Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حسابات معركة الرئاسة المبكرة تتداخل مع ملفات القضاء في لبنان

فرنجية اتهم عون وباسيل بـ"الكذب والجبن" بعد فضيحة الفيول المغشوش

فرنجية متحدثاً خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الإثنين 11 مايو في مقره في بنشعي شمال لبنان (صفحة فرنجية على تويتر)

تتوالد في لبنان الفضائح المالية انطلاقاً من مغارة الفساد والهدر اللذين تسببا بإفلاس الدولة والمصارف، وقادا البلد إلى أزمة غير مسبوقة. وتتداخل الملفات المتناسلة مع الصراعات السياسية، فباتت تغذي انكشاف الموبقات التي ارتُكبت على مدى السنوات الماضية، فيما يشحن ظهورها التناقضات السياسية، بحيث أخذت تؤثر في المعالجات المطلوبة للأزمة والتي يشترط المجتمع الدولي حداً أدنى من التوافق الوطني عليها من أجل تقديم المساعدة المالية.
آخر فصول هذه الملفات التي تختزل الترابط بين الخلافات السياسية وبين إحالة فضائح على القضاء، كان ملف الفيول أويل المغشوش لتشغيل معامل الكهرباء، والذي أفادت التقارير بأنه كلّف خزينة الدولة زهاء 300 مليون دولار أميركي خلال عقد من الزمن، أي زهاء 3 مليارات دولار على الأقل منذ العام 2010 ، إذا صحت الاتهامات التي يتبادلها الفرقاء المعنيون والمعلومات حول التحقيقات الجارية. ولبنان بأمسّ الحاجة إلى تلك المليارات الآن لمواصلة استيراد المواد الأساسية، في ظل شح العملة الأجنبية لدى المصرف المركزي وخزينة الدولة. لكن هذا الملف أطلق وجهاً من أوجه الصراع السياسي يتناول حسابات الفرقاء خصوصاً المسيحيين منهم، في شأن معركة رئاسة الجمهورية، على الرغم من أنها ما زالت مبكرة لأن ولاية الرئيس ميشال عون تنتهي في آخر أكتوبر(تشرين الأول) 2022. وبرز ذلك بوضوح في تفجير رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية الخلاف القائم منذ مدة مع عون و"التيار الوطني الحر" ورئيسه النائب جبران باسيل في سياق مجريات ملف الفيول المغشوش.   

فضيحة تفتح ملفات أخرى

في ظل الضجيج اللبناني حول مكافحة الفساد على مدى السنتين الماضيتين، والذي احتل شعارات أركان الحكم ومن توالوا على المسؤولية في الحكومات المتعاقبة، وبروز شعار "كلن يعني كلن" الذي رفعته انتفاضة اللبنانيين في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي متهمةً الطبقة السياسية بسرقة المال العام، فتح وَضْعُ القضاء اللبناني يده على هذا الملف، باباً على ملفات أخرى، أبرزها استقلالية القضاء وقدرته على التصدي لهدر المال العام، وفشل كل الخطط الرامية إلى إيصال التيار الكهربائي 24 ساعة على 24، إذ لا يزال اللبنانيون يعانون من تقنين التغذية به. فمعظم الفرقاء يدعي تبني شعار الثوار ووجوب محاكمة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة، فيما يعتبر المحتجون في الشارع على انهيار الأوضاع الاجتماعية، أنه لم يتم وضع فاسد أو مرتكب واحد في السجن. لكن، كما كل شيء في لبنان، تداخلت القضية مع الصراع على السلطة.

