Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصميم الرئيس اللبناني على اقتلاع الحريرية ينذر بصراع عنيف

إقالة حاكم البنك المركزي رياض سلامة ما زالت على الطاولة ومكونات حكومة دياب تتسابق على مواقع السلطة

هل يدرك دياب أن الحملة التي وجهها ضد سلامة ستسبب المزيد من ارتفاع سعر الصرف؟ (دالاتي ونهرا)

أطلق الصراع على المواقع المهمة في السلطة بلبنان، مرحلة جديدة من المواجهات السياسية نتيجة اتفاق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و"حزب الله" ورئيس الحكومة حسان دياب، على إزاحة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة الذي يمثل نفوذ "الحريرية السياسية" في السلطة النقدية منذ عام 1993، عن منصبه بحجة مسؤوليته عن تدهور سعر صرف الليرة الأسبوع الماضي، في ظل إفلاس الدولة وأزمة مالية حادة لم يشهد مثيلها البلد في تاريخه.

ومع أن منصب الحاكم يعود إلى الطائفة المارونية، فإنّ التوجه نحو إقالة سلامة من قبل عون و"حزب الله"، أخذ منحىً أبعد من استبداله بشخصية أخرى من الطائفة ذاتها. فتسلسُل الأحداث كرّس ما كان يُحكى في الأروقة السياسية عن أن سقوط التسوية بين زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري والعماد ميشال عون، (على انتخاب الثاني رئيساً في 31 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2016 )، باستقالة الأول في 29 أكتوبر 2019، أخلى الساحة لعون ومعه "حزب الله"، ليضعا يدهما على ما تبقّى من مواقع إدارية عليا في الدولة اللبنانية محسوبة على الحريري.

فالأخير خرج من الحكم متّهماً صهر عون، رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، الذي يطمح للرئاسة بعد انتهاء ولاية عمه، بأنه تسبّب بالتدهور الاقتصادي الذي أطلق الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر 2019. ونُقل عن محيط عون مجاهرته أكثر من مرة، بعد تأليف حكومة دياب، بأن "ارتحنا منه وسنريهم (الحريري ووليد جنبلاط) ونجرّهم إلى المحاكم"، وفي بعض الحالات، لم يسلم رئيس البرلمان نبيه بري من أحاديث كهذه. وبلغ الأمر كلاماً من فريق عون في الأشهر الماضية، عن "سجن رياض سلامة".

أسباب "حزب الله" والتسابق على السلطة

أما "حزب الله"، فأسبابه تتعلّق باستيائه من سلامة لأنه أصدر تعاميم بتطبيق قوانين العقوبات المالية الأميركية على الحزب وقيادته، وكشف معلومات عن أموال للحزب في بعض المصارف، على الرغم من معطيات أخرى تفيد بأنه كان متساهلاً حيال بعض الحسابات التي لا تُستخدم لأغراض عسكرية وسياسية.

وذكر مصدر نيابي أن ما استجدّ في موقف الحزب، أن تعاميم سلامة الأخيرة للمصارف حول تسهيل سحب المودعين مدّخراتهم بالدولار بعد تحويلها إلى الليرة اللبنانية، بسعر الصرف في سوق الصيرفة (بلغ 3600 ليرة للدولار) بدلاً من السعر الرسمي (1515)، قلّصت قدرة الحزب على شراء الدولار وتخزينه، لأن العملية قضت بأن يستردّ مصرف لبنان العملة الصعبة من الصرافين، ما يحرم الحزب منها.  

هذه الخلفيات أعطت اقتراح عون إقالة سلامة في جلسة مجلس الوزراء الجمعة الماضي (ولايته حتى 2023) والهجوم غير المسبوق من رئيس الحكومة على الحاكم، بعداً يتجاوز أخطاء مصرف لبنان في السياستين المالية والنقدية، وانتقادات عددٍ كبيرٍ من القوى لسياسته النقدية والمالية، ليطال دور الزعامة الأقوى في الطائفة السنية، ويستضعفها خصوصاً أن الجمهور السني لم يهضم أساساً تسوية الحريري مع عون وما يعتبره سعي الفريق العوني للاستئثار بالسلطة.

