ليس مبالغةً أن يصف الجزائريون يوم 8 مارس (آذار) بـ "التاريخي"، فخروجهم بالملايين إلى الشوارع والساحات في المدن والأرياف، يُعتبر بحق حدثاً استثنائياً وحاسماً في مسار البلاد.
وجّه الجزائريون رسائل جديدة إلى النظام الحاكم، في الجمعة الثالثة من الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير (شباط) الماضي، لعله يستجيب دعواتهم الرافضة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الموجود حالياً في أحد المستشفيات السويسرية، لولاية رئاسية خامسة، ومطالبة السلطة بتسليم المشعل إلى الجيل الجديد من الشباب.
وشاركت جميلة بوحيرد جميلات الجزائر في التظاهر في يوم 8 مارس الذي صودف في اليوم العالمي للمرأة، فاكتسب الحراك الشعبي دلالةً رمزية على تواصل نضال المرأة الجزائرية من أجل الوصول إلى حقوقها، أكان في وجه المستعمر ماضياً أو ترسيخ الديمقراطية حاضراً.
اعتقال 195 شخصاً
أعلن التلفزيون الجزائري الرسمي اعتقال 195 شخصاً بعد تظاهرات يوم الجمعة التي شهدت احتكاكات خفيفة بين متظاهرين وقوات مكافحة الشغب. وكانت المسيرات انطلقت على غير العادة في العاصمة، قبل صلاة الجمعة، بعد تجمع المئات أمام ساحة البريد المركزي، ملتحفين بالعلم الجزائري ورافعين شعار "لا للعهدة الخامسة.. بعتم البلاد أيها السارقون"، وغيره من الشعارات التي سبق أن رُفعت في المسيرات السلمية الماضية.
وتضاعف عدد المتظاهرين حتى وصل إلى أكثر من مليون بعد صلاة الجمعة، وفق تقديرات أولية، عقب التحاق عدد كبير من المواطنين بالمسيرات، فيما سُجلت مشاركة عائلات كاملة، قررت النزول إلى الشارع في أجواء احتفالية سلمية ذكّرت الكثيرين منهم بأيام تحرير الجزائر عام 1962.
ولم تفلح تحذيرات بوتفليقة (82 سنة) في رسالة قُرئَت باسمه الخميس، في مناسبة عيد المرأة العالمي من "الفتنة" و"الفوضى"، في إحجام الجزائريين عن الخروج إلى الشارع، بل على العكس، أعطت مشاركة النساء طابعاً خاصاً وزخماً قوياً للمسيرات السلمية.
تفنّن في التظاهر
وتفننت الجزائريات في التظاهر ضدّ ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، بإطلاق زغاريد دوّت في الساحات والشوارع، بينما فضلت كثيرات منهن ارتداء ملابس تقليدية، على غرار الحايك والعجاز (لباس نساء العاصمة)، إضافة إلى الجبة القبائلية التي تعبر عن تراث الأمازيغ.
وذرفت نسوةٌ الدموع وهن يشاهدن تلك الجموع من الشباب تسير للمطالبة "بالحرية والديموقراطية وغد أفضل". قالت الحاجة أمينة (70 سنة) "أنا جد سعيدة، لا أصدق أنني أشارك في احتفالات ثانية لتحرير البلاد من القيود. في عام 1962 خرجت للشارع للاحتفال بطرد المستعمر الفرنسي، وها أنا أخرج اليوم مع أحفادي للمطالبة بحياة أفضل لهم".
في غضون ذلك، كانت أصوات النساء تصدح في الجهة المقابلة "الله الله يا بابا اليوم سنطرد العصابة" في إشارة إلى الفريق الراغب في ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة، على الرغم من متاعبه الصحية، وذلك "من أجل الاستمرار في نهب الثروات وتحقيق مآربهم الخاصة"، وفق تعبير محتجين كثر.
وصنعت الجزائريات مشاهد رائعة بوقوفهن إلى جانب الرجال في المطالبة بالحرية والديموقراطية. قالت إحداهن، وتُدعى سارة، إن "العالم مذهول من سلمية التظاهرات التي تجري في الجزائر، ونحن نساء هذا البلد أردنا أن نسجل حضورنا". وأضافت وهي تنظر إلى ابنتها "خرجنا من أجل هؤلاء لأنهم المستقبل. بالنسبة لنا فاتنا القطار لكن نريد حياة أخرى لأبنائنا ولن ندعهم يرهنون مستقبلهم".
غاز مسيّل للدموع
دامت الاحتجاجات الحاشدة ساعات عدة، بينما حاول المتظاهرون الوصول إلى قصر الرئاسة بضع مرات للمطالبة بتنحي بوتفليقة وإحداث إصلاحات عميقة للنظام، غير أن قوات الأمن منعتهم من التقدم نحوه باستعمال الغاز المسيل للدموع، في حين حلّقت مروحية لقوات الأمن في سماء العاصمة مع انطلاق الاحتجاجات.
المسيرات الشعبية انتهت مع انقضاء يوم الجمعة، إلا أن مواقف السلطة الحاكمة لا تزال غائبة. ولا معلومات محددة عما إذا كانوا يعتزمون الاستمرار في فرض الولاية الخامسة، أم سيراجعون قراراتهم، خصوصاً أن الشارع يستعد للدخول في عصيان مدني يوم الأحد المقبل في حال عدم التجاوب مع مطالبه.