Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وليد توفيق: الفن الجميل ينازع والغناء بات صراخاً

"للأسف، نحن اليوم في جوّ فنيّ لا احترام فيه. بصراحة، هو جوّ عصابات، ونحن نسمع أن بعض الفنانين لا يتنقلون إلا بسيارات ذات زجاج داكن مع مرافقين مسلحين، وكأننا نعيش في غابة"

"زياد الرحباني صاحب مدرسة فنية خاصة به وأنا أعتبره سيد درويش العرب هذا الزمن" (زياد خوري)

وليد توفيق عاصر جيل الكبار وتأثر بهم وسار على خطاهم، لكن التغييرات التي طرأت على الفن في زمن التكنولوجيا، أجبرته على الإمساك بالعصا من الوسط، لتحقيق التوازن بين متطلبات العصر وبين ما تعلّمه منهم. هو الفنان اللبناني الوحيد الذي تألق في التمثيل كما في الغناء، لكن مسيرته كممثل توقفت برحيل الأشخاص الذين دعموا تجربته السينمائية، واليوم هو لا يمانع من تكرار التجربة من خلال تقديم أعمال تناسبه، من بينها تجسيد السيرة الذاتية للراحليْن فريد الأطرش أو محمد فوزي.

نعيش أزمة أغنية بسبب غياب الإبداع

الغناء تحول إلى صراخ كما يرى وليد توفيق، والألقاب توزع يميناً ويساراً على فنانين لا يستحقونها، في زمن فني تسيطر عليه "العصابات"، أما الإبداع فلم يعد له أثر.

بداية يتحدث وليد توفيق عن تجربته كنجم عربي عاصر جيل الكبار والأجيال الفنية التي تلته، ويقول "كل جيل يشبه زمنه، ليس في الفن فقط، بل أيضاً في الصحافة والسياسة وسواهما من المجالات الأخرى. قبل جيلي الفني كان هناك جيلان، وفي ذلك الزمن، كانت هناك صعوبة في الإبداع، وصدق بين الفنانين في التعامل المباشر بينهم. وأنا عشت هذه الأجواء مع بليغ حمدي وملحم بركات. عندما كان ملحم بركات يمسك بالعود، كنت أشعر بأن هناك مملكة هبطت، تشبهه وتشبه غناءه وجنونه. الأغنية اليوم، صارت تنجز عبر الإنترنيت، ويستلم الفنان اللحن جاهزاً مع الكلام، وكأنه يستلم بزة فُصلت جاهزة من دون أخذ مقاسه".

هناك مملكة هبطت

ويتابع وليد توفيق "في المقابل، لا يمكن أن ننكر أنه يوجد العديد من الأصوات الجميلة جداً، في ظل غياب تام للإبداع. الأغنية لم تعد قادرة على العيش والاستمرار، لأن الموزّع هو نفسه الملحن، الموزع شخص أكاديمي، يعرف كيف يبتكر إيقاع الأغنية ويعطيها جوّاً معيناً، ولكنه لا يستطيع أن يبتكر جملة موسيقية فيها إبداع، ولذلك فإن معظم أغاني هذه الإيام تعتمد على الإيقاع و"الخبيط" وكلما زاد "الخبيط" صارت الأغنية راقصة أكثر. ومواجهة هذا الوضع تكون عبر تقديم أعمال جيدة، لأنه على الرغم من كل شيء لا يزال هناك "سميعة"، وإلا لما كانت هناك ماجدة الرومي وجوليا بطرس ووليد توفيق وكاظم الساهر وملحم زين وجورج وسوف ووائل كفوري ووائل جسار ومعين شريف. وكلها أصوات ممتازة".

وهل يرى أن ظلماً لحق بهذه الأصوات لأنها ولدت في هذا الزمن، يقول "لا شك في أن تلك الأصوات مظلومة لأنها في زمن لا يوجد فيه فيلمون وهبي والأخوان رحباني وملحم بركات، لا أنكر أهمية سمير صفير ووسام الأمير ومروان خوري، وهم أصحاب جملة جميلة وقريبة للقلب، ولكن مروان خوري هو الوحيد الذي يتميّز بجمله الموسيقية وألحانه البعيدة من المألوف.

نقول "آه"

 في المقابل، لم تعد توجد أغنية تجعلنا نقول "آه" لأن طريقة التسجيل تقوم على سرعة واحدة، بينما في أغاني أيام زمان، كان لكل "كوبليه" سرعة معينة. الأغنية اليوم، "كناية عن مذهب وكلمة ضاربة وفيها "إيفيه"، حتى الحب صار صراخاً، ولم يعد هناك فنانون يغنون على الطبقة الوسطى التي تنعش القلب، وهذه موضة منتشرة في كل العالم ولا أعرف سببها".

