Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا ضلت طريقها في اختبارات كورونا

قبل أسابيع من تحقيق وزير الصحة هدفه، تأخرت لندن إلى آخر الركب بسبب أحد قرارات بوريس جونسون

الاختبارات أداة مهمة لكنها قد لا تنقذ بريطانيا من تخبطها في مواجهة كورونا (أ.ف.ب.)

كان يُفترض في اليوم الأخير من شهر أبريل (نيسان) أن تجري المملكة المتحدة 100 ألف اختبار يومياً لفيروس كورونا، وفق الجدول الزمني الذي وضعه مات هانكوك، وزير الصحة قبل نحو أربعة أسابيع.

لكن تبيّن أنه لا توجد أي فرصة لتحقيق هذا الهدف - ما يهدّد بإصابة هانكوك بحرج شديد، عندما يتأكد ذلك في غضون أيام – ويبقى أن السؤال الحقيقي هو ليس ببساطة عدد الأشخاص الذين يتم اختبارهم، بل مَن هم الأفراد الذين يتم اختبارهم – وأين، ولماذا؟

ولتوضيح ذلك، على حدّ قول أشد منتقدي ملحمة الاختبارات هذه، يجب أن نعود إلى قرار اتُّخذ قبل نحو أسابيع من دون أن يلاحظه أحد إلى حدّ ما. ولم يتم بالكاد ذكر ذلك في حينه، بحيث فشل في الوصول إلى أي عناوين رئيسة مع ظهور الأزمة الرهيبة، لكنه شكّل تطوراً حاسماً لفهم الرواية المضطّربة لموضوع اختبارات فيروس كوفيد-19 التي تلت ذلك.

ففي 12 مارس (آذار) الفائت، خرج رئيس الوزراء بوريس جونسون المملّ، ليحذّر الأمة من أن وباء كوفيد-19 كاد أن يسيطر على البلاد وأن عائلات "أكثر بكثير" ستفقد أحبائها، ويجب على الأشخاص الذين يعانون من الأعراض البقاء في منازلهم لمدة سبعة أيام.

المملكة المتحدة لا تزال تحت الإغلاق لمدة أسبوعين آخرين تقريباً، لكن كان ذلك النهار هو اليوم الذي شهد التخلي عن جهود "احتواء" انتشار المرض - لصالح "تأخيره" - ما يعني إيقاف إجراء اختبارات للمجتمع وعدم تتبّع حركة الاتصال لأصحاب الحالات الإيجابية.

ويقول أنطوني كوستيلو، أستاذ الصحة العالمية في جامعة "كلية لندن الجامعية" UCL: "لو لم نوقف إجراء الاختبارات في 12 مارس، لكانت آثار الوباء عندنا أقل. لقد سمحوا له بالانتشار".

وبالفعل ارتفع على مدى الأسبوعين التاليين عدد الوفيات في المملكة المتحدة بشكل حاد – بريطانيا هي الآن في المرتبة الثالثة في العالم - ووسط عاصفة من الانتقادات أن الحكومة البريطانية فشلت فشلاً ذريعاً، قدم مات هانكوك تعهّده بإجراء 100 ألف اختبار يومي في الثاني من أبريل.

أُجري في ذلك الوقت، 10 آلاف اختبار فقط في اليوم، وكانت مستويات غياب الموظفين في "خدمات الصحة الوطنية" NHS ترتفع، بحيث اضطُّر الأطباء الذين يعانون من أعراض إلى البقاء في المنزل، عندما كانت هناك حاجة ماسة إليهم في أجنحة الطوارئ.

بعدها، حدّدت الحكومة هدف إجراء 25 ألف اختبار يومياً بحلول منتصف أبريل – لكنها ظلت متخلّفة عنه ميلاً واحداً - وكان رئيس الوزراء قد تعهّد في إحدى المرات بالوصول إلى الهدف الكبير غير القابل للتصديق، بإجراء نحو 250 ألف اختبار يومياً، من دون تحديد موعد لذلك.

وبدا واضحاً منذ اللحظة التي تحدث فيها مات هانكوك في الثاني من أبريل، أن وزير الصحة كان يرتجل الأمور، بحيث ترك المراقبين يحكّون رؤوسهم، مشكّكين في ما كان يعد به بالضبط.

هل ستكون الاختبارات لتحديد مَن الذي لديه الفيروس الآن، أم هي لفحص الأجسام المضادة من أجل معرفة من كان لديه كوفيد-19 في السابق؟ ووعد وزير الصحة أيضاً بإجراء اختبارات "وخز الأصابع" و"شهادات المناعة" للأشخاص الذين حصلوا على تصريح واضح بالعودة إلى الحياة الطبيعية.

كان هانكوك غير واضح. فقد أعلن أيضاً خطة "الركائز الخمس" بمقياس واحد، ما أدى إلى قيام صناعة تشخيص جماعية من الصفر، على النمط الألماني - أثناء الوباء - يبدو أنها جاءت بشكل عشوائي، في محاولة يائسة للوصول إلى الخطة السحرية الخماسية.

