حُضّت حكومة المملكة المتحدة على حظر استيراد القطن من مقاطعة شينجيانغ الصينية، وهي المنطقة التي يُشغَّل فيها مسلمو أقلية الإيغور في مصانع، تصل الظروف فيها إلى حدّ العمل القسري.
وقال واضعو وثيقة مؤلَّفة من 60 صفحة، قدّمها محامون ومجموعة حقوقية إلى دائرة "الواردات والجمارك الملكية"، الأربعاء الماضي، إنها "تتضمّن أدلة دامغة وذات صدقية، تتعلّق بحجم نظام العمل الإلزامي في مقاطعة شينجيانغ وخطورته".
وأدرجت في الورقة المقدمة أسماء بعض العلامات التجارية الأكثر شهرة في المملكة المتحدة، بما فيها شركات مثل H&M وIkea وMuji وUniqlo، التي يُعرف أنها استخدمت قطن شينجيانغ في منتجاتها خلال العام الماضي.
وتشير الوثيقة إلى أنّ البعض قام بذلك علانية، بحيث تفاخرت مؤسسة Uniqlo في إعلان أنّ القطن المستورد من المقاطعة، والمستخدم في قمصان علامتها التجارية، "مشهورٌ بجودته الفائقة".
في موازاة ذلك، ترى منظمة الأمم المتحدة أن مقاطعة شينجيانغ في الصين هي مقر لانتهاكاتٍ منهجية محتملة لحقوق الإنسان ضد الأقليات المسلمة، وقد أفيد منذ عام 2017، بأنّ السلطات الصينية احتجزت على نطاق واسع، أكثر من مليون شخص. بعض التقديرات يحدّد الرقم بثلاثة ملايين، من أقلية الإيغور المسلمة، في مرافق احتجاز قالت عنها بكين إنها مراكز تدريب مهني.
وتصرّ الحكومة الصينية على أن تلك المراكز هي طوعية، وتعتبرها خطوةً ضرورية لقمع تمرد إسلامي عنيف في شمال غربي البلاد. لكن جماعات حقوقية تشير إلى أن أولئك الذين "يتخرّجون" في تلك المراكز، يُصار تحويلهم إلى المصانع كجزءٍ من مخطط وضعته الحكومة المركزية، يفرض عليهم العيش في مهاجع بالموقع، تُراقب على مدى أربع وعشرين ساعة، ويُرفض الإذن لهم بالعودة إلى منازلهم.
ويُعدُّ القطن تجارةً كبيرةً بالنسبة إلى الصين. وحسب تقريرٍ صادر عن "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، فإنّ البلاد تنتج ما بين خُمس وربع إجمالي الإمدادات العالمية، وقرابة 84 في المئة من هذا الإنتاج يأتي من مقاطعة شينجيانغ.
ويحاول كاتبو الوثيقة التي أُرسلت إلى سلطات الجمارك في بريطانيا، لا سيما منهم "المؤتمر العالمي للإيغور" WUC و"شبكة الإجراءات القانونية العالمية" GLAN، إظهار أنّ واردات القطن الحالية من الصين "تنطوي على أعمال سخرة على نطاق واسع، تنتهك عدداً من قوانين الممكلة المتحدة، ومنها التشريعات المطبقة منذ القرن التاسع عشر التي تحظر استيراد سلع مصنوعة في السجون. بالتالي، يجب وقفها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير الرسالة أيضاً إلى أنه من خلال السماح باستيراد القطن من شينجيانغ، وهي منطقة تشهد ما يسمّيه واضعو الوثيقة "أكبر عملية اعتقال جماعي لمجموعة عرقية منذ الحرب العالمية الثانية"، فقد تكون حكومة المملكة المتحدة مذنبة "بالمساعدة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية".
وفي حديثٍ مع "اندبندنت"، أوضح ديربلا مينوغ، المسؤول القانوني في "شبكة الإجراءات القانونية العالمية"، أن الرسالة لا وزن قانونياً لها بمفردها، أكثر من "وضع الأساس القانوني لدائرة الواردات والجمارك الملكية كي توقف استيراد القطن الصيني".
وأضاف مينوغ، "لكن، بما أن مصلحة الضرائب هي هيئة عامة، فإنّ كل ما تقوم به يجب أن يخضع للمراجعة القضائية من قِبل المحكمة العليا. لذلك، في ضوء النهج الذي تتّبعه المملكة المتحدة حتى هذا التاريخ، إننا نأمل حقاً أن يتعاملوا إرادياً مع المشكلة، ما قد يضع الأسس لقضية محتملة في وقت لاحق إذا اقتضت الضرورة ذلك".
وتشير الرسالة إلى أن عدداً من العلامات التجارية بما فيها Ikea وH&M، اعترف في وقت سابق بأنّ بعضاً من القطن ربما يأتي من شينجيانغ، لكن تلك الشركات قالت إن اعتماد الجهة المصدّرة حصل بالتعاون مع مبادرةBetter Cotton Initiative ، وهي منظمة عالمية غير ربحية، تعمل على التحقق من الموردين لضمان وفائهم معايير الاستدامة وحقوق العمال.
وفي هذا الإطار، سحبت منظمة "مبادرة القطن الأفضل" أخيراً ختم موافقاتها على جميع صادرات قطن شينجيانغ، معلنةً في 11 مارس (آذار) الماضي أن "بيئة التشغيل تمنع تطبيق الضمانات ذات الصدقية والتراخيص" في المقاطعة.