يمكن أن يدرّ الملايين

وعما إذا كان يعتقد بأن طغيان الصراخ على الأغنية، سببه الضغط الذي يعيشه العالم على الصعد كافة؟ يجيب "هذا صحيح، وكما قلت لكل زمن فنه. والدي كان يقول لي عبد الحليم حافظ لا يجيد الغناء، بل عبد الوهاب هو الذي يجيده. كان المغني بالنسبة إلى العائلات المحافظة هو الراقص، بينما تحول الغناء اليوم إلى مهنة، والعائلات تشجع أبناءها عليه، لأنه يمكن أن يدرّ عليهم الملايين".

زياد الرحباني كسر القاعدة

وعن السبب الذي يجعله يُبعد أولاده عن الفن، يقول "الفن هو المجال الوحيد الذي لا يمكن توريثه. ابني يملك موهبة التوزيع وهو يدرس حالياً في ألمانيا تلحين موسيقى الأفلام وسواها، ولكن لا علاقة له بالغناء. الموهبة هي الأساس في الفن، وإذا لم تتوافر في الابن موهبة الأب، فهذه مصيبة لأنه سيقع في فخ المقارنة بوالده".

أضاف "زياد الرحباني هو الوحيد الذي كسر القاعدة، لأن ألحانه لا تشبه ألحان أبيه، وقدم أغاني طربية لوالدته فيروز توازي بأهميتها الأغاني التي لحنها لها والده عاصي الرحباني وفيلمون وهبي. زياد الرحباني قدم فيروز بحلة جديدة، عرّضته للمحاربة في البداية، واليوم الكل يسمع أغانيه. زياد الرحباني صاحب مدرسة فنية خاصة به وأنا أعتبره سيد درويش العرب هذا الزمن، لكن البعض لا يجيد التعامل معه بسبب خطه السياسي. كل إنسان لديه خط سياسي خاص به وهذا الأمر يعنيه وحده، أنا لا يهمني من الفنان إلا الأعمال التي يقدمها".

نعيش في غابة

يؤكد وليد توفيق أنه ورث من مدرسة الكبار الأصالة والاحترام، ويقول "للأسف، نحن اليوم في جوّ فنيّ لا احترام فيه. بصراحة، هو جوّ عصابات، ونحن نسمع أن بعض الفنانين لا يتنقلون إلا بسيارات ذات زجاج داكن مع مرافقين مسلحين، وكأننا نعيش في غابة. من الطبيعي وجود الشرطة في الحفلات الكبيرة، ولكن ليس مسموحاً أن يدخل الفنان مطعماً مع مرافقيه".

الكل يعاني عقدة جورج وسوف

وهل يرى أن جورج وسوف هو الذي يقف وراء هذه الظاهرة؟ يوضح "الكل يعاني عقدة جورج وسوف. لكن الوسوف لديه حالة خاصة الجميع يعرفونها، وهو يكتفي اليوم بالتنقل بسيارتين صغيرتين فقط. رصيد الفنان هو جمهوره ولا أفهم السبب الذي يجعل فناناً مبتدئاً يخاف من الناس".

ويرفض وليد توفيق المساومة على فنه على الرغم من التردّي الذي تشهده الأغنية حالياً، ويقول "أحاول أن أمسك العصا من الوسط، وأن أتغاضى قليلاً عما يحصل في هذا الزمن الغريب، خصوصاً عندما أسمع بعض الألقاب التي تُمنح للفنانين. أنا متمسّك بالمستوى الذي كنت عليه، والشيء الوحيد الذي تغيّر في أغنياتي هو التوزيع ونوع الكلمة، لأنه يهمني أن أكون قريباً من الناس. لكن للأسف، ثمة تغيير كبير طرأ على الكلمة، وصرنا نسمع لغة جديدة لم نكن نسمعها سابقاً، سببها "السوشيل ميديا" والحروب التي تركت تداعياتها الإيجابية كما السلبية على الفن".

الأغاني القديمة أكثر نجاحاً

لا يتردد وليد توفيق في القول "إن أغانيه القديمة كانت أكثر نجاحاً وتركت أثراً في وجدان الناس أكثر من أغانيه الجديدة ويتابع "لن أتحدث عن نفسي بل عن الكبار. حتى فيروز عندما تطرح الجديد يميل الناس إلى قديمها لأنه يرتبط بوجدانهم وذكريات الماضي. في كل حفلاتي، الناس يطالبون بـ "بهية" وهي أغنية لا مثيل لها، وحتى بليغ حمدي نفسه لم يلحن مثلها. لا شيء يمكن أن يمحو الذي سبقه إلا إذا كان أجمل منه، وتقديم الأحلى في هذه الأيام أمر متعب جداً، لأننا لا يمكن أن نعيد بليغ حمدي وغيره من كبار الملحنين إلى الحياة.

حالياً، يوجد ملحنون، ولكن لديهم حياتهم وأسلوبهم الخاص في التلحين، وشخصياً، أملك مجموعة من الألحان، سوف أعطي لحناً منها لصابر الرباعي وآخر لجورج وسوف، أما البقية فكلها من النمط الطربي القديم الذي تعلمته من بليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب ومحمد الموجي وملحم بركات، وهي لا تناسب هذا الزمن".

