Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قانون الطوارئ في تونس… بين التخوّف من المسّ بالحقوق والحريات وبين الضرورة الأمنية الملحة

عبّر حقوقيون وسياسيون تونسيون عن تخوّفهم من تمديد حالة الطوارئ التي يرون فيها حداً للحريات الفردية والعامة بسبب الصلاحيات الاستثنائية التي يمنحها لعناصر النظام.

عنصر من قوات الأمن التونسية إلى جانب آلية للشرطة في العاصمة (غيتي)

قرّر الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي تمديد حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد لمدة شهر واحد ابتداءً من يوم 7 مارس (آذار) 2019 حتى 5 أبريل (نيسان) 2019، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر.

تعيش تونس في ظل قانون حالة الطوارئ منذ اندلاع ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، ومُدد بشكل متواصل من قبل رئاسة الجمهورية حتى بعد إقرار دستور العام 2014، الذي ألغى العمل بالأوامر والمراسيم التي تمس الحريات وحقوق الإنسان. إلا أن تواصل العمل بقانون الطوارئ عائد إلى "دواعٍ أمنية"، وهذا ما اعتبره مراقبون انه غير ملائم لنص الدستور.
 
صلاحيات استثنائية
 
تعطي حالة الطوارئ السلطات صلاحيات استثنائية واسعة، مثل حظر تجوّل الأفراد والعربات، ومنع الإضرابات والاحتجاجات العمالية وغيرها، وفرض الإقامة الجبرية على اشخاص وتحظر الاجتماعات المشبوهة، وتتيح تفتيش المحالّ في كل وقت، ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والتلفزيوني، والعروض السينمائية والمسرحية والتظاهرات الثقافية، كل ذلك من دون الحصول على إذن مسبق من القضاء.
وفرض دستور الثورة في البند 65 منه أن تتخذ النصوص المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان شكل قوانين أساسية، وهذا ما يحدّ من الصلاحيات المفرطة للسلطة التنفيذية التي كانت تتمتع بها قبل ثورة العام 2011.
وعبّر حقوقيون وسياسيون تونسيون عن تخوفهم من المس بالحقوق والحريات المكفولة في الدستور، على اعتبار أنه يمكن قانوناً فرض حالة الطوارئ ستة أشهر قابلة للتمديد تسعة أشهر يمكن خلالها المس بالحريات الفردية والجماعية بكل انواعها. كما عبر هؤلاء عن تخوفهم من تسخير الجيش لمهمات مدنية وإقحامه في مهمات تضعه في صدام مباشر مع المواطنين بخاصة أن التونسيين يقدّرون دور الجيش خلال الثورة وبعدها، إذ لم ينخرط في الصراع على السلطة، على غرار ما حدث في دول أخرى عاشت ثورات.
 
"الخميس الأسود"
 
من جهته، قال الدكتور قيس سعيد المتخصص في القانون الدستوري إن "نظام حالة الطوارئ يعود إلى الأمر عدد 50 لسنة 1978 الصادر في تاريخ 26 يناير (كانون الثاني) 1978، المصادف يوم الخميس الذي وصِف آنذاك بالأسود"، مضيفاً أن "هذا النص المنظم لحالة الطوارئ نُظِّم على عجل في ذلك اليوم الذي سقط فيه عشرات الشهداء، بخاصة في العاصمة التونسية خلال الاضراب العام الذي أعلنه الإتحاد العام التونسي للشغل. واقتُبس هذا النص من القانون الفرنسي الذي يعود تاريخه إلى أبريل 1955، واعتُبر في ذلك الوقت، أي في العام 1959، نصاً مخالفاً للدستور لأنه أتى بعقوبات سالبة للحرية". وأشار سعيد إلى أنه أُعيد العمل بهذا النص في مناسبات أخرى، مثل 3 يناير 1983 الذي عُرف بيوم أحداث الخبز، كما اعتُمد باستمرار بعد 14 يناير 2011".
يعتقد سعيد أنه "يبدو أن مَن يعلن حالة الطوارئ يحترم النص القانوني المنظم لها ويتغافل عن احكام الدستور… لأن نص العام 1978 يمكّن من تمديد الطوارئ لمرة واحدة فقط بينما يأخذ الدستور الجديد بالاحكام نفسها الواردة في نص دستور العام 1959. ولا يمكن اللجوء إلى مثل هذه التدابير الاستثنائية إلا إذا كان هنالك خطر داهم يهدد كيان الدولة بحيث يتعذر معه سير عجلة الدولة بشكل عادي".
وتساءل المتخصص في القانون الدستوري "هل يتهدد تونس اليوم خطر داهم؟ وهل المرافق العامة معطلة، في حين أن المهرجانات الثقافية تُنظَم والتظاهرات الرياضية تُجرى اسبوعياً كالمعتاد في كل المناطق".
ويرى سعيد أن هذا النظام الاستثنائي تحوّل إلى أداة من أدوات الحكم للتضييق على الحريات لأن أمر يناير (كانون الثاني) 1978 يعطي رئيس الجمهورية والمحافظين صلاحيات استثنائية للتضييق على الحريات ووضع اشخاص تحت الاقامة الجبرية. وأضاف "يبدو أن السلطة تلجأ الى حالة الطوارئ، لا لأن شروط فرضها متوفرة، بل لأنها تجد فيه ملاذاً يمكنها من هذه الاحكام الاستثنائية، كما هو الحال في عدد من الدول العربية الأخرى حيث يولد المواطن في ظل نظام حالة الطوارئ ويموت في ظله".
 