وقبل وقت طويل جداً، تبخّرت الآمال في إجراء اختبارات وخز الأصابع حين تبيّن أنها غير دقيقة، بحيث كان على الوزراء – بفضل "اندبندنت" – تقديم التزام علني بإجراء 100 ألف اختبار للفيروس يومياً.

منذ ذلك الحين، حُدّد مصير مات هانكوك لأسباب ليس أقلها أنه كان يُتوقع من مرضى "خدمات الصحة الوطنية" والعاملين في مجال الرعاية والأفراد الذين يتلقّون الرعاية في منازلهم، أن يقودوا لساعات إلى مراكز الفحص البعيدة، من أجل معرفة ما إذا كانوا مصابين بفيروس كوفيد-19. ونتيجةً لذلك، توقفت تلك المراكز عن العمل.

ولا يزال يوجد الآن 16 مختبراً متنقلاً فقط لإجراء اختبارات، مع الثمانين مختبراً المتبقية التي أُفيد بأنها لن تكون جاهزةً للعمل قبل نهاية الأسبوع في أقرب وقت ممكن.

ونتيجة لذلك، بعد أكثر من أسبوعين من الوعود بإجراء اختبار لكل شخص يتلقّى رعاية في "منازل رعاية للمسنين" ويعاني من أعراض، ولا يزال كثيرون لم تُجرَ لهم اختبارات – على الرغم من ارتفاع عدد الوفيات في تلك المنازل بشكل حاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مع ذلك، يمكن أن يدّعي وزير الصحة بأنه حقّق بعض النجاحات. فهناك الآن مجال لإجراء 73400 اختبار(وقت كتابة هذا المقال)، وقد أُجري 52249 يوم الأربعاء - على الرغم من أنه تم فحص 33 ألف شخص فقط بعد إعادة إجراء الاختبارات - ما يعني أنه كان يمكن أن يتيحها لملايين العمال الأساسيين الآخرين، على الرغم من التعطّل الفوري لنظام الحجز عبر الإنترنت.

الآن، وسّع العرض ليشمل جميع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة والعاملين الذين لديهم أعراض ويحتاجون إلى مغادرة منازلهم وأفراد أسرهم. وبحلول نهاية الأسبوع، يمكن إجراء 25 ألف اختبار يومي في المنازل.

من اللافت أن الشخص الذي حظي بالفضل في معجزة الاختبارات في ألمانيا – وهو الخبير في الفيروسات كريستيان دروستين – قد قال هذا الأسبوع، إن المملكة المتحدة "تكتسب زخماً حقيقياً" وهي الآن "تنسّق جهود الاختبارات بشكل أفضل من ألمانيا".

لكن... الفجوة بين طاقة الاختبار (73400)، (وقت كتابة هذا المقال) والاختبارات الفعلية (52249 فقط) هي التي تكشف أين أخطأت المملكة المتحدة. وإذا وافق الجميع على أن الاختبارات أمرٌ بالغ الأهمية - وكانت وحدات الاختبار الاحتياطية موجودة فعلاً - فلماذا لا تُستخدم؟

الجواب هو أن الوزير هانكوك كان يجري اختبارات فقط لـ"خدمات الصحة الوطنية" وللعاملين في مجال الرعاية الصحية وأسرهم (والآن لعمال أساسيين آخرين)، لأن الاختبارات في المجتمع أُوقفت في 12 مارس.

لكنه أخيراً غيّر مسار هذا الوضع في 23  أبريل، معلناً أنه سيجند  جيش قوامه 18000 فرد لتعقّب وعزل جهات الاتصال المحتملة للحالات المشتبه فيها، التي سيُصار إلى اختبار أصحابها جميعهم في النهاية - معترفاً بأن ذلك كان مفتاح التغلّب على الفيروس والتخفيف من إجراءات الإغلاق.

لكن البرامج الجماعية جاءت بعد خمسة أسابيع كاملة من حضّ "منظمة الصحة العالمية" جميع الدول على "الاختبار، والاختبار، والاختبار" - وهو نداء كانت قد رفضته المملكة المتحدة صراحةً في ذلك الوقت. والأهم من ذلك، أنها لن تبدأ حتى منتصف مايو (أيار) على أقرب تقدير.

ويتعرض الآن وزراء الحكومة البريطانية إلى الانتقادات على خلفية استخدامهم عبارة "الاستناد إلى العلم" كدرع لتفادي القرارات الصعبة، لكن في هذه المناسبة كان لديهم دفاع جاهز.

