لنترك مكاننا المعتاد، العمل والبيت، ولنملأ الشوارع ... نداء جريء وفريد من نوعه وجهته جمعية "أطاك المغرب" (جمعية تثقيف شعبي متجه نحو الفعل النضالي) إلى النساء كافة في يومهنّ العالمي.
إن توقّفنَ توقفَ العالم
جمعية "أطاك المغرب" استهلت نداءها بالقول "لنتحد نحن نساء المغرب المحرومات من حقوقنا الكاملة، كل النساء المضطلعات بالعمل المنزلي، عاملات المصانع والخدمات، فلاحات القرى، التلميذات، الطالبات، المعطلات، موظفات القطاع العام، لنتكاتف أينما وجدنا في القرى والمدن، ولنبرهنْ للعالم وفي شكل جماعي أننا نحن النساء إن توقفنَ سيقف العالم".
واعتبرت الجمعية أن هذا اليوم يعتبر يوماً مشهوداً في تاريخ نضال نساء العالم من أجل الظفر بحقوقهنّ وفرض المساواة، إذ تواصل النساء كفاحهنّ في كل الكوكب وبأشكال متعددة لوضع حد للامساواة الاقتصادية والاجتماعية، وتقاومنّ يومياً ظلم الثقافة الذكورية، التي تصادر كرامة النساء وتحرمهنّ من العيش بمساواة مع الرجال في جميع مناحي الحياة.
لا للعمل المنزلي
في هذا اليوم، الثامن من مارس (آذار)، دعت الجمعية كل منظمات النضال في المغرب إلى الانخراط القوي في الدعوة إلى إضراب بكل الأشكال الممكنة، وإدراج الاعتراف به كيوم عطلة يعوّض عنها في قائمة مطالب النقابات، إكراماً لتضحيات النساء العاملات اللواتي ضحينَ بحياتهنّ من أجل الاعتراف بحقوق النساء. لبنى أرخاوي، عضو السكرتارية الوطنية لجمعية "أطاك"، أوضحت أن "الدعوة إلى الإضراب جاءت للتعريف بحجم المعاناة التي تعيشها المرأة المغربية من أجل التوفيق بين أعمال البيت ومقرات العمل"، مؤكدة أن "الإصلاحات التي قامت بها الحكومة لا تستجيب انتظارات الجمعية".
وعلى الرغم من بعض المكاسب التي حققها نضال النساء، اعتبرت جمعية "أطاك المغرب" أنه لم تتغير شروط استغلالهنّ جذرياً، ولم تتوقف معاناتهنّ من ظلم اقتصادي واجتماعي في ظل اقتصاد رأسمالي يسعى إلى بلوغ أقصى الأرباح، وأضافت الجمعية، أن رفض الاعتراف بعمل النساء المنزلي على أنه عمل مأجور من سمات هذا الاستغلال، إذ ما زالت كل مهام العمل المنزلي المجاني تستهلك القسط الكبير من حياة النساء وترهقهنّ.
الظلم الاجتماعي
تقول فاطمة الزهراء البلغيتي الكاتبة العامة لجمعية "أطاك المغرب" إن سبب ظلم النساء الاجتماعي والاقتصادي يرجع إلى طبيعة المجتمع القائم على التمييز، الذي يعتبر النساء كائناً دونيّاً. وتضيف فاطمة الزهراء البلغيتي، أنه على الرغم من شعارات الدولة لتحقيق المساواة ورفع الحيف والتمييز ضد النساء، تبقى الإشكالات الفعلية والحقيقية في الثقافة الذكورية التي ما زالت تظلم النساء في جميع نواحي الحياة، والتي تعتبر أن النساء مكانهنّ البيت والاعتناء بالأطفال والقيام بمهام الزوجية. وخلصت الكاتبة العامة لجمعية "أطاك" إلى أن هذا الواقع تدفع ثمنه النساء، مضيفة أن الثامن من مارس ليس يوماً للاحتفال، وتوزيع الورود بل هو يوم تخرج فيه كل نساء العالم لترفع الصوت لأجل إقرار المساواة والاحتجاج والنضال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الفوارق في الأجور
على الرغم من أن ولوج المرأة المغربية إلى سوق العمل بات متزايداً في المغرب، إلا أن الجمعيات الحقوقية والنسائية ما زالت تشتكي من الفوارق في الأجور، وتقلد مناصب المسؤولية، كما أن النساء إضافة إلى عملهنّ خارج البيت يواصلنَ تحمل مسؤوليات الرعاية الأسرية في المنزل، أي يعملنَ في ما يسمى "المناوبة الثانية". ووفق مذكرة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فإن متوسط الراتب الشهري المصرّح به بالنسبة للرجال (5422 درهماً) أي حوالي 500 يورو، هو أعلى من الراتب المصرح به بالنسبة إلى العنصر النسوي (4692 درهماً) في العام 2018 .
