Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صدام خيارات في لبنان المتعب

لبنان يتعرّض لاشتداد الضغوط عليه من محورَين متقابلين: محور عربي-غربي، ومحور إيراني، ولكل منهما أطراف لبنانية مرتبطة بنيوياً بأحدهما

لم يكن مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترڤيلد قليل الصراحة مع المسؤولين اللبنانيين إذ قال علناً "نحن مع خيارات وطنية تُخرج البلاد من الصراعات والإيديولوجيات الخارجية" (غيتي)

في لبنان زحام زوار رسميين، وزحام أزمات وفرص، الزوار إيرانيون، سعوديون، مصريون، أميركيون، بريطانيون، فرنسيون وألمان، والأزمات محلية مفتوحة على صراعات إقليمية ودولية، والفرص لتسوية بعض الأزمات مهددة بإغلاق نوافذها، إن لم تسارع بيروت إلى فعل المطلوب منها في الخيارات السياسية والإصلاحات المالية والاقتصادية، وما يجب أن تطلبه لنفسها وتفعله.

وليس زحام الزوار دليلاً على أهمية لبنان، كما نفاخر عادة، بمقدار ما هو دليل على دقة وضعه والحاجة إلى خدمات يقدمها لأطراف الحروب في الشرق الأوسط وعليه، ولا زحام الأزمات والفرص سوى إشارة إلى ضخامة التحديات أمامنا ومحدودية قدرتنا على مواجهتها بالتوافق أو بأقل قدر من الخلافات.

اشتداد الضغوط

ذلك أن اللعبة الجيوسياسية في المنطقة وصلت إلى مرحلة بالغة الحساسية. ولبنان يتعرّض لاشتداد الضغوط عليه من محورَين متقابلين: محور عربي-غربي، ومحور إيراني، ولكل منهما أطراف لبنانية مرتبطة بنيوياً بأحدهما، ومتحمسة ومراهنة على الآخر. ما تتركز عليه الضغوط حالياً هو موقع لبنان في الصراع الجيوسياسي، والسياسة المالية والاقتصادية التي عنوانها الحالي التزامات مؤتمر "سيدر". وما تدار به الضغوط هو "ديبلوماسية التباري" في تقديم العروض لدعم لبنان ومساعدته، وإن كانت خلفها حقائق القوة. المحور العربي-الغربي الذي تقوده أميركا يحذّر لبنان من أية نقلة في موقعه التقليدي، فهو في بداية معركة عنوانها "كبح النفوذ" الإيراني وإضعاف وكلاء طهران في لبنان والعراق واليمن وإخراج القوات الإيرانية من سوريا.

خيارات وطنية

ولم يكن مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترڤيلد قليل الصراحة مع المسؤولين وقادة الأحزاب الذين التقاهم، إذ قال علناً "نحن مع خيارات وطنية تُخرج البلاد من الصراعات والإيديولوجيات الخارجية، لأن الاستقرار يتوقف على خيارات لبنان الوطنية لا على الخيارات التي تُملى عليه". وهذا عملياً يتجاوز "النأي بالنفس" كسياسة رسمية وفق البيان الوزاري، في حين أن الأطراف الشرقية في الحكومة متورّطة في الصراعات الإقليمية أو لها مواقف منها وفيها.

و"محور الممانعة" الذي تقوده إيران ويمثّل حزب الله واحداً من أقوى أذرعه، يتصرّف على أساس أنه في نهاية معركة ربحها في سوريا والعراق ولبنان، وأَلحق "هزيمة" بأميركا. وما يطلبه من لبنان هو أخذ موقعه في "محور الممانعة" والخروج من سياسة "النأي بالنفس" وتفعيل التنسيق مع سوريا وقبول التسلّح من طهران.

لبنان مُحرج

ولبنان في الحالين مُحرج. فالأولوية عنده للبقاء خارج الصراعات. ومن المفارقات أن يطمح العراق إلى الخروج من الاصطفاف وممارسة "النأي بالنفس عن الصراعات والنزاعات العبثية التي عمّت المنطقة" كما قال الرئيس برهم صالح، وأن يأخذ لبنان مكان العراق في التحالف مع طهران. ومتى؟ حين يقع لبنان تحت مجهر المراقبة الدولية خشية "تجنيده" كمركز للالتفاف على العقوبات الأميركية ضد إيران. ومتى أيضاً؟ عندما يكون المخرج الوحيد الواقعي حالياً من الكارثة الاقتصادية والمالية هو الاستثمارات التي كانت جزءاً من الالتزامات الدولية في مؤتمر "سيدر" والمشروطة بالتزامات إصلاحية لبنانية.

ففي السلطة فريقٌ ضدّ الإصلاحات والاستثمارات، بعضه من رؤية ضد السياسة "النيوليبرالية" والخصخصة في الاقتصاد. وبعضه الآخر من العداء للغرب والخصومة مع دول عربية مهمّة. وفيها أيضاً من يخاف من الذهاب بعيداً في الإصلاحات أو يطالب الدول المانحة بتحويل "القروض الميسّرة إلى هبات". وهذا ما نصح بعكسه وزير الخارجية الفرنسي لودريان بعد السفير بيار دوكان، إذ قال "احذروا تضييع الفرصة المفتوحة للحصول على قروض ميسرة".

خريطة الصراعات

ولا شيء يؤذي لبنان المتعب الغارق في الأزمات والمحتار في مواجهة التحديات أكثر من دفعه إلى تغيير موقعه على خريطة الصراعات والانضمام إلى هذا المحور أو ذاك. فهو على حافة انهيار مالي واقتصادي إن لم يسارع إلى تنفيذ التزامات "سيدر" وبدء مشاريع تصل استثماراتها إلى 17 مليار دولار.

وهو متعبٌ من أعباء مليون ونصف مليون نازح سوريّ منذ العام 2011. ولا شيء يوحي، حتى إشعارٍ آخر، بأن أصرار رئيس الجمهورية ميشال عون على فعل كل ما يمكن لإعادة النازحين من دون ربطها بالتسوية السياسية، سيجد آذاناً صاغية في المجتمع الدولي. حتى المبادرة الروسية التي نعوّل عليها، اصطدمت برفض المجتمع الدولي إعادة الإعمار، من دون تسوية سياسية، كما اصطدمت بسياسات وممارسات متشدّدة في دمشق.

والصورة، تكراراً واضحة، وإن كان الوضع ضبابياً: الخلافات بين اللبنانيين مرتبطة في جوانب منها بالصراعات الإقليمية والدولية، ولا أحد يعرف كيف وبماذا تنتهي هذه الصراعات. وقديماً قال سينيكا: "لا رياح ملائمة لمن لا اتجاه لهم"

المزيد من آراء