وكانت شركة "موجي" العلامة التجارية اليابانية للملابس والأدوات المنزلية، أطلقت مجموعةً كاملة لها مصنعةً من "قطن شينجيانغ" في الربيع الماضي. أُعلن ذلك مصادفةً في اليوم التالي لنشر تحقيق رئيس في صحيفة "وول ستريت جورنال" يركّز على ظروف العمّال في أحد مصانع شينجيانغ الذي يزوّد عدداً من تجار التجزئة الدوليين بالقطن. وتواصل حتى اليوم شركة "موجي" عرض منتجات علامتها التجارية من "قطن شينجيانغ" على موقعها الإلكتروني.
رحيمة محمود، مديرة مشروع المملكة المتحدة لـ"المؤتمر العالمي للإيغور"، التي تقيم في بريطانيا، وصفت اضطهاد الأقلية المسلمة في شينجيانغ منذ عامَي 2016 و2017، بأنه كان "إبادة جماعية". وقالت لـ"اندبندنت": "فقدتُ الاتصال بجميع أفراد أسرتي منذ يناير (كانون الثاني) عام 2017، ويعيش جميع الإيغوريين الذين هم في المنفى مثلي، كأنّهم في جحيم، لأنهم لا يعرفون ما حدث".
ورأت أنه "يجب على العلامات التجارية أن تأخذ في الاعتبار متى تجني الأموال من هذه المنتجات، وما إذا كانت تأتي من تشغيل عمالة إيغورية (إجبارية). يتعين على الشركات أن ترفض استخدام مثل تلك المنتجات، هذا كل ما يمكنني أن أطلبه".
وتضيف رحيمة: "حاولنا بكل وسيلة ممكنة زيادة الوعي ورواية قصصنا وتقديم الأدلة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والحكومات. وباستثناء إثارة المخاوف، لم يُتّخذ أي إجراء. أعتقد أن (حظر شراء القطن من شينجيانغ) قد يكون السبيل الوحيد لدفع الحكومة الصينية إلى تغيير سلوكها، إذا بدأت تخسر المال".
وأوضح متحدث باسم شركة إيكيا لـ"اندبندنت"، أن المؤسسة "كانت تستخدم تاريخياً القطن المرخص به على نطاق عالمي من منظمة مبادرة القطن الأفضل، بما في ذلك القطن الآتي من شينجيانغ. لكن الشركة تدعم قرار المنظمة تعليق نشاطات الضمان الخاصة بها في تلك المقاطعة".
وأضاف، "بما أن حصاد موسم القطن لسنة 2020 - 2021 لن توافق عليه مبادرة القطن الأفضل، فقد اتّخذت إيكيا قراراً بالتوقف عن الحصول على القطن من شينجيانغ بالصين. نريد أن نُحدث تأثيراً إيجابياً في عالم القطن، ونعلم أنه مع حجمنا والكمية التي نستخدمها، فإنّ لدينا إمكانية إحداث فرق. وستواصل إيكيا العمل من أجل تحسين صناعة القطن بقدراتنا الذاتية، وإيجاد حركة نحو قطن أجود وظروف عمل أفضل للعاملين في الصناعة".
وذكرت كذلك شركة H&M أنه "حتى الآن، استورد مزودونا قطناً من المزارع المتصلة بمبادرة القطن الأفضل في منطقة (شينجيانغ)". وقال المتحدث باسم الشركة إنه "مع ذلك، قررت مبادرة القطن الأفضل الآن تعليقاً مؤقتاً لترخيصها الممنوح للقطن في شينجيانغ. وهذا يعني أنه بالنسبة إلى إنتاجنا، فإنّ المزودين الذين نعمل معهم لن يشتروا قطن شينجيانغ للموسم المقبل".
وأردف: "نظراً إلى تعقيد الموقف، فنحن على اتصال وثيق مع متخصصي حقوق الإنسان والعلامات التجارية الأخرى وأصحاب المصلحة، لتقييم كيف يمكننا زيادة تعزيز العناية الواجبة لدينا، ومعالجة الوضع بشكل مسؤول وحسب المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة".
وأفاد متحدث باسم يونيكلو بأن الشركة "منزعجة للغاية من التقارير والمقالات التي تثير مخاوف خطيرة من وضع الإيغور في الصين". ورأى أن على "شركاء يونيكلو في الإنتاج أن يلتزموا مدونة السلوك الصارمة لشركتنا، التي تغطّي حقوق الإنسان والعمال".
وأضاف، "من خلال الآليات التي وضعتها مؤسستنا لتحديد الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان والعمال، لم نكن على علم بأيّ من القضايا التي أُثيرت في التقارير أو المقالات السابقة. نحن مستمرون في التواصل مع شركائنا في الإنتاج في ما يتعلّق بالقوى العاملة في سلاسل التوريد الخاصة بهم، من أجل ضمان إصدار منتجاتنا ضمن بيئات أخلاقية".
أما شركة "موجي"، فلم تستجب إلى طلبٍ من صحيفتنا بالتعليق على الموضوع قبل النشر. وكان متحدث باسم مؤسسة Ryohin Keikaku التي تُعدُّ الشركة الأم لـ"موجي" أفاد لشبكة "إي بي سي نيوز" الأسترالية في أواخر العام الماضي، بأنّ شينجيانغ هي "إحدى أفضل مناطق إنتاج القطن في العالم".
وقال المتحدث نفسه، "نحن لا نكشف عن أيّ من أسماء المزودين. لكن على الرغم من ذلك، واستجابةً للاستفسارات الأخيرة، بدأنا نجري مراجعةً للوضع في منطقة شينجيانغ بالنسبة إلى المزارع التي تنتج القطن، وكذلك إلى المصانع التي تنتج الغزل، وهي المواد التي تُستخدم في حياكة منتجات القطن لدينا. وسنعلن نتائج المراجعة التي نجريها عند الضرورة". لكن ما زال من غير الواضح ما إذا كانت مراجعة الشركة انتهت.
© The Independent