ربما تجاوزت الخسائر ما يمكن أن يطلق عليه "تصحيحاً"، ففي الغالب يكون التصحيح مصحوباً بحركة تراجع طفيفة، لكن ما حدث في جلسة الاثنين الماضي من انهيار تاريخي بأسعار النفط، تجاوز ذلك بكثير.
وفي الوقت الذي تشير فيه أصابع الاتهام إلى فيروس كورونا المستجدّ وتسبّبه في تراجع عنيف بحجم الطلب العالمي على النفط، أو تخمة المعروض النفطي وحروب الأسعار التي شهدتها السوق خلال مارس (آذار) الماضي، لكن محللين أشاروا بأصابع الاتهام إلى المضاربات التي تحوّلت إلى "قاتلة" بالفعل، وأنها السبب المباشر في هذا الانهيار الذي واجه النفط في يوم "الاثنين الأسود".
هذا الانهيار التاريخي دفع إلى سيطرة حالة من القلق على خبراء ومحللي الاقتصاد، ودفع إلى إحداث موجة من التخبط والتضارب، سواء في المعلومات أو الآراء والتحاليل. حيث إنه، وللمرة الأولى في التاريخ، تتحوّل أسعار العقود الآجلة للنفط الخام الأميركي إلى سلبية لتنهي الجلسة عند سالب 37.63 دولار للبرميل مع إقبال المتعاملين على البيع بكثافة، بسبب امتلاء سريع لمنشآت التخزين في المركز الرئيس للتسليم في كاشينج بولاية أوكلاهوما.
وأمس، قال مصدر في "أوبك" إن عدداً من وزراء منظمة البلدان المصدرة للبترول سيعقد مؤتمراً عبر الهاتف، لمناقشة تطورات سوق النفط وسبل تنفيذ اتفاق تخفيضات الإنتاج على الفور، وليس بدءاً من أول مايو (أيار) المقبل. وأضاف "اقترحنا تنفيذاً فورياً للاتفاق وعدم الانتظار حتى مايو المقبل، وأيضاً التوقف عن الإفراط في الإنتاج خلال أبريل (نيسان) الحالي".
ما الذي أوصل الأمور إلى هذه الدرجة؟
والسؤال الذي يطرح نفسه وبشدة: ما الذي أوصل الأمور إلى هذه الدرجة، ولماذا هذا الهبوط العنيف في العقود الأميركية الآجلة؟
إجابة هذا السؤال، وفقاً لأستاذ الاقتصاد الكلي، عماد كمال، تتمثل في المضاربات على الأسعار التي تشهدها السوق منذ فترة، حيث قام المضاربون خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة بالتوقيع على شراء كميات كبيرة عندما انخفض سعر خام غرب تكساس ووصل إلى مستويات أدنى من 20 دولاراً. وبعدما هوت أسعاره إلى أقل من مستوى 10 دولارات قاموا بشراء كميات أخرى والانتظار حتى تتحسن الأسعار ثم بيعها بالأسعار الجديدة وتحقيق فروق سعرية أو أرباح ضخمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن مع خسائر وتداعيات فيروس كورونا المستجد، انهار الطلب العالمي على النفط، وجاءت محاولات أوبك+ التي لم تتمكن في البداية من التوصل لاتفاق بعد رفض روسيا لتزيد الأزمة، ومع إغلاق الاقتصادات والحدود بين الدول في إطار الإجراءات الاحترازية التي تم إعلانها لمواجهة انتشار الفيروس، تطورت الأزمة وتحوّل التراجع في الطلب على النفط إلى حالة من انهيار الطلب، مع عدم وجود أي توقعات متفائلة تؤكد قرب انتهاء الأزمة الحالية.
وأضاف "بمرور الوقت، كانت الأسعار تتراجع كل يوم، ولم يكن أمام أصحاب العقود أي فرصة للبيع ولو بالأسعار التي اشتروا بها، وبالتالي وجدوا أنفسهم في مأزق صعب مع قرب انتهاء هذه العقود، وبالتالي حتميّة التخلص منها مهما كانت الخسائر، وهو ما تسبّب بالفعل في انهيار السوق وتراجع الأسعار إلى هذه المستويات التاريخية".
