Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفيروس الذي عانى منه جونسون قد ينقذه على رغم أخطائه

حاز جونسون ومساعدوه على السلطة من خلال المبالغة بالتهديدات للمملكة المتحدة في ما يتعلّق ببريكست أو اختلاقها، لكنهم الآن يواجهون جائحة كارثية حقيقية

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يشارك بوقفة لضحايا موظفي الرعاية الذي قضوا بسبب كورونا (أ.ف.ب)  

اندلعت صيف عام 2011 أعمال شغب في جميع أنحاء لندن وامتلأت شاشات التلفزيون والصحف بصور المباني المشتعلة والمتاجر المنهوبة. وسرعان ما لاحظ الجميع أن بين الأشخاص الغائبين عن العاصمة محافظ لندن، بوريس جونسون، الذي كان مع عائلته في عربة تخييم في جبال روكي الكندية، حيث كان يقضي عطلته، وقد أظهر تردداً شديداً للعودة.

ومع احتراق العاصمة البريطانية، باتت أعذار مجلس البلدية لغياب جونسون محرجة أكثر فأكثر. فقد قيل إنه لا يريد "مكافأة" المشاغبين بالعودة إلى لندن بسرعة. وادّعى أنه مضطر للبقاء في كندا لأن زوجته آنذاك لم تكن قادرة على قيادة عربة التخييم من نوع وينيباغو.

وعندما رجع، بعد عودة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ووزيرة الداخلية تيريزا ماي على عجل من إجازاتهما الخاصة، ببعض الوقت، ذهب مباشرة إلى حي كلابام في جنوب لندن، الذي عانى بشدة من أعمال الشغب. وفي البداية، استقبله السكان بسخرية، لكنه أخذ مكنسة ورفعها عالياً كإشارة على عزمه قيادة تنظيف الحطام الذي خلّفته أعمال الشغب. وهنا حلّت التصفيقات محل صيحات الاستهجان، على الرغم من أن بعض أصحاب المتاجر نفوا لاحقاً وهم في غاية التأثر وجود دليل على استخدام جونسون مكنسته فعلياً. غير أن ذلك لم يكن مهماً من الناحية السياسية. فقد كانت البادرة كافية، وأُعيد انتخاب جونسون رئيساً للبلدية في العام التالي، ولم يتعرض عمله السياسي وطموحه الأوسع ليصبح رئيساً للوزراء لأي أضرار.

وبالنظر إلى سجله الحافل، ما كان لأي شخص أن يُفاجأ بوجود رئيس الوزراء في جزيرة الأثرياء "موستيك" الواقعة في منطقة البحر الكاريبي، عندما أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية للمرة الأولى في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي أنها اكتشفت نوعاً غير عادي من الالتهاب الرئوي في ووهان. وكان الوباء منتشراً بشكل كبير في فبراير(شباط) عندما أخذ 12 يوماً كـ "عطلة عمل" وغاب عن خمسة اجتماعات طارئة لمجلس الوزراء حول فيروس كورونا، قبل أن يُصاب هو نفسه بالفيروس في مارس (آذار). وبالنسبة إلى معظم السياسيين، يمكن أن يصيبهم بعض الأذى من مثل هذه الغيابات الطوعية وغير الطوعية في أزمة ضخمة كهذه. لكن جونسون، بدلاً من أن يتأذّى، ربما يعود إلى مقر رئاسة الحكومة في داونينغ ستريت في الأيام القليلة المقبلة وقد تعزّزت شعبيته، فهو بات يحتلّ مكانة الشهيد "الجريح في القتال" في الحرب ضد فيروس كورونا.

غير أن العوامل المساعدة في تكريس هذا الوضع هي أكثر من مجرد التعاطف مع رجل مريض. فجونسون يستفيد من تعاطف الإنجليز التقليدي مع المارق المحبوب الذي يتمتّع بشخصية جذابة، لها أخطاؤها التي هي أخطاء بشرية جداً ويمكن أن يرتكبها أي شخص. إنه في جوهره شخصية إنجليزية، لا يشعر بالإحباط، ومن الصعب أن تكرهه. هذا الولع بالشخصيات الهازئة، له تاريخ طويل، وفي الحقيقة، لا شك أن ثمة أسباباً موجبة جعلت شخصية المهرج "فالستاف"، التي رسم معالمها شكسبير، أكثر إبداعات عبقري المسرح الإنجليزي شعبية.

ومع استعادة جونسون نشاطه البدني والسياسي، من المهم أن نضع في اعتبارنا أن أداءه المرح الذي يفتقر إلى الاحترافية وإن اتّسم بالثقة في النفس، هو أصيل للغاية في مجمله، لكن أخطاءه، تسبّب بؤساً حقيقياً وخسائر في الأرواح، خلافاً لما حدث عام 2011. فعلى سبيل المثال، يبلغ معدل الوفيات من كوفيد-19 في جمهورية أيرلندا ثلثي ما هو عليه في أيرلندا الشمالية. ويفسَّر هذا بتخلّي بريطانيا، ومن ضمنها أيرلندا الشمالية، في 12 مارس عن تتبُّع المخالطين وتقييد إجراء الاختبارات، التي تحاول الآن يائسة استئنافها. في حين اتّبعت الحكومة الأيرلندية إرشادات منظمة الصحة العالمية ووسّعت نطاق الاختبارات وتتبّع المخالطين. وبعبارة أخرى، إذا مات 18738 شخصاً بسبب فيروس كورونا في المملكة المتحدة، فقد مات ربما نحو 6000 شخص بلا مبرر بسبب أخطاء جونسون والحكومة التي أنشأها على مقاسه.

