأم لطفلين تعرضت للاغتصاب من طرف عصابة مكونة من تسعة أشخاص قاموا بتصوير الاعتداء ونشره في شبكات التواصل الاجتماعي. ولم يكتف الرجال بما اقترفوه، بل إنهم قصدوا أهل الضحية لكسب التأييد لقتلها لأنها جلبت لهم العار.

إلا أن عائلتها امتنعت عن القيام بشيء ضدها، ولحسن الحظ ما تزال المرأة على قيد الحياة. ولو أن ذلك لم يكن حياة بمعنى الكلمة، إذ أنها ومنذ ذلك الهجوم أخضعت نفسها للإقامة الجبرية خشية أن تصادف مهاجميها في القرية مرة أخرى. ولا يرجح أن تحصل السيدة على العدالة التي تستحقها عبر الإجراءات القضائية. فزعماء تلك العصابة ينتمون إلى مافيا ذات تأثير قوي وتم إطلاق سراحهم جميعا إلا واحدا.

وتقول قاديروفا إن "هؤلاء الأشخاص متعودون على الإفلات من العقاب، فلا أحد بإمكانه إيقافهم."

ويرى البعض أن الدين، مع التأثير القوي للثقافة الأبوية والتقاليد المحافظة، هو الأمل الوحيد لإيجاد التغيير في المنطقة. في الواقع، ومند سنة 2013، كان الموقف الرسمي للقيادات الدينية مناهضا لعمليات القتل بدافع الشرف، مؤكدين أنها تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. ولكن في بعض الحالات، ينساق المعلمون الدينيون مع خطابات الشرف والتقاليد المحلية.

فعلى سبيل المثال لم يُصدر خطيب الجامع الرئيسي لمخاشخالا، عاصمة شمال القوقاز، الإمام زين الله، إلا نقدا باهتا لعمليات القتل بدافع الشرف في معرض حديثه لصحيفة الاندبندنت إذ قال أن التقاليد هي ما "يجنب داغستان من أن تسقط فريسة للفساد الأخلاقي." وأضاف: "نحن لا نؤمن بزواج المثليين ولا بالجنس مع الحمير".

وجوابا على سؤال حول ما إذا كان صادف حالات القتل بدافع الشرف في الجماعة الدينية، أجاب جازما: "بالتأكيد لا،  بين أهالينا. فلا يمكن بتاتا أن يكون لرجال الدين فتيات من هذا القبيل"، وعن السؤال: "وماذا لو كانت فتاة عاهرة أو كانت ذات أخلاق منحلة؟ أجاب" "سمعت عن آباء طعنوا بناتهم بسبب ذلك، بالتأكيد، لكن ذلك يتم دوما في لحظة الغضب..."،وسئل كذلك: "وهل استفتاكم أحد حول ما يجب عليه فعله؟"، فأجاب: "حسنا ... نحن .... دائما نحاول أن نهدئ الجانبين."

فالمنزل رقم 15 الذي يضم مقهى راقيا يقع على بعد ميل ونصف من المسجد، يبدو أنه لا يشبه في شيء داغستان التقليدية أو الدين المتشدد. تصور مقهى مبتذل يؤمه شبان ملتحون في العشرينيات من أعمارهم يحتسون القهوة بالحليب والشوفان، بشعر ملون، وثقوب أقراط، ووشوم، عاشقون لآخر أنواع الآيباد ولأصوات ألتيا ودونا "أعلى مراتب البلدة". تصور كذلك سيدات يدخنَّ ويناقشن مهرجانات مسرحية. فأي منهن ستقع لا محالة تحت طائلة قاعدة "الفحش" الناجم عن ارتداء تنورة قصيرة لحد أعلى الركبة التي قيل أنها كلفت مريم حياتها.

وحتى هنا في قلب بوهيميا داغستان، كشف استطلاع للرأي عن نتائج غير متوقعة. فقط سيدة واحدة في العشرينيات من عمرها عبرت عن رفضها المطلق لفكرة القتل بدافع الشرف. في حين عبر العشرات الآخرون عن حيادهم أو حتى عن قبولهم له في "بعض الحالات".

أما شاب يرتدي ملابس سوداء قصيرة فقد قال أنه يشعر بالقلق الحقيقي حول "تدني الأخلاق في داغستان"، مضيفا أنه "في الماضي كان بالإمكان سرقة العروس، وأخذ شرفها وأن تصبح ملكا لك، أما الآن، فيمكنها أن تعود لأهلها دونما  إحساس بالعار ودون أن يقوم أخوها أو أبوها بأي إجراء ضدها!"

وفي نيشاييفكا ، فإن القرويين يقولون أنه ما يزال لثأر الدم دور يؤديه "للحفاظ على أخلاقيات المرأة"، إلا أن مقتل مريم وحَّدهُم ضد فكرة "القتل المفاجئ المشين وغير المستحق". ولا يجوز أبدا اللجوء إليه مرة أخرى كعقاب لشيء "لم يتم إثباته تبوثا قطعيا".

وقد سمح لأم مريم بإعادة دفنها في الصف الأول من القبور الموجودة قرب باب مقبرة القرية حتى لا ينسى أحد ذلك العار. وكتب على ظهر شاهد قبرها المثير باللغة الأفرية المحلية: "قتلت بسبب إشاعة."

وتقع ستة قبور أخرى مجهولة في صفوف تقع وراء قبرها في أقصى طرف المقبرة. ولا يستبعد مدير المدرسة ماغوميدوفا أنها تخفي قصصا مماثلة.

© The Independent

المزيد من دوليات