أسئلة حول اقتصار الملاحقة على الموظفين؟

مع كمية التفاصيل الدقيقة، المتداولة في الإعلام حول الفضيحة، واتهام جهات، في مقدمها وزراء سابقون ونواب من حزب "القوات اللبنانية"، لوزراء "التيار الوطني الحر" الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة، بدءاً بباسيل، لمسؤوليتهم عن الخسائر، وردود هؤلاء عليها، يتلخص الملف بأن الفيول لتشغيل معامل الكهرباء غير مطابق للمواصفات المطلوبة وفق دفتر الشروط الموضوع لهذه الغاية، بحيث كان يتم تزوير التحاليل المخبرية لشحنات البواخر التي تنقله، لتظهره على أنه مطابق. وبالتالي كانت الخزينة تدفع ثمناً أعلى لمحروقات تضم نسبةً أعلى من مادة الكبريت. وكان يفترض أن تستورد الدولة اللبنانية كميات الفيول هذه، بحسب عقدَين موقّعَين مع شركة "سوناطراك" الجزائرية، و"مؤسسة البترول الكويتية"، بأفضل المواصفات. لكن أسئلة كثيرة حامت حول تنظيم عقود الاستيراد من شركات أصحابها لبنانيون، مع شركة غير "سوناطراك" الجزائرية، مع أن الشركة المتهمة بنقل الفيول المغشوش تحمل اسم الشركة الجزائرية لكنها مسجلة خارج الجزائر، في إحدى الجزر المعروفة بأنها ملاذ للتهرب الضريبي... وتسبب الفيول المغشوش بخسائر إضافية للدولة إذ أدى إلى أعطال في معملَين للكهرباء (الزوق والجية)، بحيث تضطر "مؤسسة كهرباء لبنان" التي تعاني عجزاً منذ عقدين، لتحمّل تكاليف إصلاح محركاتهما دورياً. بدأت القصة حين كشف مدير الشركة المشغِّلة للمعملين، عن الغش في آخر شحنة مغشوشة للقضاء، فأُعيدت الكمية إلى الباخرة، لكن الأمر دفع وزيرة الطاقة السابقة ندى بستاني وأحد محامي "التيار الوطني الحر" إلى تقديم إخبار موازٍ إلى قاضٍ آخر حول هذا الغش استباقاً لأي اتهام لها بالتغطية على الشحنات السابقة، فكرّت السبحة، وتولت مدعية عامة موالية للتيار الذي أسسه رئيس الجمهورية، هي غادة عون، إعادة فتح الملف، الذي أُحيل على قاضي تحقيق مقرَّب من التيار العوني أيضاً، فأمر الأسبوع الماضي بتوقيف مسؤولتين من مديرية المنشآت النفطية ومن وزارة الطاقة بشبهة التلاعب والتستر على التلاعب بالفحوص المخبرية لنوعية الفيول، وبالسماح بتفريغ الشحنات السابقة، استناداً إلى اعترافات أدلى بها موظفون. واستدعى القاضي إلى التحقيق المدير العام لـ"المنشآت"، ويُدعى سركيس حليس، وهو موالٍ لفرنجية، فتمنّع عن المثول أمام المحقق خشية توقيفه، فيما توالي إحدى الموقوفتَين "التيار الوطني الحر". كما استدعى قاضي التحقيق صاحب شركة "زد آر إينيرجي" لاستيراد المحروقات، وهو المتمول "تيدي رحمة"، صديق فرنجية، فلم يمثل أمام المحقق أيضاً.

يذكر أنه في وقت نشر المقال تداخلت حسابات المعركة الرئاسية المبكرة مع ملفات القضاء في لبنان في 12 مايو (أيار) 2020. وكانت القاضية غادة عون قد ادّعت (أو أصدرت مذكرة توقيف) على تيدي رحمة في قضية الفيول اللبناني المغشوش بصفته ممثلاً عن شركة ZR Energy. 
وبعد نشر المقال، تبيّن أنه لا توجد علاقة بين تيدي رحمة وشركة ZR Energy وأسقطت الادعاءات التي رفعتها القاضية غادة عون وتحديداً، في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2020، لم تجد هيئة الاتهام أي صلة بين تيدي رحمة وشركة ZR Energy.