مناشدات حقوقية
 
واعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن على البرلمان التونسي التخلي عن مشروع قانون الطوارئ لما يمنحه للحكومة من صلاحيات واسعة لتقييد الحقوق، أو مراجعته بشكل شامل.
يُذكر أن لجنة الحقوق والحريات في مجلس نواب التونسي استمعت خلال اجتماعها في 19 يناير 2019 إلى ممثلي رئاسة الجمهورية بشأن مشروع القانون الجديد المتعلّق بتنظيم حالة الطوارئ.
وانطلقت الجلسة من خلال تقديم الجهة المبادِرة شرحاً للأسباب المتعلقة بهذا المشروع الذي أقره المجلس الوزاري. واعتبر ممثلو رئاسة الجمهورية أن مجلس الأمن القومي ارتأى أن القانون الحالي لم يعد يواكب تطور المنظومة القانونية، وهذا ما استوجب ملاءمته مع الواقع الذي تعيشه البلاد بخاصة أن القرار عدد 50 للعام 1978 المنظِم لحالة الطوارئ بات غير دستوري. وأضاف ممثلو الرئاسة أن صياغة هذا المشروع تمّت بإشراف لجنة ترأسها رئيس الجمهورية مؤلفة من وزراء الدفاع والعدل والداخلية، إذ تُراعى الحقوق والحريات والعمل النقابي وتُقدَم ضمانات أكثر من ذي قبل، في ما يخص مراقبة الاجراءات.
يتألف القانون الجديد من 24 بنداً، وسيلغي العمل بالأمر الرئاسي المعتمد حالياً، الذي أصدره الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة منذ أكثر من 40 سنة، وتحديداً في 26 يناير (كانون الثاني) 1978، لمواجهة الإضراب العام الذي كان أعلنه الاتحاد العام التونسي للشغل حينذاك، بسبب انسداد أفق التفاوض مع الحكومة.
في هذا الصدد، قال مستشار الأمن القومي لدى رئيس الجمهورية الاميرال كمال العكروت، إن القانون الأساسي المنظم لحالة الطوارئ لا يمس الحريات التي منحها الدستور التونسي، موضحاً أن "القانون يتضمن تنظيم تدخل الجيش بالتنسيق مع الأمن لتنفيذ خطط جاهزة لحماية المنشآت الحساسة".
ونفى العكروت أن يكون القانون الجديد مخالفاً للدستور، مؤكداً احترام الإجراءات وفق ما نص عليه الدستور، مفيداً بأن "قانون حالة الطوارئ أُعدّ بقرار من رئيس الجمهورية، وبعد عرضه على مجلس الأمن القومي، وصادق عليه مجلس الوزراء".
وقال العكروت إن القانون ينص على ضمانات قضائية وتشريعية عدة، مستدركاً أن "هذه الضمانات يجب أن لا تعطل سرعة التنفيذ والتدخل الأمني والعسكري في حالة الطوارئ".

المزيد من العالم العربي