يعيش النازحون السوريون في لبنان حالةً من الترقب والخوف من مصير مجهول يزيد حياتهم اليومية سوءاً وتعقيداً، إذ إن قلقهم لم ينته مع ابتعادهم عن دائرة الحرب في وطنهم، ومن ثم لجوئهم إلى دول الجوار، لأنهم لم يجدوا الملاذ الآمن الذي يبحثون عنه في لبنان، ولا تزال هواجس كثيرة تلاحقهم من حيث لا يحسبون.
معاناة متواصلة
فعلى الرغم من عقد المؤتمرات الدولية لمناقشة أوضاعهم والنظر في حالهم، إلا أن معاناتهم تتراكم يوماً بعد يوم، بدءاً بالعوائق اليومية التي تزيد معاناتهم في لبنان حيث يُفرض على النازحين تسجيل إقامتهم عبر الأمم المتحدة، شرط التزامهم عدم العمل أو عبر كفيل لبنانيّ يضمن دخولهم، وإقامتهم، وسكنهم، ونشاطهم، ويكفلهم بموجب تعهد بالمسؤولية، ألا أن بعض الكفلاء يشترطون على السوريين مبلغاً سنوياً، والحصول على الإقامة يتطلب دفع 200 دولار سنوياً قد يتعذّر على النازحين الذين يعيش معظمهم دون خط الفقر تأمين هذا المبلغ.
العمل بدل التعلّم
وهذا الأمر، يمثّل عائقاً أمام خروجهم من مخيمات النزوح، إلا في حالات الضرورة القصوى خشية توقيفهم أو إعادتهم إلى بلادهم، وبذلك فإن نصف اللاجئين السوريين في لبنان لا يملكون أوراق الإقامة القانونية، ويزداد هذا العدد يومياً مع المواليد الجدد الذين لا تتمكّن عائلاتهم من تسجيلهم بسبب سوء الأحوال المادية وفق بيان المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في بيروت. ونتيجة ذلك يواجه النازحون السوريون في لبنان عقبات عدة مرتبطة ببعضها بعضاً، فعندما يضيق الخناق يضطرّ النازح السوري إلى إرسال أولاده الذين في سنّ التعلّم إلى العمل ما يخلق مشكلة إضافية، وهي عمالة الأطفال وحرمانهم من حقهم في التعلّم وبالتالي القضاء على جيل جديد ضحية الحرب والتهجير وسوء القوانين، فضلاً عن انتشار ظاهرة زواج القاصرات بنسبة كبيرة نتيجة الفقر داخل المخيمات السورية في لبنان.
أما نسبة العائلات السورية النازحة في لبنان والتي صنّفت على أنها تعيش تحت خط الفقر، فقد وصلت إلى 69 في المئة، ويتوزّع النازحون على المناطق اللبنانية كافة في مخيمات عشوائية، إذ يعيش حوالي 30 في المئة منهم في عكار، وحوالي 42 في المئة في البقاع، وفق دراسة أجرتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي في ديسمبر (كانون الأول) في العام 2018.
هواجس لبنانية
وجود أكثر من مليون لاجئ سوريّ في لبنان يشكّل هاجساً عند بعض القوى والأحزاب السياسية لتداعيات الأمر على الوضع الديموغرافي اللبناني، ما تحوّل إلى قضية سياسية بامتياز، وظهر في شكل واضح في يونيو (حزيران) الماضي أثناء خلاف مفوضية اللاجئين في بيروت مع وزير خارجية لبنان جبران باسيل بعد اتهام الأخير المفوضية بعرقلة عودة النازحين وتخويفهم منها، وجاء رد المفوضية حينها بأنها لا تخوّفهم من العودة بل إنها لا تملك لهم ضمانات.
حينها، أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً دعت فيه السوريين المنتشرين خارج سوريا إلى العودة الى بلادهم، فسجل 3000 لاجئ سوري أسماءهم في يونيو العام 2018 لدى الأمن العام اللبناني للعودة من مخيمات بلدة عرسال اللبنانية (شرق لبنان) التي تضم حوالي 70 ألف لاجئ سوري وفق آخر الإحصاءات الرسمية الصادرة عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، لكن لم تأتِ الموافقة من قبل النظام السوري على العدد بأكمله بل اقتصرت فقط على 400 اسم من بين الآلاف الثلاثة، وتبعتها رحلات عودة خجولة بأعداد قليلة مقارنة بعدد النازحين السوريين داخل الأراضي اللبنانية.
