Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 لغة الهجرة أعلت شأن المغتربين وهمشت المهاجرين

سواء كان قراراً واعياً أو لا شعورياً، لا يمكن إنكار أن هذه المصطلحات تمثل معايير مزدوجة من وجهة نظر المجتمع بشأن مَن يحق له التنقل بحرية حول العالم

لاجئون يستمعون إلى نصائح من عناصر الصليب الأحمر المحلي حول سبل الحماية من كورونا في مدينة ليون الفرنسية (أ.ف.ب)  

كنتُ خلال نشأتي في هونغ كونغ، محاطةً باستمرار بأشخاص من جميع أنحاء العالم. من المملكة المتحدة إلى جنوب أفريقيا وكندا، اختلطتُ بعدد من الثقافات المختلفة في حياتي اليومية، ولا سيما في المدرسة. لكن لم يتسنَّ لي أن أنتبه حقاً إلى أهمية لغة الهجرة حتى بلوغي مرحلة الدراسة المتوسطة، عندما أخذ بعض معارفي يستخدم بشكل عادي مصطلَحَيْن مختلَفَيْن لتحديد المناطق الغنية أو الفقيرة من المدينة.

واستناداً إلى ما لاحظتُه، كان من الواضح أنه كلّما وُصف  شخص ما بأنه "إكسبات" (مغترب أو وافد)، فإنه كان يميل عموماً إلى أن يكون من أبناء الطبقة المتوسطة أو العليا من الناطقين الأصليين باللغة الإنجليزية، ممّن يعملون في القطاع المصرفي أو في مجالات التكنولوجيا أو التعليم أو الأدوار الإبداعية. أما عندما تعلّق الأمر بكلمة "مهاجر"، كان ثمة ميل إلى تطبيق المصطلح عموماً على أفراد الطبقة العاملة من ذوي الياقات الزرق، وعلى أولئك الذي استماتوا للفرار من بلادهم من أجل الحصول على "حياة أفضل".

لاحظتُ  قبل نحو شهر، وأنا اتحادث عبر تطبيق "فيس تايم" مع صديق عاد لتوه من لندن إلى سنغافورة، أن حجم تلك الفروق بات ملحوظاً أكثر مما مضى. ففي منتصف محادثتنا، ذكر مجلة مطبوعة تُسمى "إكسبات ليفينغ"، وكيف كان من الغريب أنها لا تزال تُعتبر الأكثر مبيعاً في البلاد من بين المنشورات الأخرى كلها، على الرغم من أن صناعة وسائل الإعلام المطبوعة تحتضر. قادني ذلك إلى التفكير في القوة التسويقية لكلمة "مغترب"، فمن الواضح أنها ترمز إلى القيمة المالية في المجتمع. وقد أعلت شأن هؤلاء وأفردت لهم مكانة مميزة تثير الإعجاب.

يحظى الوافدون عادة بالثناء على جرأتهم في الانتقال إلى بلد جديد، في حين يعاني المهاجرون من ضغوط كي يصبحوا مقبولين لدى المواطنين ويندمجوا في المجتمع المضيف من أجل البقاء. وسواء كان ذلك قراراً واعياً أو لا شعورياً، لا يمكن إنكار أن هذه المصطلحات تمثل المعايير المزدوجة من وجهة نظر المجتمع بشأن الهجرة. ولا يختلف الأمر كثيراً هنا في لندن، حيث ما زلتُ أواجه أشكال النفاق ذاتها، حتى بعد سبع سنوات من العيش في هذه المدينة، ولا سيما في اللغة التي تستخدمها وسائل الإعلام في المقالات المتعلقة بالهجرة. فقبل هذه الجائحة، على سبيل المثال، كان مجرد إجراء بحث بسيط على الإنترنت عن مصطلح "مهاجر"، عادةً ما يؤدي إلى ظهور عناوين أكثر قدرة على بث الفرقة وأشد إثارة.

ففي وسائل الإعلام الشعبية، كثيراً ما تعرض كلمة "مهاجر" على نحو جذاب حكايات فردية عن النضال والعمل الشاق والتغلب على المصاعب. أما على "إنستغرام"، فالبحث عن الحسابات والمشاركات التي وُضع عليها هاشتاغ "مهاجر"، يكشف عن مواد مصورة بأسلوب توثيقي تتناول التضحية والظلم. ومن الواضح أن هناك إحساساً قوياً في وسائل الإعلام بما تنطوي عليه تجربة الهجرة من نشاط وجهد، خلافاً لصورة الرفاهية والامتياز التي تبدو نابعة من كون المرء وافداً.

لماذا؟ عندما يتعلق الأمر بالطريقة التي يعامل بها الأشخاص المجموعتين، فإننا نقدم الوصف من خلال سرد وكلمات يولدان معاً انحيازاً غير واع. هناك شعور عام بأن ثمة علاقة وثيقة بين المهاجرين وبين صفات سلبية مطروحة حول مسقط رأسهم، في حين يكون المديح من نصيب الوافدين أو المغتربين لأنهم يعيشون في بلد خارج وطنهم الأم. إنّ المعاني التي نسبناها إلى هذه الكلمات لها علاقة كبيرة بالمفاهيم المتعلقة ببعض الأعراق والأنظمة الطبقية.