سيبقى الأخرق أخرقاً على الدوام، ولن يتوقف الخرقاء فقط لأنّ المسؤول عنهم لديه تجربة شخصية مع فيروس كورونا. وقد لا تكون إخفاقات جونسون مهمة للغاية لو كانت بريطانيا تصارع فقط عواقب البريكست. لا بل ربما كان هو الرجل المناسب لهذا المنصب. فهو، كما يدلّ تراجعه الرشيق عن اتفاقية الانسحاب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ماهر في إعلان انتصارات شهيرة وزائفة وإخفاء التنازلات بغطاء من التحدي والتبجّح، أين منه أسلوب تشرتشل الذي يحاول تقليده.

وتُعدُّ عدم كفاءة أنصار بريكست أكثر خطورة من بريكست ذاتها. فقد حاز جونسون ومساعدوه على السلطة من خلال المبالغة في وصف الخطر أو اختلاقه، مثل التهديد المفترض الذي يمثله الاتحاد الأوروبي لاستقلال بريطانيا. وهذه المهارة ذاتها في تضخيم التهديدات وتعزيز آفاق الفرص بشكل ملائم، هي التي تجعل حكومة أنصار بريكست غير مهيّأة بشكل خاص للتعامل مع أزمة حقيقية ورهيبة للغاية. وفجأة، لم تعد الشعارات كافية، فالكلمات المتفائلة تأبى أن تتحوّل إلى أفعال وتبقى وسيلة للتستّر على استراتيجية ملتبسة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتمثّل المناورة الدفاعية للحكومة في القول إنها كانت فقط "تتبع العلم" طوال الوقت، على الرغم من أنه كان واضحاً منذ البداية أن العلماء قد اختلفوا جذرياً حول ما يجب فعله. فقد كان كريس ويتتي، كبير الموظفين الطبيين، وباتريك فالانس، كبير الموظفين العلميين هما من دعما اتّخاذ إجراءات مخفّفة، أو ما يُعرف بـ "مناعة القطيع"، لفترة حرجة، خلافاً لأفضل الممارسات التي اتّخذتها كوريا الجنوبية والصين وتايوان وسنغافورة. ومن المفارقات، أنّ أنصار بريكست أنفسهم مِمَّن ندّدوا مراراً بالخبراء الذين انتقدوا مشروعهم المفضل، يطالبون الآن بمعاملة كلمات خبرائهم الطبيين الذين يُسدون لهم المشورة كما لو كانت منزّلة ملهمة وجبت طاعتها.

ليس على الزعماء السياسيين أن يحكموا على صحة الحجج العلمية بأنفسهم، لكنهم بحاجة إلى تعيين أشخاص يمكنهم القيام بذلك بشكل صحيح. فالتاريخ مليء بأمثلة لعلماء بارزين أخطأوا التقدير، كالبروفيسور ليندمان، صديق ونستون تشرتشل ومستشاره العلمي، الذي دعا في ثلاثينيات القرن العشرين إلى تطوير ألغام جوية معلّقة من مظلات، كوسيلة للدفاع عن بريطانيا ضد أي هجوم جوي ألماني، بينما اقترح آخرون أن الرادار قد يكون الخيار الأفضل.

وبطبيعتها، تُعتبر الجائحة حدثاً عالمياً لأن فيروس كورونا لا يعرف الحدود الوطنية. لذلك، من سوء الحظ أن بريطانيا يحكمها أشخاص مؤمنون متعصبون للدولة القومية ومتشككون في التعاون مع بقية أوروبا. وبغض النظر عما إذا كان الوزراء أو الموظفون المدنيون مسؤولين عن عدم المشاركة في صفقات شراء مشتركة مع الاتحاد الأوروبي للمعدات الطبية الأساسية، فقد كان واضحاً أن الحكومة لم تعطِ هذا الأمر الأولوية التي استحقّها.

لقد أنهك التقشّف الدولة البريطانية داخلياً، وأضعفها بريكست خارجياً. والأسوأ هو أن المسؤولين عن الترويج لتلك المشاريع هم الآن في السلطة، من دون أي فرصة لاستبدالهم، مهما كان أداؤهم ضعيفاً. والمؤسسات الحكومية المحلية القوية ضرورية لتنفيذ الشعار الجديد للتتبّع والتعقّب والاختبار، ولكن جرى تقليص هذه الإجراءات الضرورية حتى أصبح ثمة شك في قدرتهم على تنفيذ مثل هذه المهمة الضخمة.

سيرأس بوريس جونسون هذه الكارثة، لينضح بالتفاؤل ويثني على العمل "الرائع" و"المدهش" الذي يقوم به الجميع تقريباً، بغض النظر عن الإنجاز. سيتحدث عن روح عام 1940، لكن أداءه حتى الآن يبدو أقرب إلى أداء أولئك الجنرالات البريطانيين الودودين والكارثيين أيضاً خلال الحرب العالمية الأولى. عن أحد هؤلاء الجنرالات، نظم سيغفريد ساسون، قصيدة مريرة تنطبق بشكل مذهل على الوضع الحالي، قال فيها

"بينما كانا يشقان الطريق إلى (معركة) آراس، حاملَيْن البندقية والحقيبة

خنخن هاري لجاك قائلاً إنه شخص كبير مرح

لكنه تسبّب في هلاكهما، بخطته الهجومية"

© The Independent

المزيد من آراء