Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشريع الحشيشة في لبنان بين التطبيق والفوضى

محاولات استبدال تلك الزراعة في السابق باءت جميعها بالفشل

ازدهرت زراعة الحشيشة خلال الحرب الأهلية في لبنان بين عامي 1975 و1990 (مواقع التواصل)

بعد بدء زراعة الحشيشة في لبنان في أوائل القرن العشرين وتحوّلها لاحقاً إلى نشاط ممنوع وغير قانوني، شرّع البرلمان اللبناني في جلسته الأخيرة زراعة هذه النّبتة المعروفة بالقنّب الهندي، بهدف استخدامها لأغراض طبية وصناعية، ما فتح أبواباً اقتصادية "قانونية" قد تخلق ديناميّة معيشيّة عامة في لبنان، تُخرج تجارة الحشيشة من قيود "مافياوية" كانت تتحكم بها، وتتيحها أمام مئات المزارعين في ظلّ أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة يرزح تحت ثقلها لبنان واللبنانيون.


المرحلة غير القانونية
 

وإذا كان القنّب الهندي يُعتبر نوعاً من أنواع المخدرات الممنوعة، بينما تُسمح زراعته في دول عدة لاستخدامه في الأغراض الطبية، مثل التّخفيف من الآلام المترتّبة عن حالات التشنّج العضلي وتصلّب الأنسجة، لم تمنع القوانين اللبنانية التي حظرت سابقاً زراعة القنّب، مئات المزراعين اللبنانيين، خصوصاً في مناطق بعلبك والهرمل (البقاع)، من زراعة وبيع وتصدير الحشيشة وملحقاتها، ليصبح لبنان من البلدان الرئيسة المنتجة لتلك النبتة على الرغم من أن عقوبة الاتجار فيها تصل إلى الأشغال الشاقة المؤبّدة.
ويُعتبر لبنان ثالث أكبر مصدّر للقنب على الصعيد العالمي استناداً إلى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، إذ كان يصدّر نحو ألف طن من الحشيشة وما بين 30 و50 طناً من الأفيون، المكوّن الأساسي للهيرويين إلى أوروبا وأفريقيا وأميركا الشمالية، ليدر ما بين 175 و200 مليون دولار سنوياً.

وازدهرت صناعة الحشيشة ذات "النوعية الجيدة"، خلال الحرب الأهلية في لبنان بين عامي 1975 و1990، إذ كان يتمّ تصدير نحو ألفي طنّ سنوياً عبر المرافئ غير الشرعية، إلى أن قررت السلطات اللبنانية وبضغط من الولايات المتحدة حظرها وشنّ حملات للقضاء على زراعتها، مطلقةً برنامج استئصال المخدّرات بالتعاون مع "برنامج التّنمية" التابع للأمم المتحدة، واعدةً بتعويض المزارعين وشراء محاصيل الزراعات البديلة، الأمر الذي لم يتحقّق، فكانت المواسم الزراعية البديلة من النباتات الزيتيّة والعطريّة والتموينيّة، وفي مقدّمها دوّار الشمس، تتكدس في مخازن المزارعين، لتتلَف لاحقاً.

في عام 1994، أعلن برنامج التّنمية التابع للأمم المتحدة أن سهل البقاع خالٍ من المخدرات، وقدّر كلفة عدم العودة إلى إنتاجها بـ 300 مليون دولار أميركي، لكن القيمة التي تمّ تسلمها من هذا المبلغ حتى حلول عام 2001 لم تتخطَ 17 مليون دولار، لذا سرعان ما فشل البرنامج في ظلّ غياب الدعم المالي من الدولة أو الأمم المتحدة، وفي ظل غياب استراتيجية رسمية لزراعات بديلة تؤمّن للمزارع الاستقرار الاقتصادي. هكذا عادت زراعة الحشيشة إلى سابق عهدها، وعادت المواجهات من جديد. ومنذ ذلك الحين، تتكرّر المواجهة في كل عام، بين السلطات والمزارعين الذين يطالبون بتشريع نشاطهم. وكانت حملات مكافحة الحشيشة من قبل القوى الأمنية، تؤدّي إلى تلف ما بين 1000 و6500 هكتار في مجمل قرى بعلبك – الهرمل، سنوياً.


فشل الزراعات البديلة

ويشير عضو مجلس بلدية مدينة الهرمل، مفلح علّوه (المشرف على مشاريع عدة للزراعات البديلة في الهرمل وجوراها)، إلى أن "مزارعي الهرمل وبعلبك حاولوا مراراً وتكراراً اعتماد زراعات بديلة كالبطاطا المؤصّلة والقمح ودوّار الشمس، لكن سياسة الحكومة اللبنانية بعدم حماية الزراعة اللبنانية والمزارعين، وعدم إيجاد مصانع لزيوت الصويا وغيرها، دفعت بالمزارعين إلى العودة إلى زراعة الحشيشة".