حنين... وخوف من العودة
بعد سنوات ثمانٍ على انطلاق الثورة السورية، ونزوح السوريين عن وطنهم، لم يتمكن النازحون من اتخاذ قرار حاسم يقضي بعودتهم إلى بلادهم، على الرغم من سوء أوضاعهم المعيشية في لبنان إلى حد أنه بات المخيم يشكل سجناً كبيراً بالنسبة إليهم، إضافة إلى شعورهم بعنصرية مفتعلة تُمارس ضدهم عبر قوانين يعتبرونها مجحفة بحقهم أو عبر إجراءات تُعيق حريتهم الشخصية، كمنع بعض البلدات اللبنانية تجوّل السوريين بعد السابعة مساء، إضافة إلى صعوبة التأقلم مع العوامل المناخية وشحّ مواد التدفئة التي تقدم من مفوضية اللاجئين، خصوصاً في المناطق الجبلية، والتي شهدت وفاة أطفال سوريين عدة من البرد.
رفض العودة
وعلى الرغم من كل ذلك، يرفض العدد الأكبر من النازحين السوريين العودة إلى بلادهم لأسباب سياسية، في مقدمها الخوف من التجنيد الإجباريّ في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، والخوف من الاعتقال والتعذيب وصعوبة الاندماج في مجتمع واقتصاد مزّقته الحرب، إضافة إلى العامل النفسي عند النازحين الذين يعتبرون أنفسهم غرباء عن بلدهم وعن طبيعة أرض تملؤها الدماء والكيماوي والرصاص ولم تعد تُشعرهم بالأمان أو الاستقرار. ويروي النازح السوري عبد الرحمن قصته، وهو يكرّس معظم وقته لمساعدة أبناء وطنه الذين يعيشون في البقاع وعكار، في تسيير أمورهم المتعلقة بأوراقهم الثبوتية أو تأمين ما يستطيعه من مساعدة، في جوانب الحياة المختلفة.
ويقول "أرغب في العودة إلى وطني كجميع السوريين الذين غادروا بلادهم بسبب بطش النظام وقمعه لهم، وأنا شخصياً لن أعود إلى سوريا في الوقت الحالي لأنني أخاف على نفسي من الاعتقال أو التصفية، ونحن في لبنان غير مرتاحين بسبب بعض الخطابات العنصرية التي نسمعها من بعض الساسة في لبنان وليس الشعب، لأننا نقدّر تعاطف معظم اللبنانيين معنا ومع ثورتنا والمبادئ النبيلة التي انطلقت من أجلها، إنما نحن كسوريين نُستعمل من قبل السياسيين في لبنان للتحريض علينا مقابل التغطية على فساد الطبقة السياسية في لبنان وعجزها أمام اللبنانيين.
ويضيف عبد الرحمن موجهاً رسالة إلى السوريين في لبنان الذين هم من مدينة حمص أو القصير أو تلكلخ ممن يريدون العودة إلى سوريا محذراً إياهم، قائلاً "هذه المناطق لم يبقَ فيها بيوت وتعتبر غير مؤهلة للسكن، ومن هم فيها الآن ليسوا أهلها بل مجموعات طائفية، منبهاً أهالي تلك المناطق وغيرها من العودة من دون وجود ضمانات أممية تحميهم في حال تعرضوا للاعتقال أو التعذيب.
متطلبات العودة
وعلى الرغم من تراجع وتيرة الحرب في سوريا مقارنة بالسنوات السبع التي سبقت، وانخفاض عدد القتلى المدنيين ودعوة الحكومة السورية الانتقائية لعودة النازحين إلى وطنهم، إلا أن هذا لا يعني أن مجرد انتهاء الحرب سيعود السوريون إلى بلادهم، لأن ما يتطلبه ذلك هو إعادة بناء هيكلية جديدة لحياة تفتقر بعد الحرب إلى أدنى مقوّمات الحياة كتأمين السكن والمياه والكهرباء وفرص العمل بعد أن عاش السوريون سنواتٍ من الحرب فكّكت بنية المجتمع السوري. وإذا كانت عودة السوريين إلى بلادهم أمراً لا بد منه عاجلاً أم آجلاً، سؤال يطرح نفسه... هل ستعيد السلطات السورية إلى السوريين الحياة الكريمة التي يستحقونها؟