لاحظوا على سبيل المثال أصل كلمة "مغترب" expat (هي الصيغة القصيرة لكلمة Expatriate). وهذا التعبير مشتق من مفردتين لاتينيتين: ex (ويعني خارج) وpatria (أي الوطن أو البلاد الأم). والمغترب، حكماً، هو مجرد شخص ينتقل إلى العيش في بلد لم يُولد فيه. ومن المثير للاهتمام، أن الاستخدام الأكثر شيوعاً للمصطلح في القرن العشرين كان لوصف المستخدمين الرسميين البريطانيين الذين غالباً ما كانوا يُرسلون للعمل في الخارج ضد إرادتهم. وقالت صوفي كرانستون، المحاضرة في مادة الجغرافيا البشرية في جامعة لافبوروه، التي تحدثت لمجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية عن المعنى المتغير لمصطلحات مثل "مغترب"، الذي لم يعنِ ما يعنيه حالياً حتى أوائل التسعينيات، كمصطلح لوصف الغربيين (الميسورين عادة) الذين يعيشون في الخارج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونظراً إلى طرح موضوع الهجرة حالياً بشكل أكبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي، من المهم أيضاً ملاحظة أن هذه المصطلحات قد أُعيد إحياؤها من جديد وحُرّرت من معانيها السلبية. ويبدو أن مصطلح migrant، الذي يُستخدم أحياناً بدلاً من immigrant وغالباً ما يحملان الدلالات ذاتها (على الرغم من اختلاف التعريفات من مكان إلى آخر)، قد جُرد هو الآخر من المعاني الدخيلة.

ففي عامي 2015 و2016، أصبحت الهجرة أهم موضوع سياسي في المملكة المتحدة بسبب أزمة المهاجرين الأوروبيين وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وركّزت حملة التأييد للخروج بشكل كبير على تشويه صورة المهاجرين في وسائل الإعلام، باستخدام الدعاية المعادية للهجرة إلى بريطانيا، وإثارة المشاعر المناهضة لهؤلاء بهدف بث الخوف تجاههم، ما أدى لاحقاً إلى الفوز المؤسف لأنصار الخروج.

وألهمت تلك السلبية أشخاصاً برزوا، منذ ذلك الحين، من خلفيات مهاجرة إلى العمل على تشكيل حركات تحاول استعادة معنى الهجرة وتخليصه من دلالاته الظالمة وإعادة تعريفه. وتُعتبر مجموعات مثل Migrants in Culture وMigration Collective أمثلة متفائلة عن كيفية استخدام المهاجرين لقوة الفن والإحصاءات والثقافة، من أجل التعبير عن حقائق مختلفة ودرس قضايا تتعلق بالهجرة في المملكة المتحدة.

وعملت أيضاً مجلة Migrant Journal على احتضان كلمة "مهاجر"، وهي مطبوعة شهرية ومجلة إلكترونية ومنصة لوسائل التواصل الاجتماعي تركز كلها على تجارب الأشخاص والسلع والمعلومات حول العالم والتأثير الإيجابي الذي تحدثه في مجالات شتى. وجاءت تصاميم أعدادها تصويرية معبرة، مع قصص غنية بالأفكار لكن بتفاصيل قليلة، لتضفي ذكاءً ونضجاً على التصنيفات التي تُعطى لـ"المهاجر". وقد أظهر هذا كله أن بوسع أمور أخرى مثل الأشياء والمساحات والفنون الجميلة أن تعبّر ببلاغة لافتة، بمعزل عن قصص الأشخاص، عن تجربة المهاجرين في وسائل الإعلام.

وعلى نقيض ذلك، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي زيادة في منشورات الغاية منها التهكّم على واقع "المغترب" وصوره النمطية. على سبيل المثال، أُنشىء حساب "إنستغرام" الشهير hkmehmeh على يد امرأة كورية تُعرّف بنفسها بأنها مغتربة تعيش في هونغ كونغ. ويستخدم حسابها ثقافة الإنترنت الرائجة مع مزيج من اللغة العامية الكانتونية والمرتبطة بأقوال شائعة تتصل بهونغ كونغ، وذلك لرسم صور ساخرة تضفي مسحةً من الفكاهة على الحياة في المدينة من منظور المغترب. ويؤدي الدمج الساخر للحساب بين الصور النمطية للمغتربين والثقافة المحلية، إلى جعله مسلياً بالنسبة إلى جميع المقيمين في المدينة، ولا سيما أن ما تنشره خال من التمييز. وبصفتها مغتربة كورية، فإن وجودها يزيد عن غير قصد، على دلالات صورة "المغترب"، ويقلل من الافتراض بأن المغتربين يمكن أن يكونوا فقط من البيض.

وفيما أظهرت هذه التصنيفات في الماضي معايير مزدوجة للغة الهجرة، إلّا أنّها بدأت بالتخلص من التعريفات الصارمة. ومن خلال صياغة رؤية ثقافية لمصطلحات كهذه، نخلق فرصاً لانطلاق حوار أكثر انفتاحاً حول التشكيك في الحاجة إلى التصنيفات وتأثيرها في تحيّزنا اللاواعي وإعادة استعمال هذه المصطلحات بطريقة إيجابية.

وباستطاعة المنصات التي تجعل الآفاق الإيجابية لتحرير التصنيفات من دلالاتها السلبية ممكنة، أن توحد الأشخاص بدلاً من أن تفرقهم. ونأمل في أن يسمح هذا النوع من الممارسات للأشخاص بإدراك أنه بغض النظر عن هوية الفرد، فإنّ التشابهات التي تجمع أي شخص يهاجر إلى بلد آخر بالآخرين هي أكثر من الفروق التي تميزه عنهم، وأن التصنيفات يجب أن لا تحدّ مما يريد أي شخص تحقيقه أو أن تعرفه من خلال ما يبغي إنجازه.

( نيكول تشوي فنانة ومصممة تطريز مقرها لندن. يمكنكم معرفة المزيد عن عملها والتواصل معها على حسابيها عبر "تويتر" و"إنستغرام" على العنوان التالي @thatsewnicole )

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء