مجدداً، تصيب الأزمات المالية مسيرة إحدى أقدم الصحف العربية الصادرة بالعاصمة البريطانية لندن (العرب)، ما دفعها إلى التوقّف عن الصدور أياماً عدة، قبل أن تعود إلى الحياة بعد "تفاهمات اللحظات الأخيرة بين إدارة الصحيفة والممولين"، وفق ما قاله أحد كتّابها إلى "اندبندنت عربية".
وعلى مدار الأيام الستة الأخيرة، توقفت "العرب" اللندنية، التي تأسست على يد السياسي والصحافي الليبي أحمد الصالحين الهوني في يوليو (تموز) 1977، ما أصاب المشهد الإعلامي العربي بحالة من الجدل بشأن مستقبل الصحافة العربية في ظل الأزمات المالية المتكررة.
توقف مؤقت ومستقبل غامض
وفق مدير أحد مكاتب الصحيفة بإحدى العواصم العربية وأحد كتّابها البارزين، فإنّ التوقف "لم يكن له علاقة بالأزمة المالية" التي سببتها جائحة فيروس كورونا خلال الأشهر الأخيرة، إنما بسبب "أزمة مالية تضرب الجريدة منذ فترة"، وكان العاملون بها "على علم بالأمر"، إلا أنّ القرار "جاء فجأة".
وفي حديثٍ إلى "اندبندنت عربية"، قال المصدر "التوقف حدث بين يومٍ وليلة. علمنا فجأة بتوقف التمويل وإغلاق النسخة المطبوعة، ولم يكن للأمر علاقة بالجائحة المتفشية في العالم، إذ نعيش حالة طوارئ مالية منذ أشهر"، وهو ما أكده أيضاً مصدرٌ آخر، أحد كتّاب الصحيفة.
وأوضح، "الممول الرئيس للجريدة، وهو إماراتيّ، أبدى في أكثر من مناسبة أواخر العام الماضي رغبته في إيقاف التمويل أو ترشيد النفقات"، مضيفاً "على الرغم من المفاوضات المستمرة بين إدارة التحرير والممول فإننا فوجئنا بوقف النسخة المطبوعة الجمعة الماضية، وذلك قبل صدور قرار بالعودة بدءاً من اليوم الخميس".
وبحسب تعبير المصدر، فإنّ "مفاوضات اللحظات الأخيرة هي التي قادت الصحيفة إلى الصدور، مع الاتفاق على ترشيد النفقات خلال الأشهر المقبلة". وفي المقابل أرجع رئيس تحرير الجريدة هيثم الزبيدي، الأمر إلى "توقّف تقنيّ"، بحسب ما نقل عنه موقع "إيلاف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الزبيدي، وهو صحافيّ عراقيّ ويرأس تحرير الصحيفة منذ عام 2012، "توقف (العرب) اللندنية بضعة أيام كان فرصة لمعرفة مدى تعلق قرائنا بنا. لم تتوقف هواتفنا عن الرنين، وكتب لنا كثيرون على البريد الإلكتروني يستفسرون. سمعنا ما يسرّنا من تعليقات".
بينما غرّد كرم نعمة، مدير تحرير الجريدة، "الصحافة لن تموت. شكراً لكل الذي تعاطف معنا أثناء الأيام الثلاثة التي توقفنا فيها. عائدون بقوة من أجل جوهر المهنة"، وذلك بعد صدور قرار العودة مجدداً.
وفي مقاله الجمعة الماضية، قال نعمة، "الحكومات تتخلّى عن قوة تاريخية بترك الصحف تعيش أزمتها"، موضحاً "تدفع الصحف اليوم ثمن نجاحها، ولا يظهر أيّ اهتمام جديّ في العالم العربي بمصيرها. لا توجد ضغوط حقيقية على الحكومات العربية الثرية لإنقاذ الصحف، بوصفها ركيزة أساسية لديناميكية مجتمع متوازن وأداء حكومي تحت المراقبة"، مؤكداً أنّ الصحافيين وهم يقدمون خدمة عامة للمجتمع "غير قادرين وحدهم على إنقاذ الصحافة من أزمتها الوجودية".
وحمّل مدير تحرير الجريدة الحكومات العربية "مسؤولية تراجع الصحافة"، لأنها "لا تضع استراتيجيات لإنقاذ الصحف من أزمتها من أجل إبقائها تترنح، ومن ثمّ إخضاعها، كما فعلت عبر تاريخها المعاصر".
وأرجع صحافيون عاملون بـ"العرب" التوقف "المفاجئ" إلى "وطأة الأزمة الاقتصادية" التي أصابت كثيراً من القطاعات في الآونة الأخيرة، بسبب تفشي وباء كورونا. وهو ما خلق على مدار الأيام الأخيرة حالة من الجدل والترقب في الأوساط الصحافية العربية مع تزايد عدد الصحف التي اضطرتها الأزمات المالية إلى التوقف، وكان آخرها "الحياة" اللندنية، و"الزمان" التي أصبحت محلية تصدر في بغداد فقط.
"العرب" اللندنية في سطور
وتعدُّ صحيفة العرب المعروفة بـ"العرب اللندنية" واحدة من أقدم الصحف اليومية التي تصدر من العاصمة البريطانية لندن، وأُسست على يد الصحافي والسياسي الليبي أحمد الصالحين الهوني (وزير الإعلام الليبي بالعهد الملكي) في عام 1977.
وتعود ملكيتها إلى أسرة الهوني الليبية بعد أن تُوفِّي عميدها أحمد الصالحين الهوني عام 2005، وما زال نجله محمد على رأس إدارة الجريدة، واعتمدت الصحيفة منذ عام 2012 على كادر صحافي وإنتاجي تونسيّ لإدارة تحريرها، وأثارت جدلاً في تغطيتها المعلنة الرافضة الإسلام السياسي في العالم العربي، إلا أنها تميّزت بمحتواها الإعلامي، وتناول الموضوعات السياسية.
وعلى مدار السنوات والعقود الماضية مثّلت "العرب" أحد الأركان الأساسية بالمشهد الإعلامي العربي في لندن، إلى جانب جريدة "الشرق الأوسط " التي صدرت في الـ4 من يوليو (تموز) 1978، إضافة إلى صحف "القدس العربي"، و"الحياة"، و"الزمان".
ويصدر عن "العرب" اللندنية مجموعة من الإصدارات الناطقة بالعربية والإنجليزية، منها "العرب ويكلي" الأسبوعية الإنجليزية، فضلاً عن موقعي "ميدل إيست أونلاين" بالعربية والإنجليزية، و"أحوال"، ومجلة "الجديد".