"وقاحة" الفضيحة

فضلاً عن أن الوسط البرلماني والسياسي وصف الفضيحة بـ"الوقحة" في قطاعٍ استنزف الخزينة سنوات، فإن أسئلة كثيرة طُرحت حول هذا الملف: هل سيقتصر الأمر على تحميل موظفين المسؤولية أم أن القضاء سيتناول المسؤولين الكبار والوزراء؟ وهل من خلفية سياسية لاستهداف شخص موالٍ لفرنجية؟ فما قاله أكثر من سياسي أن أرباح استيراد الفيول كانت توزَّع على قيادات سياسية من كل الفرقاء عبر شركات وسيطة تستورد المادة المغشوشة وتشتري سكوت المسؤولين السياسيين. وعرض النائب عن حزب "القوات اللبنانية" أنطوان حبشي مستندات تشير إلى ضلوع وزراء "التيار الوطني الحر" الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة خلال السنوات العشر الماضية في العملية، وتصاعد السجال بين الجانبين. ودافع التيار عن وزرائه عبر وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل، الذي رد التهمة مشدداً على أن "القوات" عرقلت خطة تأهيل قطاع الكهرباء.



فرنجية: جبناء إذا أردتم الحرب فليكن

وأخذ الملف بعداً آخر مع الحملة الشرسة التي ساقها فرنجية الاثنين الماضي ضد العهد الرئاسي وباسيل ووزراء "التيار"، وذلك في معرض دفاعه عن حليس، وتبرير عدم ذهابه إلى التحقيق والتأكيد على اقتناعه ببراءته، معتبراً أن الملف سياسي وأنه المستهدف من وراء قضية الفيول. وقال عندما نكون مستهدفين من قبل بعبدا (قصر الرئاسة) فنحن مَن يقرر إذا كنا سنحضر أو لا. إذا كانت لديهم مشكلة معي فأنا موجود وإذا أردتم الحرب فليكن وإذا أردتم السلم فنحن جاهزون. ولكنهم ضعفاء وجبناء يظلمون ويتمرجلون بالسلطة ولكن التاريخ لن يرحمهم". وأكد "إننا نؤمن بالعدالة ولكن عندما تكون العدالة مخطوفة لن نمون (نطلب) على أحد بأن يسلم نفسه إلى القضاء. فقناعتنا هي أن القضاء مسيّس ومع الوقت سيظهر كل شيء. حليس سيمثل أمام العدالة ولكن ليس أمام عدالة وقضاء جبران باسيل". وحول توقيت فتح الملف، أكد فرنجية أن "حرب الرئاسة بدأت عند باسيل"، نافياً أن يكون هو رشح نفسه للرئاسة "بل اسمي يطرحه فرقاء".
ورأى فرنجية أن "وصولهم (التيار الوطني الحر) إلى السلطة كشَفَهم والتاريخ لن يرحم وسيحاكم". وقال "كذبتم على الناس عام 1989 ودمرتم لبنان والمناطق المسيحية (حرب الإلغاء التي خاضها العماد عون ضد القوات اللبنانية) وكذبتم على الناس عام 2005 والآن تكذبون على الناس. قوتكم نابعة من السلطة ولكن حين تذهب السلطة لن تساووا شيئاً وإذا كان القضاء لن يحاكمكم فالتاريخ سيحاكمكم". وتابع "لأنهم لم يتمكنوا من تبييض صفحتهم عمدوا إلى تشويه صورة غيرهم". واتهم فرنجية "التيار" بأنه ادعى تحقيق مكاسب للمسيحيين فيما هي لجيوب قادته. وسأل لماذا لم يكتشف 6 وزراء من أصل سبعة لـ"التيار الحر" الفيول المغشوش خلال السنوات الماضية؟ وأثار قضية استقدام وزارة الطاقة باخرتين تركيتين لتوليد الكهرباء تحولتا مادة سجال داخلي حول كلفتهما على الخزينة. لكن اللافت كان قول فرنجية إن "كل ادعاءاتهم بأن لبنان بلد نفطي كاذبة، ولا أرض فيه تشبه أراضي استخراج الغاز، وشركة "توتال" ستوقف التنقيب وتغادر وقد تدفع البند الجزائي الذي يترتب عليها حتى لا تعود مجدداً".
في اليوم ذاته لكلام فرنجية، أصدر قاضي التحقيق في القضية 4 مذكرات توقيف غيابية شملت حليس ورجل الأعمال ريمون رحمة الذي ورد اسم شركة مستوردة للفيول على أنه يملكها، بينما نفى وكيله أن تكون له علاقة بها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ردود "التيار" وعون

