Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وفاة 11 رضيعاً في تونس واستقالة وزير الصحة

فجّرت الحادثة غضباً شعبياً أجبر الوزير عبد الرؤوف الشريف على تقديم استقالته

الوفاة حصلت في مركز التوليد التابع لمستشفى الرابطة بالعاصمة التونسية (من أكبر مستشفيات العاصمة) (أ.ف.ب)

شهدت تونس يومي الخميس والجمعة مأساة صادمة راح ضحيتها 11 رضيعاً في السابع والثامن من مارس (آذار) في مركز التوليد التابع لمستشفى الرابطة بالعاصمة التونسية. وأفادت وزارة الصحة التونسية في بلاغ على صفحتها على فيسبوك "تعلن وزارة الصحة بأسف شديد تسجيل 11 حالة وفاة بمركز التوليد وطب الرضيع بالرابطة (من أكبر مستشفيات العاصمة) خلال يومي السابع والثامن من مارس 2019".

وأضاف بلاغ الوزارة أنه جرى اتخاذ "التدابير والاجراءات اللازمة خاصة منها الوقائية والعلاجية لتجنّب حدوث وفيات أخرى ولمواساة عائلات الضحايا ومتابعة الوضع الصحي لباقي المقيمين بالمركز بصفة دقيقة لمزيد التحكم في الوضع". ولاحقاً قدم وزير الصحة التونسية رؤوف الشريف استقالته من منصبه، وأكد رئيس الحكومة يوسف الشاهد قبوله الإستقالة.

وأفاد الناطق باسم المحكمة الابتدائية بتونس سفيان السليطي بأن النيابة العمومية أذنت بفتح تحقيق في الحادثة، وقال السليطي في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، إن قاضي التحقيق تحول إلى المستشفى المذكور بصحبة ممثل النيابة لتحديد ظروف وملابسات الحادثة، وانه سينشر جميع المعطيات المتعلقة بالحادثة في القريب العاجل. وتحدث أولياء قدموا إلى القسم لمعرفة ما إذا كان مواليدهم ضمن الضحايا، عن وفاة الرضع بسبب استخدام مصل منتهي الصلاحية، وفق ما افاد مصور وكالة الصحافة الفرنسية.

غضب شعبي واستقالة وزير الصحة

وفجّرت الحادثة غضباً شعبياً، فشلت الحكومة في امتصاصه على الرغم مما صدر عنها من تصريحات ومواقف، وهذا ما أجبر وزير الصحة عبد الرؤوف الشريف على تقديم استقالته، مساء السبت 9 مارس (آذار)، إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي قبلها فوراً. كما عقدت الحكومة، مساء السبت، اجتماعاً طارئاً لبحث تداعيات الأزمة وسبل مواجهتها.

الاستقالة لم ترضِ الشارع وعدداً من الأحزاب السياسية، التي صعّدت مطالبتها باستقالة الحكومة التي وصفت بالفاشلة، محملة إياها مسؤولية التردي الخطير في أوضاع المؤسسات الصحية الحكومية. وطالب حزب نداء تونس، الخصم اللدود لرئيس الحكومة، بالاستقالة الفورية للحكومة في ظل الخوف من مغبة حصول مزيد من الكوارث، "نتيجة تفرغ الحكومة لتأسيس حزب سياسي بدل خدمة المواطن".

وطالبت أحزاب معارضة باستقالة الحكومة وحملتها مسؤولية الكارثة، بينما حاولت الأحزاب المشاركة في الحكومة تخفيف حجم المأساة، فأصدرت بيانات عزّت فيها عائلات الضحايا، وطالبت بفتح تحقيق لمحاسبة المسؤولين عن الحادث. كما أصدرت حركة النهضة الإسلامية بياناً تقدمت فيه بأحر التعازي للعائلات، ودعت إلى فتح تحقيق جدي لتحديد المسؤوليات، وإلى تقديم الرعاية النفسية والمادية العاجلة لعائلات الضحايا.

ومما ضاعف حجم المأساة لدى بعض العوائل أنها انتظرت فترة طويلة، حيث خضعت سلمى البقلوطي، والدة أحد الرضع، لفترات علاج طويلة وانتظرت ثماني سنوات حتى تمكنت من الحمل، وقد أطلقت اسم نور على ابنتها التي ولدت في المستشفى واحتضنتها مرة واحدة فقط قبل أن تتوفى جراء الإهمال.

سبب المأساة لا يزال مجهولاً

وعلى الرغم من كل ما صدر، فإن السبب الحقيقي للمأساة التي أودت بحياة 11 رضيعاً لا يزال مجهولاً، في حين تتناقض الروايات بين استخدام محاليل طبية فاسدة تُستعمل لتغذية الرضع وبين جرثومة أدت إلى حدوث الكارثة، خصوصاً أن العديد من الجمعيات، منها الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية، وجهت في بيان نشرته اتهامات إلى مافيات الفساد المسؤولة عن استيراد وتصنيع الأدوية، مشيرةً إلى أن السبب في مقتل الرضع هو لقاح مستورد من تركيا.

تحرك المجتمع المدني ضد الإهمال والفساد في مؤسسات الصحة العامة ليس جديداً. تقول الناشطة في المجتمع المدني ابتسام جمعة، التي رفعت دعوى قضائية ضد وزير الصحة وعدد من المسؤولين في أحد المستشفيات بتهمة الإهمال المتعمد في علاج ابنها، الذي توفي جراء إصابته بالسرطان، إن "الصمت على هذه الجرائم هو ما أوصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم. فالفساد الذي ضرب قطاع الصحة العامة أودى بحياة عشرات المواطنين، لكن للأسف هناك تهاون في التعاطي القضائي مع هذه الجرائم، بالإضافة إلى ضعف التضامن في أوساط المجتمع المدني للتحرك بجدية لوقف هذا الإجرام، الذي سيستمر طالما بقيت المافيات والعصابات تهمين على استيراد الأدوية في ظل غياب أي رقابة أو محاسبة حقيقيتين".

وعلى الرغم من كون يومي السبت والأحد عطلة رسمية في تونس، فإن ذلك لم يمنع المواطنين من الدعوة إلى التحرك والاحتجاج في الشوارع للتعبير عن رفضهم لهذه الجريمة، والمطالبة بكشف كل مافيا الأدوية الفاسدة ومافيات نهب المستشفيات ومحاكمتهم.

تحرك المحامين

عائلات الضحايا، التي صدمت بما جرى، زاد من أحزانها قيام إدارة المستشفى بتسليم جثث الرضع إلى أوليائهم في صناديق من الكرتون تستعمل لتخزين المعلبات، وهذا ما أغضب الرأي العام التونسي، الذي اعتبر أن هذا التصرف إهانة تُضاف إلى الجريمة التي أرتُكبت بحق الرضع. كذلك انبرى عدد من المحامين إلى تكوين لجنة لمتابعة كل من تورط في هذه الجريمة. قال المحامي أحمد بن حمدان، عضو اللجنة، إن "النيابة فتحت تحقيقاً بتهمة القتل عن غير قصد الناجم عن الإهمال والتقصير وعدم مراعاة الشروط القانونية الواجب اتخاذها لحماية أرواح الرضع".

أضاف بن حمدان أن الدعاوى القضائية التي سترفع هي ضد كل من سيكشفه التحقيق متورطاً.

والجدير ذكره أن وضع القطاع الصحي العمومي التونسي الذي كان أحد مفاخر البلد تدهور بسبب مشاكل ادارة وتمويل أدت الى تراجعه بشكل عام مع نقص متواتر في توفر الادوية في الآونة الأخيرة.

المزيد من العالم العربي