Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان الوجهة المزعجة لخطوط الطيران... مشكلات مالية وتقنية

شركات طيران أجنبية قلّصت عدد رحلاتها إلى العاصمة الخرطوم وأخرى آثرت الانسحاب

اتهمت "سلطة الطيران المدني السودانية" بعض شركات الطيران الأجنبية بالإسهام في زيادة الطلب على العملة الأجنبية من خلال تغيير أسعار عملات مبيعات التذاكر من الجنيه السوداني إلى الدولار الأميركي (أ.ف.ب)

يعاني السودانييون من ارتفاع مضطرد في أسعار تذاكر السفر جواً، مع تهديدات متكررة بانسحاب الشركات الأجنبية العاملة في قطاع النقل الجوي في البلاد، نتيجة مشكلات عدة أهمها صعوبة تحويل عائدات الأرباح، إضافة إلى مشكلات فنية متعلقة بالتزود بالوقود، وسوء الخدمات التي يقدمها مطار الخرطوم، الذي تتخذ منه غالبية الطائرات الأجنبية مركزاً لتوقفها أثناء عبور أجواء السودان، أو نقطة إنطلاقها من الداخل إلى وجهتها الخارجية. ومنذ مطلع العام الحالي، أوقف عدد من خطوط النقل الأجنبية رحلاته نحو الخرطوم ومنها، وأخرى قلّلت عدد الرحلات، واستبدلت شركات أخرى طائراتها الرئيسة بطائرات صغيرة ذات تكلفة تشغيلية أقل. وكانت الخطوط الأخيرة التي توقفت عن العمل هي الملكية الأردنية.  

تدهور قيمة الجنيه  

اتهمت "سلطة الطيران المدني السودانية" بعض شركات الطيران الأجنبية العاملة في البلاد بالإسهام في زيادة الطلب على العملة الأجنبية من خلال تغيير أسعار عملات مبيعات التذاكر من الجنيه السوداني إلى الدولار الأميركي. وقالت إن الخطوة أضرّت بالمواطن وأسهمت في تعزيز الطلب على الدولار.  وحدّدت تلك الشركات قيمة الدولار الواحد، في حال رغبة المواطن في الدفع بالجنيه، بـ 150 جنيهاً، مع أن بنك السودان المركزي يحظر التعامل مع المواطنيين بالعملات الأجنبية. ويعتبر ذلك السعر المحدد بالغ التكلفة، إذ تبلغ قيمة الدولار الواحد وفقاً للسعر الرسمي 47.5 جنيه، فيما يبلغ سعره في السوق الموازية "السوداء" نحو 70 جنيهاً. 

ربح وخسارة 

يرجع نائب الأمين العام لغرفة النقل الجوي عمر علي، أسباب توقف خطوط طيران أجنبية عن العمل في البلاد، إلى حساباتها القائمة على مبدأ الربح والخسارة، إذ يمرّ "السودان بوضع اقتصادي حرج أصبحت فيه شركات الطيران تواجه صعوبة في تحويل عائدات أرباحها إلى الخارج، نسبة إلى شحّ العملة الأجنبية، خصوصاً الدولار الذي يعتمد عملة رسمية لتحويل العائدات، ونتيجة ذلك تراكمت أرباح شركات الطيران، مع عجز متواصل لدى البنك المركزي السوداني لتوفير العملة الأجنبية".  ويعتبر علي أن "تلك هي المشكلة الرئيسة التي تدفع إلى التوقف، أو تقليل عدد الرحلات الجوية من السودان". ويعاني السودان عجزاً في الميزان التجاري، وشحاً في الأوراق النقدية منذ عام، وتدهوراً في قيمة عملته الوطنية أمام الدولار، إضافة إلى أزمة وقود متكررة، أضرّت بقطاع النقل والتصنيع محلياً. 

إصلاح الناقل الوطني  

ويقترح خبراء حلولاً عدة لمعالجة أزمة ارتفاع تذاكر الطيران، أهمها تبني حملة إصلاح للخطوط الجوية السودانية "سودانير" التي تعاني من تردٍ كبير في بنيتها التحتية، وتناقص عدد الطائرات التي تستخدمها وتعطلت غالبيتها، مع عجز الدولة عن إصلاحها نتيجة العقوبات الأميركية المفروضة على البلاد منذ العام 1997، التي تسبّبت في فرض قيود على دخول قطع غيار الطائرات وصيانتها خارجياً.  وكانت تستحوذ الخطوط السودانية قبل عقدين من الزمان، على نسبة 47 في المئة من مبيعات التذاكر محلياً، لكن تلك القيمة أخذت في التناقص حتى باتت غير قادرة على المنافسة محلياً. 

توقف شركات طيران سودانية  

ونتيجة تدهور قطاع النقل الجوي في البلاد نسبة إلى الأزمات الاقتصادية المتعلقة بتدهور قيمة الجنيه السوداني، أنخفضت أعداد شركات الطيران السودانية العاملة محلياً من 36 شركة إلى 3 شركات، تواجه هي الأخرى خطورة التوقف في المستقبل القريب.  ويرجع علي أسباب توقفها إلى "عدم توفير العملة الأجنبية لها أيضاً الذي تحتاجه بنسبة تعادل 40 في المئة، كما تواجه مشكلة الطيران الأجنبي ذاتها المرتبطة بتحويل أرباحها إلى الخارج بغرض صيانة طائراتها أو استئجار طائرات جديدة". يضيف "ذلك التدهور المريع تسبّب في فقدان قطاع كبير من العاملين في الحقل الجويّ وظائفهم". ويشير إلى أن خروج شركات نقل جوّية وطنية عن الخدمة يتسبّب في مشكلات اقتصادية جديدة مرتبطة بنقل الصادرات. يتابع "غالبية من توقفوا كانوا يعملون في مجال الشحن الجوي، ونقل اللحوم والخضروات السودانية إلى عدد من الوجهات الأفريقية والآسيوية والأوروبية". 