وقال فيل فلين، محلل أسواق النفط في "برايس فيوتشرز غروب" بشيكاغو، إن "مستودعات التخزين مملوءة للغاية، وهو ما يجعل المضاربين لا يشترون هذا العقد، ومصافي التكرير تعمل عند مستويات منخفضة لأننا لم نرفع أوامر البقاء في المنزل في معظم الولايات. لا يوجد أمل كبير في أن الأمور ستتغير في 24 ساعة".
ومع نضوب الطلب الفعلي على الخام نشأت تخمة في المعروض العالمي، بينما لا تزال مليارات الأشخاص تلزم منازلها لإبطاء انتشار فيروس كورونا المستجد. وتعالج مصافي التكرير كميات أقل كثيراً من المعتاد من الخام، ولهذا فإن مئات الملايين من البراميل تجد طريقها إلى منشآت التخزين حول العالم. واستأجر تجار سفناً فقط لاستخدامها في تخزين فائض النفط. ويوجد 160 مليون برميل، وهو مستوى قياسي، مخزنة في ناقلات حول العالم.
"برنت" يواصل تراجعه رغم تصريحات الرئيس الأميركي
خلال تعاملات أمس وعقب الجلسة التي انتهت بانهيار السوق في تعاملات يوم الاثنين الماضي، تراجعت أسعار نفط برنت الآجلة عند التسوية 24.4 في المئة إلى 19.33 دولار للبرميل، في ظل تسارع تفشي الفيروس التاجي (كوفيد-19) عالمياً. وأنهت عقود برنت تعاملاتها منخفضة بنحو 6.24 دولار.
وأغلق خام غرب تكساس الأميركي تسليم مايو المقبل على 10.01 دولار للبرميل، مسجلاً قفزة بنحو 124 في المئة.
وحقق الخام الأميركي أكبر كمية تداول لعقود آجلة في التاريخ بأكثر من مليوني عقد. وكان خام غرب تكساس قد أغلق في نيويورك تعاملات يوم الاثنين الماضي، على سعر غير مسبوق في التاريخ عند 37.63 دولار تحت الصفر للبرميل، مع القلق بشأن توفّر السعة التخزينية في الولايات المتحدة.
وقال الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إن إدارته لن تسمح بانهيار صناعة النفط والغاز في البلاد وسط الهبوط التاريخي للأسعار. وقال في تغريدة عبر (تويتر) "لن نسمح بانهيار صناعة النفط والغاز العظيمة أبداً".
وأوضح ترمب أنه وجّه وزيري الطاقة والخزانة الأميركيين بصياغة خطة ستوفّر الأموال لتأمين هذه الشركات والوظائف الهامة للغاية في المستقبل. كما أعلن رغبته في استغلال انهيار أسعار النفط لتعزيز الاحتياطي الاستراتيجي من الخام في الولايات المتحدة.
وتعاني صناعة النفط الأميركية من خسائر حادة في الفترة الأخيرة مع تراجع الطلب جرّاء فيروس كورونا، حتى قبل أن يشهد سعر غرب تكساس الوسيط بالأمس تحولاً كارثياً أدنى الصفر للمرة الأولى في تاريخه.
واقترح ترمب مضاعفة شراء النفط لتعزيز الاحتياطي الاستراتيجي للبلاد بعد انهيار عاصف لأسعار الخام. وقال في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض "استناداً إلى السعر القياسي المنخفض للنفط، نحن نملأ احتياطياتنا النفطية الوطنية، وكذلك احتياطياتنا الاستراتيجية التي نتطلع إلى تعزيزها بما يصل إلى 75 مليون برميل".
وتابع "ستكون هذه هي المرة الأولى منذ فترة طويلة التي يتم فيها الوصول للسعة القصوى للتخزين، وسنحصل عليها بالسعر المناسب، هذا وقت رائع لشراء الخام، لم يسمع أحد عن سعر النفط السالب من قبل".