وأكد علّوه أن مزارعي الحشيشة في المنطقة "لا يبحثون من خلال زراعة الحشيشة عن حياة رغيدة وبحبوحة، بل عمّا يسد جوعهم وإطعام عائلاتهم وتعليم أولادهم، أو ما يكفي حاجتهم في الحدود الدنيا، ومنع هذه الزراعة يعني تجويع هذه الطبقة من الناس في ظل عدم وجود البديل، وعندما تجوع الناس تتحول إلى قطّاع طرق وسارقين. إن الجوع باب من أبواب الجريمة".
ويتذكر مزارعو الهرمل أنه قبل عام 1958، وفي عهد الرئيس السابق كميل شمعون، "ازدهرت زراعة الحشيشة في لبنان برعاية من قوى السلطة وأجهزتها الأمنية، ما درّ على لبنان أموالاً طائلة كانت عاملاً كبيراً من عوامل ازدهاره في تلك الفترة.
وفي أواسط الستينيات، وعد الرئيس اللبناني شارل الحلو المزارعين بدعم الزراعات البديلة وفي مقدمها دوّار الشمس، وتخصيص ميزانية خاصة لشراء المحصول بأسعار تشجيعية. نجحت حينها، زراعة "دوّار الشمس" وتمّ جني المحصول، لكنه كان بتكدّس في المخازن سنة تلو الأخرى حتّى بات معظمه طعاماً للفئران. أما الأموال التي خصصتها الأمم المتحدة لدعم زراعات بديلة في التسعينيات فتبددت من دون أن تحقق الهدف الذي رُصدت من أجله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


المردود المالي

واستناداً إلى بيانات اقتصادية حول تجارة الحشيشة في لبنان، فإن مردود الدونم الواحد للحشيشة يبلغ 10 آلاف دولار أميركي، والدخل السنوي للمزارعين يتراوح بين 30 و80 مليون دولار، بحسب المنطقة المزروعة وسعر السوق، ما يجعل القيمة الإجمالية لهذه الزراعة تتراوح بين 120 مليون دولار في حدها الأدنى و800 مليون دولار في حدها الأقصى، في السنة.
وينبّه العامل في الشأن الاقتصادي الدكتور كمال حمدان من أن "الدولة إن لم تصبح دولة فعلية، وتفعّل تطبيق القوانين والمراسيم التطبيقية، فستكون هذه الخطوة كرمية بلا رامٍ. نحن بحاجة إلى خطة متكاملة لمعالجة الخلل في البنية القطاعية للاقتصاد اللبناني، والعلاقة بين المناطق الريفية المنسية والمركز"، مطالباً بأن "يكون هذا الملف تحت رقابة الدولة، لجهة نوعية الأصناف المرغوب في زراعتها للحشيشة التي ستُنتج، والنوعية المطلوبة عالمياً لتزيد في القيمة المضافة. ونحتاج إلى وضع ضوابط كي نتحدث عن حسنات قرار تشريع الحشيشة، مع أن الدولة منذ 50 سنة لم توفَق في ردم الفجوات بين المناطق وبين القطاعات، بل إن في آخر 30 سنة تراجعت الصناعة والزراعة إلى ما دون النصف من الناتج المحلّي، وإذا بقيت الأمور متروكة مثل سفينة في البحر، فإن سلبيات القرار بالتأكيد ستكون أكثر بكثير من إيجابياته".
ولفت حمدان إلى أن "عَكْس قرار التشريع يحتاج إلى بدائل حقيقية، وقد عايشنا قرارات سابقة دعمتها مؤسسات دولية ودول مانحة. إلغاء زراعة الحشيشة يحتاج إلى قرارات تدريجية وإلى خطة عشرية، تقلص الزراعة وتنمّي البدائل، حتى نصل إلى نتائج. إنّ كل ما كانت تقوم بها الدولة هو منع الزراعة، وقطع أرزاق المزارعين حتى باتوا خارجين على القانون". وأكد حمدان أن "تطبيق التشريع إن لم ينظَم ضمن قوانين ومراسيم ورقابة، فسيتحول إلى فوضى. وإن لم تسع الإدارة العامة، التي نطلق عليها تسمية الحوكمة، إلى توجيه تشريع الحشيشة لتصبح جزءاً من صناعات أخرى، فيها قيمة مضافة عالية، وذات قدرات تطويرية أعلى، تخلق فرص عمل أكثر، وتعزّز الصادرات لتؤمن من خلالها تدفق عملات أجنبية، ووجوب أن تتوافر في كل حلقة من هذه الحلقات العين الرائية والمراقِبة لجهة النوعية والأصناف ومنع وجود سوق سوداء لتذهب في استخدامات استهلاكية مباشرة، سيتحول التشريع إلى فوضى عارمة".

المزيد من العالم العربي