وأوضحت جيني هاريس، نائب كبير المسؤولين الطبيين في المملكة المتحدة، في 26 مارس، قرار وقف العمل بالاختبارات المجتمعية بالقول: "تأتي لحظة في الوباء حين لا يعود هذا التدخل مناسباً. وكانت هذه هي النقطة التي انتقلنا فيها إلى تأخير الانتشار. وعلى الرغم من أننا ما زلنا نقوم ببعض أعمال التتبّع لاتصال المصابين والاختبارات، على سبيل المثال في المناطق عالية الخطورة مثل السجون ودور الرعاية، فهذه ليست آلية مناسبة أثناء مضيّنا قدماً".

وبرّر الوزراء التحوّل الذي حصل في الأسبوع الماضي على أساس أن الاختبارات المجتمعية وتعقّب الاتصالات التي يقوم بها المصابون، يمكن أن تنجح فقط بعد انخفاض العدوى بشكل كبير، وهو ما كان خبراً سيئاً بالنسبة إلى دول مثل كوريا الجنوبية وألمانيا وسنغافورة وفييتنام، حيث لم يتوقف أبداً.

ولعل ما هو أسوأ من ذلك، أن الأدلة كانت تتزايد على أن الخبراء في هذا المجال كانوا يجلسون مبتسمين عندما كان بإلإمكان على الأقل تجنيدهم عند معاودة الاختبارات.

ويوجد الآن نحو 5000 عامل في مجال الصحة البيئية في المجالس المحلية - والآلاف في القطاع الخاص، الذين تم إيقافهم مؤقتاً عن العمل خلال فترة الإغلاق – بعد سنوات من تعقبّهم ضحايا السالمونيلا ومرضى الالتهاب الرئوي وحتى النوروفيروس.

لكن غاري ماكفرلين من "معهد تشارترد للصحة البيئية" Chartered Institute of Environmental Health، رأى أن الصحة العامة في إنجلترا لم تبذل أي جهد لاستخدام هؤلاء (المختصين).

كان يمكن للتعاون المبكر واستخدام هؤلاء العاملين أن يعزّز أرقام الاختبارات في اتجاه العدد السحري وهو 100 ألف.  وإضافةً إلى ذلك، ينقسم الرأي العلمي - على النقيض من اليقين الحديدي لجيني هاريس – إلى النصف في ما يتعلّق بالحكمة من وقف الاختبارات المجتمعية في المقام الأول.

واعتبر ماكفرلين أن من السابق لأوانه إصدار الحكم، وقال لـ"اندبندنت" إن "الوقت الآن ليس مناسباً لإجراء التشريح، لأنه سيكون إلهاء. نحن الآن حيث نحن".

لكنه أضاف: "إنّ إجراء الاختبارات وتتبّع الاتصال مترابطان بشكل أساسي، ولا يمكننا البدء في تخفيف الإغلاق حتى يتوافر لدينا نظام قوي لتتبّع الحالات بشكل سريع والعمل على عزلها. وإذا لم نفعل ذلك، فسننتهي في المكان الذي كنّا فيه قبل أسبوع بالضبط. لم يختفِ الفيروس، فهو لا يزال موجوداً، ولم نحصل بعد على لقاح".

آليسون بولوك، أستاذة الصحة العامة في جامعة نيوكاسل، لا ترحم، وتلقي اللوم على الطريقة التي "دُمّرت من خلالها" خدمات مكافحة الأمراض على مدى عقد من التقشف المالي. وقالت، إنه حتى الآن حُرمت المجالس المحلية من المعلومات عن عدد الإصابات الجديدة في مناطقها، في وقت كان من الممكن أن تسمح فعلاً بإجراء اختبارات وأعمال تعقّب للمصابين.

ورأت بولوك أن الوزير هانكوك كان مشتّتاً أيضاً بسبب حلمه بوضع تطبيق الهاتف الذكي لتوجيه طرق التتبّع، الذي حذّر حتى مطوّره من أنه يتطلّب تعاملاً شاقاً بنسبة 60 في المئة كي يحقق النجاح. وقالت: "لدينا إعلانات تفيد بأنهم سيعمدون إلى الرصد والتتبّع، لكننا لا نعرف حتى الآن كيف".

وأضافت: "لا أستطيع أن أفهم لماذا لا يتم تعقب الاتصال الذي يجريه المصاب - وهو التوجيه الرئيس لـمنظمة الصحة العالمية- ولماذا يبدو أن المملكة المتحدة تختلق الأمور فيما تمضي قدماً، بدلاً من تطبيق النصائح الدولية المعمول بها التي اتُّبعت في كل دولة تمكّنت من التعامل مع هذا الفيروس بشكل جيد".

"اندبندنت" حملت هذه الانتقادات إلى وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية لكنها لم تتلقَّ رداً.

وزير الصحة مات هانكوك سيحقق الهدف الذي وضعه بإجراء اختبارات يومية لمئة ألف شخص، على الرغم من تأخره في ذلك، لكن هذا في حد ذاته بالكاد يكون مهماً. إنّ أسئلة من نوع "مَن، وأين، ولماذا"، هي أكثر أهميةً بكثير.

© The Independent

المزيد من سياسة