Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فرنسا تستعد لاعتماد قواعد جديدة للحياة اليومية لما بعد كورونا

بات الفرنسيون أكثر ميلاً إلى تقليص نفوذ الأوساط المالية على المؤسسات الإنتاجية

فرنسي يرتدي قناعاً واقياً في شارع "لاديفانس" المالي قرب باريس (رويترز)

على مدى أسابيع الحجر المنزلي الأربعة التي عاشتها فرنسا أخيراً، حرص المسؤولون على التأكيد تكراراً، أن الحياة بعد كورونا لن تكون كما كانت عليه قبله.

القصد من هذا التكرار كان "تربوياً" بمعنى أنه استهدف تهيئة الفرنسيين للقواعد الجديدة التي يتوجب عليهم اعتمادها سواء في حياتهم الشخصية أو المهنية في مرحلة ما بعد الوباء.

ومع دخول فرنسا مرحلة الرفع التدريجي للحجر، بدت معالم التغيير واضحة في شتى المجالات. ويكفي للوقوف عليها، القيام بجولة قصيرة في شوارع باريس التي استعادت جزءًا من حركتها إنما على وقع يشوبه القلق. فالحجر أتاح تطويق انتشار فيروس كورونا الذي أودى حتى الآن بحياة ما يزيد على 26 ألف شخصاً في فرنسا، لكنه لم يسمح بالتغلّب عليه، ما يتيح إمكانية عودته إلى الانتشار مجدداً، طالما لم يجرِ التوصل إلى علاج محدّد له وإلى لقاح ضده.

إجراءات الوقاية

إزاء هذا الواقع، كان لا بد من التقيّد بإجراءات الوقاية التي اعتُمدت بناء على توصيات لجنة خبراء الأمراض الجرثومية التي شُكّلت للتعامل مع الوباء.

أبرز هذه التوصيات تمثّلت في استخدام الأقنعة التي تعمّمت على أوجه المارة، مقترنةً أحياناً مع ارتداء قفازات بلاستيكية ونظارات، إذ إنّه يمكن للوباء أن يتسلّل إلى جسم الإنسان عبر الفم والأنف والعيون أيضاً، ما يضفي على معظم المارة مظهر العاملين في مختبرات علمية.

ويتعزّز هذا الانطباع لدى الصعود الى أحد باصات النقل العام التي باتت مزوّدة بقوارير للسوائل المعقِّمة وبدوائر أُلصقت على الأرض وعلى المقاعد وتشير إلى مسافة الأمان التي يجب أن تفصل بين راكب وآخر.

واعتُمدت الإجراءات ذاتها في قطارات الأنفاق التي خُفّض عدد ركابها إلى 60 في المئة من قدرتها الاستيعابية مثلها مثل الباصات، وحُصر استخدامها بالأشخاص الذين يتوجب عليهم التنقل إلى أماكن عملهم.

واختلف المشهد أيضاً كلياً في المتاجر وصالونات الحلاقة التي بات ولوجها مقتصراً على أعداد معينة من الأشخاص وخاضعاً لقواعد ارتداء القناع وتعقيم الأيدي، ما يضع ضغطاً ضمنياً على المستهلك ويحرمه من متعة التسكّع خلال التسوّق.


التباعد مستمر

وفيما لا تزال المقاهي والمطاعم ودور السينما وصالات العرض مغلقة بانتظار ما ستؤول إليه مرحلة الرفع التدريجي للحظر، تبدو السمة الأساسية لمرحلة ما بعد الحظر هي التباعد وغياب الاكتظاظ الذي كان يطغى على كل أوجه الحياة.

وبات الأمر ذاته ينطبق على العلاقات الشخصية في ظل الالتزام بعدم التصافح، خصوصاً عدم التقبيل، الذي كان يمثّل عادةً راسخة بين الفرنسيين لدرجة أنهم ينهون مكالماتهم الهاتفية بعبارات من نوع "bisous" أو "je t’embrasse" ومعناها "قبلات صغيرة" و"أقبلك".

ويبدو أن الفرنسيين تقبّلوا بقدر من السهولة هذه التغييرات الطارئة على حياتهم ربما بسبب المشاهد المروّعة للمرضى الموزعين على المستشفيات، وربما أيضاً لأن فترة الحجر شكّلت بالنسبة إلى كثيرين مناسبةً لإعادة النظر في أولوياتهم الشخصية وفي نظرتهم إلى ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع في فترة ما بعد الوباء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ضرورة التحول

وهذا ما كشفه استطلاع للرأي أجراه معهد "فيفافويس"، إذ أشار إلى أن غالبية من الفرنسيين باتت مقتنعة بضرورة اعتماد تحوّلات اجتماعية واقتصادية جذرية، مناقضة لتلك التي فرضتها العولمة على مدى العقود الماضية. ولعل الاستنتاج الأبرز الذي توصّل إليه الفرنسيون عبر أزمة وباء كورونا هو غياب التضامن العالمي والتعامل الدولي المنسّق مع الوباء، خصوصاً أن تقدير الدول الكبرى وأداءها، تفاوت حياله.

وباتت من هذا المنطلق غالبية من الفرنسيين مقتنعة بضرورة إعادة تجميع القدرات الإنتاجية على مستوى القارة الأوروبية، خصوصاً في ضوء النقص بالأدوية والمعدات الذي عانت منه البلاد في بداية الأزمة بعد توقّف الصين عن تزويدها ببعض البضائع الضرورية التي كانت تصنّعها.


تأثيرات سياسية
وباستثناء الأصوات الشعوبية واليمينية واليسارية المتطرفة التي وجدت في وباء كورونا ذريعةً للمجاهرة مجدداً بمواقفها المعهودة الداعية الى إغلاق فرنسا وعزلها عن بيئتها الأوروبية، ظلّت غالبية الفرنسيين تدعو إلى تعزيز الكيان الأوروبي وتحويله إلى قوة فعلية متكاملة.

وبما أن العولمة ترافقت مع ممارسات اقتصادية تهدف أساساً إلى تحقيق أقصى قدر من الأرباح، بات الفرنسيون أكثر ميلاً إلى تقليص نفوذ الأوساط المالية على المؤسسات الإنتاجية وكبح السعي إلى المردود المادي بشتى الوسائل والعودة إلى تأميم القطاعات الاستراتيجية واعتماد إجراءات حماية اقتصادية أوروبية صارمة.

وكان وزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فيدرين صرح إلى صحيفة "لو فيغارو" أن "وباء كورونا أحدث صدمةً أدت إلى زعزعة قناعات راسخة وأن هناك دروساً عدّة يجب استقاؤها وتغييرات يتوجب اعتمادها في المرحلة المقبلة".

والسؤال المطروح الآن، هو ما إذا كان العالم قادراً على استيعاب هذه الدروس والأخذ بها أم أن المصالح الاقتصادية والتجارية العملاقة الممسكة بالعالم ستحول دون ذلك؟

المزيد من دوليات