Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لاجئ سوري خياط يحوك أقنعة وقاية للإيطاليين

بعد أعوام من نزاع اقتلعه من تجارته محمد الحسن يعاود استخدام يديه البارعتين حيث يمكنهما الإفادة

صورة محمد الحسن منكبا على ماكينة الخياطة وهو يقول إنها طريقته لشكر من رحب به في مدينة شيكلي في صقلية (عن ستيفانيا دينيوتي) 

يحدّق اللاجئ السوري إلى إيطاليا محمّد الحسن في شارع رئيسي هادئ على نحو غير معتاد، من خلال نافذة غرفة عمله داخل مركز التجمعات "بيت الثقافات" Casa delle Culture في شيكلي صقلية، البلدة التي يقطنها نحو سبعة وعشرين ألف نسمة بصقلية، التي صنّفتها منظمة "يونيسكو" موقعاً للتراث العالمي.

فمنذ بداية إغلاق البلاد لاحتواء أكبر تفشٍّ لفيروس كورونا في أوروبا، لا يُسمح لأحد بمغادرة المنزل في إيطاليا إلا في حالات الطوارئ، أو من أجل الحصول على البقالة. وأوصت السلطات بشدّة بأن يضع الناس معدّات الوقاية الإلزامية، مثل أقنعة الوجه والقفازات، لوقف انتشار العدوى.

وفي شيكلي حيث يعيش الحسن مع أسرته منذ نحو ستة أشهر، أصبح ارتداء الأقنعة إلزامياً. لكن الزيادة في الطلب خلال الأيام الأولى للوباء، جعلت من الصعب تلبية الأعداد الكبيرة المطلوبة، أو حتى العثور على أقنعة في الصيدليات بجميع أنحاء البلاد.

الخيّاط السوري القلق على صحّة الناس في مقرّ إقامته الجديد، أخرج الشهر الماضي آلة خياطةٍ قديمة موجودة في مركز التجمّعات "بيت الثقافات"، حيث جرى عزله، وبدأ في إنتاج أقنعة مصنّعة يدويّاً، ليُجرى توزيعها في جميع أنحاء المدينة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول محمد الحسن، لـ"اندبندنت"، إن "هذه هي طريقتي الخاصّة لأشكر الذين رحّبوا بي في مدينة شيكلي، ورمزياً لدولة إيطاليا ككل. ففي الأوقات الصعبة، علمتُ أن من المهم أن يدعم بعضنا بعضاً".

الرجل البالغ من العمر أربعة وثلاثين عاماً كان قد وصل إلى مدينة شيكلي في سبتمبر (أيلول) من العام 2019. كان الحسن وزوجته وأطفاله الثلاثة من بين ألف وثمانمئة وخمسة وتسعين طالب لجوء، جرى اختيارهم في لبنان في العام 2016 ضمن برنامج "الممرّات الإنسانية" Humanitarian Corridors، وهو مبادرة لإعادة توطين اللاجئين يديرها مشروع "الأمل المتوسطي" Mediterranean Hope، الذي أطلقته من أجل هذه الغاية "الكنيسة البروتستانتية الإيطالية"، ويقدّم البرنامج طريقاً آمناً وبديلاً من رحلات القوارب الخطيرة عبر البحر الأبيض المتوسّط.

ويتيح هذا البرنامج للمستفيدين منه بمجرّد وصولهم إلى إيطاليا، إمكان التقدّم بطلب للحصول على حمايةٍ دولية بموجب قانون اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي. وقد جرى منح عائلة محمّد الحسن وضع لاجئين معترف بهم في ديسمبر (كانون الأول) العام 2019، ويقضي أفراد الأسرة الآن فترة الإغلاق في شقة مستقلّة داخل مبنى "بيت الثقافات" المؤلّف من ثلاثة طوابق. ويستضيف المركز في هذه الفترة نحو ثمانية وعشرين لاجئاً إضافياً، وصلوا إلى صقلية من خلال برنامج "الممرّات الإنسانية"، ويقدّم لهم الدعم.

ولم يكن محمّد الحسن حتى قبل تفشّي الوباء في إيطاليا، غريباً عن الأزمات التي ألحقت الضرر بحياته اليومية. فقبل أن يغيّر الصراع في سوريا الحياة التي عرفها هذا الرجل، كان يعيش وأسرته حياةً طبيعية هادئة في إحدى الضواحي الشمالية لمدينة حلب.