فتح الأجواء  

ووفق مراقبين فإن تحرير الأجواء السودانية أمام الخطوط الأجنبية، أسهم في إضعاف الطيران الحكومي، ووضعه في تحدي منافسة غير عادلة مع خطوط أخرى تمتلك بنيات تحتية متينة، وأسطول طائرات حديثاً. ما أدى إلى توجه غالبية المواطنيين إلى الشركات التي تقدم لهم خدمات متميزة حتى وأن كانت بأسعار عالية.  وتناشد "غرفة النقل الجوّي السودانية" الحكومة، بتبنّي سياسات جديدة، تمكّن الشركات المحلية من منافسة نظيراتها الأجنبية. 

تقليل من حجم المشكلة 

يقلّل المتحدّث باسم سلطة الطيران المدني عبد الحافظ عبد الرحيم، "من خطورة توقف الخطوط الأجنبية أو تهديداتها المتواصلة بتقليل عدد رحلاتها من السودان وإليه". ويشير إلى أن "25 شركة نقل جوي أجنبية ما زالت تعمل في السودان". ويرى أن "الفرصة متاحة للشركات السودانية لدخول مجال المنافسة إذا ما توقفت الخطوط الأجنبية أو قلّلت رحلاتها". ويُرجع عبد الرحيم "ارتفاع أسعار تذاكر الطيران إلى تلاعب بعض العاملين في المجال بأسعار العملات، إذ تحدّد سعر صرف الدولار وحدها وتعلل ذلك بارتفاع تكلفة التشغيل، وهو أمر مجافٍ للحقيقة". يضيف "الشركات الأجنبية تقول إنها غير قادرة على تحويل أرباحها. ما يدفعها إلى شراء العملة الأجنبية من السوق السوداء، لكن ذلك لا يعطيها الحق لتحديد قيمته". 

عزلة دولية  

يمتلك السودان مركزاً ملاحياً مزوّداً بأحدث الوسائل التكنولوجية. وتقول الحكومة إن ذلك المركز يصنّف الثالث على مستوى القارة الأفريقية من حيث الحجم بعد دولتي جنوب أفريقيا ومصر. والثاني من حيث الجانب الفني بعد جنوب أفريقيا.  ويقدم السودان أقصر طريق لعبور الطائرات من آسيا إلى أميركا الجنوبية، إلى جانب اتّساع ممراته الجوية من 18 ممراً جوياً إلى 42 ممراً جوياً تعبر خلاله آلاف الطائرات سنوياً، وفقاً لتقديرات رسمية.  لكن، وفق متابعين لحركة قطاع النقل الجوي، قد يواجه السودانيون عزلة دولية نتيجة الانسحاب المتزايد لشركات الطيران، وتقليل عدد رحلاته الجوية، إذا لم تُقدِم الدولة على وضع حلول للأزمة الاقتصادية. وفي أواخر يناير (كانون ثاني) الماضي أعلنت الخطوط القطرية تقليص رحلاتها إلى السودان ووقف بيع التذاكر من الخرطوم جراء الوضع الاقتصادي المتردّي، وتبعتها الخطوط الكينية، فيما أعلنت شركة "طيران الخليج" تخفيض رحلاتها إلى خمس رحلات أسبوعياً بدلاً من سبع. 

خطواط تشجيعية  

ولتشجيع العاملين في قطاع النقل الجوي، وافقت الحكومة السودانية على سداد شركات النقل الأجنبية ما نسبته 25 في المئة من قيمة رسوم العبور بالعملة المحلية، إضافة إلى تقديمها تعهدات بتوفير الوقود للطائرات بأسعار مناسبة.  ومع أقرار سلطة الطيران المدني بهشاشة الاقتصاد السوداني، إلا أنها تعتبر أن الأوضاع لم تبلغ مرحلة الخطر، بخاصة أن السودان لديه اتفاقات مع 69 دولة مرتبطة بالنقل الجوي". ويقول عبد الرحيم إن "عدد المسافرين عبر مطار الخرطوم الدولي يبلغ سنوياً نحو ثلاثة ملايين مسافر، نصفهم يسافرون من الخرطوم عبر شركتين أجنبيتين". يتابع "تنقل الخطوط الجوية السعودية 900 ألف مسافر سوداني سنوياً، فيما تنقل الخطوط الجوية الإماراتية 600 ألف مسافر، وبقية أعداد المسافرين يتوزعون على 24 شركة أجنبية". 

بيدَ أن علي لا يُخفي تخوّفه من أن "يأتي يوم يُضطر فيه السودانيون إلى التوجه إلى دول مجاورة عبر الرحلات البرية أو البحرية حتى يتسنى لهم السفر عبر الطائرات"، ويشدّد على أن "تلك المخاوف قد تصبح حقيقه إذا لم تتبنّ الحكومة خططاً إصلاحية جادة". 

المزيد من اقتصاد