أسعى إلى مجاراة الجيل الشاب

وعما إذا كانت الأغاني الناجحة تسبب عقدة لصاحبها، خصوصاً عندما يعجز عن تقديم أغان تضاهيها نجاحاً، يجيب "هي تسبب عقدة للفنان الذي يقدم أغنية واحدة ناجحة فقط، حتى أنها تكون سبباً في جلوسه في البيت، والأمثلة على ذلك كثيرة، بينما الفنان الذي يضم رصيده كماً كبيراً من الأغاني الناجحة، فلن يتأثر. في الغرب يتوقف الفنان عن الغناء، بعد مسيرة فنية طويلة، ويتحول إلى أسطورة، ثم يتجه إلى تجديد أغانيه القديمة. وأنا قمت بتجديد بعض من أعمالي القديمة على طريقة "الميدلي" وهي حققت صدى طيباً بين الناس. لكنني لا أحب التوقف كالمياه الراكدة، بل أسعى دائماً إلى مجاراة الجيل الشاب والتجديد، كما تعلمت من عبد الحليم حافظ. أنا لا أنظر إلى الخلف أبداً ولا أعتمد على نجاح أغنية ضاربة، وأنا مستمر ولا بد من أن أوفق بأعمال بمستوى القديمة".

وهل يفكر وليد توفيق بخوض تجربة التمثيل مجدداً خصوصاً أنه كان النجم اللبناني الوحيد الذي جمع بين الغناء والسينما في بداياته ونجح فيهما، يجيب "طبعاً، ولكن من خلال دور يناسب عمري. الفنان الذكي والمحترم يعرف الحدود التي يجب أن يتوقف عندها. مثلاً، يمكن أن أجسد السيرة الذاتية لفريد الأطرش أو محمد فوزي من خلال مسلسل تلفزيوني، أو تقديم مسرحية استعراضية، ولكن ليس أفلاماً كالتي قدمتها في بداياتي".

أتمنى الاستمرار في السينما

وعن السبب الذي حال دون استمراره في السينما على الرغم من الجماهيرية العريضة التي حققها، يقول "كنت أتمنى الاستمرار فيها، ولكن الأعمال التي عرضت عليّ لم تكن مناسبة. عندما اقتحمت السينما، كان أنور الصبّاح هو الذي يُنتج أعمالنا، ولولاه والمخرج محمد سلمان لما كانت ظهرت صباح ووليد توفيق ونجاح سلام في السينما. الفنان يحتاج إلى أشخاص تساعده ولا يمكنه أن يفعل شيئاً وحده، ونحن فقدنا أنور الصباح ومحمد سلمان والمنتج السوري نادر الأتاسي الذي أنتج أفلاماً لفيروز. من بدأت معهم سينمائياً، كانوا بأعمار متقدمة وكلهم رحلوا، واليوم أنا جاهز للتمثيل لكني في حاجة إلى من يعمل من أجلي. علماً، أن المنتج صادق صباح موجود وهو يكمل مسيرة والده".

ورداً على الكلام الذي يُقال إن كل المغنين الموجودين حالياً على الساحة يعانون عقدة عبد الحليم حافظ، لأنهم لم ينجحوا في التمثيل مثله، يوضح "برأيي عبد الحليم حافظ مدرسة كبيرة، ولا شك في أنه شكل عقدة عند بعض الفنانين، لأنهم لم يتمكنوا من أن يصبحوا مثله أو أهم منه. السينما سلاح ذو حدّين ومن يكذب فيها لا يمكن أن ينجح على عكس الأغنية، لأن السينما تعكس ما في داخلنا وليس ما على وجوهنا. التمثيل هو فن إقناع المشاهد بالدور الذي نقدمه، وهذه الموهبة ليست عند الجميع. اليوم نحن نعيش زمن "ثقل الدم" في كل المجالات. مذيعون ومذيعات ومطربون ومطربات، ولم يعد يوجد غربال يغربل كما كان يحصل في الماضي.

ما أريده... الصحة

ويؤكد وليد توفيق أن جلّ ما يريده بعد مشواره الفني الطويل هو الصحة والحفاظ على أسمه "أريد أن يفتخر بي أولادي وأن يقولوا كان فناناً صادقاً، وما يشجعني على الاستمرار هو محبة الناس وجمهوري الذي يزداد يوماً بعد يوم. لست شاباً صغيراً ولكنني أحافظ على شكلي و"شبوبيتي" وأعمل 24 ساعة يومياً من أجل وليد توفيق". وينفي وليد توفيق ندمه على أي من أعماله، ويضيف "نحن بشر مسيّرون ولسنا مخيّرين، والإيمان هو أقوى سلاح عند المؤمن، وإيماني يجعلني أشعر بالقوة والقناعة، وأنا راضٍ على كل ما وهبني الله إياه. القناعة عندي أهم من كل شيء، وأنا أعرف رجال أعمال يملكون الكثير من المال ولكنهم غير راضين.

فنياً، أنا لم أندم على أيّ عمل قدمته، ولكنني نادمٌ على أشخاص مرّوا في حياتي وطعنوني في ظهري. لكنها الحياة والغدر هو أكثر شيء يؤلمني".

المزيد من فنون