أجور النساء
من جهة ثانية، أظهرت دراسة مغربية قبل سنتين أن النساء يحصلنَ على أجور تقلّ بحوالي 17 في المئة عن الرجال في المملكة. الدراسة أعدتها مديرية الدراسات والتوقعات المالية بوزارة المالية، ومركز الدراسات والأبحاث التابع للمكتب الشريف للفوسفات (حكومي)، حول "المساواة بين الجنسين، والسياسات العمومية، والنمو الاقتصادي في المغرب"، ولفتت الدراسة إلى أن "الجمع بين العملين المنزليّ والمهنيّ يشكل عبئاً أكبر بالنسبة إلى المرأة العاملة مقارنة بربة منزل ويقدّر بتسع ساعات وثلاث دقائق، مقابل ست ساعات ودقيقتين، وذلك خلافاً للرجل الذي لا يخضع وقت عمله المنزليّ لتغييرات كبيرة بغضّ النظر عن نوعية عمله (42 دقيقة للرجل العامل و48 دقيقة للرجل العاطل من العمل)".
في هذا السياق، وصفت جمعية "أطاك" المغرب أجور النساء "في المتوسط أقل من تلك التي يحصل عليها الرجال في غالبية القطاعات. وسيكون من عواقب إدخال الهشاشة إلى الوظيفة العمومية تفاقم وضعية استغلال النساء وزيادة حدة اللامساواة تجاههنّ، لا سيما أنها شكلت لعقود، قطاعات ذات أولية في تشغيل النساء". وأبرزت السكريتارية الوطنية للجمعية أن "هذا التمييز الذي يستهدف النساء في كل جوانب حياتهنّ هو الذي يفسر إلى حد بعيد وضعيتهنّ المتدنية مقارنة بالذكور في مجال الشغل والأجور".
ارتفاع إدارة المغربيات للأسر يُنعش المطالب بإقرار حقوقهنّ
تشهد البنية الديمغرافية للأسر المغربية تحولاً لافتاً في السنوات الأخيرة، يتجلى أساساً في ارتفاع إدارة النساء لها، وانخفاض حجمها في المقابل، وهو ما يجعل الحركات النسائية تطالب بإقرار حقوقها الدستورية وضمان مساواتها مع الرجل على مختلف المستويات. وتفيد أرقام أصدرها المرصد الوطني للتنمية البشرية، وهو مؤسسة حكومية تعنى بالرصد الشامل للسياسات العامة في المغرب، بأن 18.1 في المئة من الأسر المغربية تديرها نساء برسم العام 2017، مقابل 15.4 في المئة فقط للعام 2012.
وأورد المرصد في تقريره حول "مؤشرات رصد التنمية البشرية: المستوى والاتجاهات على الصعيدين الوطني والجهوي 2012-2017" أن إدارة النساء للأسر تسجل في شكل أكبر في الوسط الحضري مقارنة بالوسط القروي. في هذا السياق، تطرقت السكريتارية الوطنية للجمعية في ندائها إلى تدهور شروط عيش النساء يوماً بعد يوم، مشيرة إلى أن غالبية النساء العاملات تشتغل في العمل الهشّ، وبعقود عمل موقتة، ونسبة تنظيمهنّ النقابي ضعيفة مقارنة بالرجال، ما يسهل على رب العمل التخلص منهنّ. ويضيف المصدر ذاته أن التميز في التشغيل يطاول حتى حاملات الشاهدات العليا من النساء، إذ إن نسبة تشغيلهنّ تظل ضعيفة مقارنة بالذكور.
مكاسب المرأة المغربية "حبر على الورق"
تعتبر جمعيات حقوقية نسائية أن ما تحقق من مكاسب للمرأة المغربية خلال السنوات الأخيرة، يُمكن اعتباره إيجاباً، ومن ثماره دخول قانون محاربة العنف ضد النساء، وقانون العاملات والعمال المنزليّين حيّز التنفيذ حديثاً. و في ما يتعلق بقانون محاربة العنف ضد النساء، يتطرق في بنوده إلى أفعال لم تكن مجرّمة من قبل، وهي من قبيل الطرد من بيت الزوجية والتحرّش الجنسي في الفضاءات العمومية، كما بات في إمكان النساء اللواتي تعرضنّ للتحرش إثبات هذا الفعل بواسطة رسالة عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني.
القوانين لا تطبّق كما يجب
وعلى الرغم من التقدم الدستوري في ما يتعلق بحقوق النساء، إلا أن القوانين المُحدّثة لم يحصل تنزيلها كما يجب، جمعية "أطاك المغرب" وجهت أصابع الاتهام إلى قانون محاربة العنف ضد النساء، قائلة "إنه لا يوفر آليات فعلية لحماية النساء ومتابعة مقترفي جرائم العنف"، وتابعت "على الرغم من المكاسب الطفيفة التي جاءت بها القوانين السابقة، إلا أنها لا تمسّ جوهر الموروث الذكوري المتخلّف الذي يشرعن دونية النساء، ولا يمكن القضاء بأية حال على أشكال التمييز ضد النساء من دون استئصال أصل القهر الاقتصادي والاجتماعي". وخلصت "أطاك" في ختام ندائها، إلى دعوة "كل نساء المغرب، ومنظمات النضال النقابية والجمعوية، وكل الديناميات النضالية التي توجد فيها النساء، إلى الانخراط القوي في إضراب النساء بكل الأشكال الممكنة، وإدراج الاعتراف به كيوم عطلة يعوّض عنها في قائمة مطالب النقابات، إكراماً لتضحيات النساء العاملات اللواتي ضحّينَ بحياتهنّ من أجل الاعتراف بحقوق النساء".