في المقابل، توالت الردود على فرنجية فور انتهاء مؤتمره الصحافي من نواب في "التيار". وصدر عن رئاسة الجمهورية بيان وصف كلام زعيم "المردة"، بـ "الانفعالي" والذي "لا يمت بمعظمه، إلى الحقيقة بصلة وفيه تزوير للوقائع وبالتالي لا يستحق الرد، وإن كان حفل بالإساءات التي تضر بسمعة لبنان ومصلحته واقتصاده في محيطه والعالم، لا سيما ما ذكره في موضوع التنقيب عن النفط والغاز". وأضاف البيان أنه "بدلاً من أن يفاخر بحمايته لمطلوبين من العدالة، الأجدى به أن يرفع غطاءه عنهم ليمثلوا أمام القضاء الذي هو الجهة الصالحة لتبرئتهم أو إدانتهم".
ويصر "التيار" والرئيس عون ورئيس الحكومة حسان دياب، على تبرير فتح بعض الملفات، بالتأكيد على وجوب اتخاذ خطوات عملية وعدوا بها لمكافحة الفساد من دون أي تهاون مع المرتكبين. وتعتبر الأوساط الرئاسية والحكومية أن الخطوات العملية لمكافحة الفساد باتت أولوية لاستعادة أموال منهوبة وإثبات جدية الدولة في ذلك أمام المجتمع الدولي الذي يشترط على لبنان ذلك في هذا المجال، حتى يتلقى المساعدة على تجاوز أزمته. وتؤكد تلك الأوساط أن الحسم في هذا الملف متروك للقضاء.


لماذا ربط الملفات بمعركة الرئاسة؟

في المقابل يرى قادة سياسيون أن مواقف عدة، سواء حول الفساد أو في شأن المعالجات للأزمة الاقتصادية، تتصل بالحسابات الرئاسية المبكرة. فأوساط المعارضة وحتى بعض الجهات الموالية والمشاركة في الحكومة (مثل فريق حركة "أمل" التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري) تعطي أمثلة على ذلك بالقول إن حملة باسيل وعون على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لإقالته الشهر الماضي، فضلاً عن الذريعة المالية التي استُخدمت حينها، تتصل بكون سلامة مرشحاً دائماً للرئاسة يُطرح اسمه في الكواليس منذ أواخر التسعينيات، وأن هذا من بين أسباب السعي إلى إزاحته من الصورة. كما أن حملة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على النائب باسيل منذ ما بعد استقالته تعود إلى معرفته (من خلال تحالفه السابق معه) بإصرار الأخير على طموحاته الرئاسية. ولذلك يرى مؤيدو الحريري أن باسيل يريد تطويعه بفتح ملفات ضد موالين له في الإدارة، منهم سلامة وغيره.
ويقول أصحاب هذا الرأي إنه حين فشل هدف إقالة سلامة، غيّر باسيل وجهة تحركه واستدار نحو خوض المعركة في ملف قضائي ضد فرنجية، المرشح الأقوى المنافس له بحكم تحالفه مع "حزب الله"، وعلاقاته الجيدة مع الحريري وغيره، فجاء رد فعله عنيفاً. ويفسر سياسيون انفتاح باسيل الأسبوع الماضي على بري، وسعي الرئيس عون إلى الانفتاح على رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط بعد التوتر معه، في هذا الإطار. لكن محاولة التطبيع مع الحريري لم تنجح.

المزيد من العالم العربي