في المقابل، أيّد وزيرا "حزب الله" والوزراء المعيّنين من "التيار الحر"، اقتراح عون، بينما تحفّظ عليه وزيرا "حركة أمل" ووزيرا "المردة". وبرّر وزير المال غازي وزني هذا التحفظ، بأنه لا يمكن تغيير الحاكم لأن لا بديل متّفق عليه بعد، وهذا يحتاج إلى مداولات، ولا يمكن أخذ قرار متسرع في هذا الشأن في ظل الوضع الاقتصادي والمالي الحالي، خصوصاً أن الحكومة لم تعيّن بعد نواب الحاكم الأربعة الشاغرة مناصبهم (حصل خلاف حول الأسماء قبل 3 أسابيع) ليحلّوا مكانه.

تأجل الاقتراح الذي اعتبره الرئيس بري عشوائياً، لكنه بقي على الطاولة، إلى مرحلة لاحقة، خصوصاً أن البطريرك الماروني أبلغ أحد الوزراء رسالة بأنه لا يجوز إزاحة شخصية مارونية من موقع بهذا الحجم بهذه الطريقة.

فتعيين البديل بعد اقتلاع موقع نفوذ للحريري سيكون موضوع منافسة بين الثنائي الشيعي وعون ورئيس "المردة" سليمان فرنجية، في إطار السباق بين مكوّنات الحكومة على الإمساك بالسلطة والتحكّم في منصب مفصلي، تتخوّف أوساط مسيحية من أن ينتقل إلى شخصية مارونية تقع تحت نفوذ "حزب الله". وتعتبر المرجعيات المارونية أن في المناصب العليا في الدولة لم يبقَ سوى قيادة الجيش ورئاسة مجلس القضاء الأعلى وحاكمية المصرف المركزي للطائفة، ولا يجوز التفريط بها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

رد الحريري العنيف: لغة عسكرية

لكن استظلال عون والحزب بحملة دياب العلنية على سلامة، سلّط الضوء على هدف إضعاف الحريرية السياسية. وهذا ما يفسّر رد الفعل العنيف للحريري، الذي كان آثر الصمت حيال الحكومة، فخرج عنه ليل الجمعة ببيان عنيف رفع فيه اللهجة للمرة الأولى ضد العهد الرئاسي في معرض إدانته "الانتقام من مرحلة كاملة يفتحونها على مصراعيها، ويكلفون رئاسة الحكومة تولّي الهجوم فيه".

ورد الحريري على اتهام دياب سلامة بممارسة الغموض المريب وتحميله إيّاه مسؤولية تدهور سعر الليرة، قائلاً "أغرقوا رئاسة الحكومة في شبر من العبارات المحمّلة بالتهديد والوعيد، وأخطر ما في ذلك أن رئاسة الحكومة ستتحمّل مسؤولية إغراق الليرة التي تترنّح بفضائل العهد القوي على حافة الانهيار الكبير"، واستهزأ الحريري بالرئاستين حين قال "برافو حسان دياب. أبليت بلاء حسناً، وها أنت تحقق أحلامهم في تصفية النظام الاقتصادي الحر. يصفقّون لك في القصر ويجدون فيك شحمة على فطيرة العهد القوي".

وإذ تناول أمثلة عن مسؤولية فريق عون عن التردّي الاقتصادي في السنوات الأخيرة، سائلاً إذا كانت من مسؤولية سلامة، اتّهم دياب بإعلان "الانقلاب بلغة عسكرية".

وأضاف "عتبة العهد، التي شاركنا للأسف في تبليطها، ضربت الرقم القياسي في الانهيار النقدي والمالي منذ الاستقلال وهناك عقل انقلابي يرمي مسؤولية الانهيار في اتجاه حاكمية مصرف لبنان وجهات سياسية محددة، ويحرّض الرأي العام على تبنّي هذا التوجه، ويزوّده بمواد التجييش والتعبئة التي ليس من وظيفة لها سوى إثارة الفوضى وتوسيع رقعة الفلتان النقدي الذي تتبرّأ منه الحكومة لتقذفه في أحضان الآخرين". وفيما نبّه الحكومة من "الكيدية السياسية"، أكد "أننا لهم في المرصاد".

ردود سنية ومن الحزب الاشتراكي

لكنّ حملة دياب وقوله بلهجة تهديدية "فليسمعوني جيداً"، وتلويحه بإدخال من اعتبرهم المرتكبين السجون، فتحت ضده باب مواقف من قيادات سنية أثناء زيارتها دار الفتوى، فقال رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة "ليس هكذا تعالج الأمور"، مُعتبِراً أن "الدولار لا ينزل بالعصا، إنما بإستعادة الثقة".

في المقابل، رأى رئيس الوزراء السابق تمام سلام "أننا نحتاج إلى عناية ودراية من المسؤولين ولا يمكنهم وضع أنفسهم في جوّ المزايدات السياسية التي لا تؤدي إلى أي نتيجة والانهيارات بدأت لأنه تم الخروج عن الدستور".