ثم، في إحدى الليالي من العام 2013، لم يتمكّن الرجل من العودة إلى منزله من عمله. ويقول: "اخطفتني جماعة متمرّدة. وكان على أهلي أن يدفعوا فديةً لإطلاق سراحي. بعد الإفراج عنّي، قرّرتُ إرسال (أسرتي بكاملها) إلى لبنان، معتقداً أن الوضع هناك سيكون أكثر أماناً لها. أمّا أنا فقرّرت البقاء".

على مدى ثلاثة أعوام طويلة، استخدم محمّد الحسن يديه أساساً في كسر أنقاض الأبنية، بحثاً عن ناجين مدفونين بين حطام المباني المنهارة، نتيجة القصف الذي كان يبقيه مستيقظاً في الليالي. لكن عندما اشتدّت الغارات الجوّية في حلب العام 2016، انضمّ في النهاية إلى أولاده وزوجته في بيروت، حيث عمل كلاهما براتب يقلّ عن الحدّ الأدنى للأجور قيّمَين في إحدى المدارس، حتى أعيد توطينه وأسرته في إيطاليا.

اليوم في شيكلي، تعمل يدا الرجل نفسهما اللتان قامتا بالحفر سابقاً بحثاً عن ضحايا، على قطع القماش، وتقومان بخياطتها من أجل إعادة استخدامها. ويقول في أثناء العودة بذاكرته إلى الماضي: "كدتُ أنسى أن يديّ قادرتان أيضاً على الإبداع".

ويشير الحسن إلى أنه قبل العام 2011، كان يعمل خيّاطاً في أحد مشاغل البلدة القديمة من مدينة حلب، وقد أجبره اقتصاد الصراع الدائر في سوريا على التخلّي عن إبداعه من أجل العمل سائق سيارة أجرة.

ويوضح بييرو تاسكا، المسؤول عن الدعم في مركز "بيت الثقافات"، أن أحداً في صقلية لم يكن يعرف عن ماضي الحسن حتى شاهدوه يخيّط أقنعة الوقاية.

ويضيف تاسكا، في حديثٍ مع "اندبندنت"، أنه "في الأشهر الستة التي أمضاها معنا، لم يكن محمّد ينفتح كثيراً. يمكننا أن نلاحظ أن أعوام الصدمات أثقلت كاهله. لكن عندما أخرج آلة الخياطة تلك التي ظلّت منسيةً فترة طويلة، بدا كأنه شخصٌ جديدٌ تماماً. كان سعيداً بشكل واضح. إن مساعدة الآخرين تعينه على تضميد جراحاته الداخلية".

يعمل الخيّاط السوري كلّ يوم في زاويةٍ لها نافذة صغيرة في مدينة شيكلي، على إنتاج نحو 30 قناعاً من الأقمشة. منتجاته يسهل غسلها يدوياً، وإعادة استخدامها لتجنّب زيادة النفايات البلاستيك. ويقول: "ليس لديّ أيّ شيء آخر أقدّمه باستثناء عمل يديّ".

وتتحدّث إيفانا دي ستاسي، معلّمة اللغة الإيطالية التي ساعدت أطفال محمّد الحسن على الاندماج في نظام التعليم المحلّي، عن مدى تأثّرها عندما تلقّت أول قناع قام بإنتاجه.

وتقول، لـ"اندبندنت"، "كانت محفّزةً جدّاً رؤية مثل هذا الرجل الذي يتحدّث بلطف، يبذل كثيراً من الجهد لمساعدة التجمّع الذي تعلّم بهدوء أن يكون جزءاً منه. لقد قام بحياكة أقنعةٍ من جميع الأحجام، بما فيها الصغيرة منها كي يستخدمها الأطفال. لدينا كثير لنتعلّمه من موقف شخص تعرّض لظروف انغلاقٍ كانت أسوأ بكثير في سوريا".

المرحلة التالية من برنامج محمّد الحسن في إطار مشروع إعادة التوطين، هي العثور على وظيفةٍ مناسبة لمهاراته. وتعتقد المعلّمة دي ستاسي أن على الرغم من الصعوبات الاقتصادية المحتملة في فترة ما بعد الأزمة في مدينة صقلية، فمن شأن شغفه الكامن الذي استيقظ بسبب وضع الطوارئ، أن يوجّهه نحو فرصة العمل المناسبة.

الخيّاط الذي تتحرّك أصابعه بلا كلل يقول إن "حياكة هذه الأقنعة هي بالنسبة إليّ هواية، تعيدني إلى الأيام الخالية من الهموم، عندما كانت القنابل أو أعمال داعش غائبةً تماماً عن راداراتنا أو أحاديثنا اليومية".

© The Independent

المزيد من تقارير