واعتبر الوزير السابق نهاد المشنوق أن "لا ضرورة لحرب الردود لكن دياب منذ اللحظة التي كُلّف فيها يتصرّف على طريقة قيادة السيارة والنّظر إلى الوراء وشيء طبيعي إنو يفوت بالحيط". وتحدث عن "مؤامرة على السنّية السياسية وأهل السنة"، مُتمنياً "أن لا يكون دياب جزءًا منها".

أما "الحزب التقدمي الاشتراكي"، فاعتبر أن الحكومة تثبت ورئيسها بإيعاز وتوجيه مباشرين مِمَّن يمسكون بناصية قرارها، أنها تابعة وهي واجهة لتبرير الفشل وتحميل المسؤوليات للغير والاقتصاص من كل صوت وقف في وجه محاولات الاستيلاء على الدولة". واتّهمها بأنها "ملحَقَة بالغرفة السوداء".

إذا كنت ستشنقه لماذا تحاكمه؟

يمهّد كل ذلك إلى اتجاه لبنان نحو تصعيد سياسي سيكلّف الوضع الاقتصادي المزيد من الأثمان. وتشبّه أوساط "المستقبل" و"الاشتراكي" المرحلة بما شهده لبنان عام 1998 حين خاض حكم الرئيس السابق إميل لحود صراعاً مع الرئيس الراحل رفيق الحريري على مدى سنتين، وأُدخل إلى السجن عدد من مناصري الحريري الأب باسم ارتكابات وفساد بهدف إضعافه في حينها، فارتدّ الأمر مزيداً من الشعبية للحريري في الانتخابات ثم تبرئة من أُدخلوا إلى السجن.

وفي موازاة ذلك، سجل مراقبون جملة ملاحظات على اتهامات رئيس الحكومة حسان دياب لحاكم المصرف رياض سلامة بالتحريض على تدهور سعر الليرة ومنها:

إذا كانت لدى دياب ريبة من سلامة ويتحدث عن غموضه، فكيف للغموض أن يتيح توجيه اتهام له قبل جلاء الوقائع والأرقام؟ وطالما أن الحكومة قرّرت تكليف شركتين عالميتين التدقيق في أرقام ومالية المصرف المركزي، وهذا التدقيق يتطلب 6 أشهر على الأقل لينتهي، بالتالي كي تتّضح الأرقام، لماذا يستبق دياب ظهور النتائج ويوجّه اتهامه إلى سلامة منذ الآن؟

هل يدرك دياب أن الحملة التي وجّهها ضد سلامة ستسبّب المزيد من ارتفاع سعر الصرف حين تفتح السوق مطلع الأسبوع، فيحصل تراجع إضافي في قيمة الليرة اللبنانية؟ هذا يذكّر بالرواية التي تنقل عن أحد الحكام قوله "سأحاكم فلان وأشنقه"، فسئل إذا كنتَ ستشنقه لماذا تريد محاكمته؟ وكان الأحرى برئيس الحكومة أن ينتظر نتائج التدقيق والتحقيق وبذلك يكون حمى البلد ومؤسسة المصرف المركزي والعملة الوطنية.  

المراهنة على دعم أميركي؟

في سياق متصل، تسأل المصادر التي ترصد الحملة على حاكم المصرف المركزي عن توقيت دياب لها وخلفيات استخدامه لغة تحذيرية وعسكرية تجعله أشبه بضابط كما جاء في بيان الحريري ردّاً عليه، في وقت لا تُعالج القضايا المصرفية والنقدية بهذا الأسلوب، لأن هناك قانوناً يُفترض اللجوء إليه لمحاسبة أي كان.

كما أن دياب وفريق الرئيس عون يعوّلان على أن يؤدي إنجاز الخطة الاقتصادية الإنقاذية التي وعد بإقرارها الأسبوع المقبل، إلى رضا أميركي عليها، وإلى موقف إيجابي من صندوق النقد الدولي، في ظل انكفاء "حزب الله" عن اتّخاذ موقف من التدابير الموجعة التي تنص عليها الخطة، يتيح تدفق مساعدات مالية من الخارج مطلوبة بإلحاح لإطلاق عجلة الاقتصاد مجدداً، وأن هذا سيكون إنجازاً للعهد ولدياب يعزّز موقعهما في الهجوم على الحريرية السياسية وعلى رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط وعلى القوى السياسية التي هي على خلاف مع الفريق الرئاسي الحاكم.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي