أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أنه كلّف وزيري الطاقة والخزانة بالعمل على خطة لتقديم دعم حكومي لشركات الطاقة حتى تتمكن من مواجهة كارثة انهيار أسعار الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس)، الذي هبط سعره في العقود الآجلة لتسليم مايو (أيار) يوم الاثنين الماضي إلى سالب 37 دولاراً للمرة الأولى في التاريخ.
ويعني ذلك أن الإدارة الأميركية تفكر في حماية الشركات وليس الإسهام في ضبط معادلة السوق، فقد شهدت عقود تسليم يونيو (حزيران) انخفاضاً أيضاً الثلاثاء، في مؤشر على أن تخمة المعروض وعدم وجود طاقة إضافية للتخزين ستدفع المتعاملين للتخلص من مزيد من العقود الآجلة لعدم القدرة على استلام الخام الحقيقي.
والرهان على أن تظل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم ربما لا يحتاج إلى استمرار إغراق السوق بما يقدر ما بين 4 إلى 5 ملايين برميل يومياً أضيفت للإنتاج الأميركي من شركات النفط الصخري.
وفي ظل انهيار الطلب، وتراجع التوقعات بانتعاش عاجل حتى بعد تخفيف القيود المفروضة للحد من تفشي وباء فيروس كورونا، يحتاج توازن السوق إلى خفض الإنتاج ربما بضعف ما قررته "أوبك+" بقيادة السعودية وروسيا، فالمؤشرات القادمة من الصين، التي أعادت فتح الاقتصاد تدريجياً، لا تشجع على توقع انتعاش سريع والأرجح أن يعود الطلب بمقدار النصف لأشهر قبل أن يحدث تعاف تدريجي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صناعة الطاقة تعاني
من الصعب تقدير تأثير أي خطة إنقاذ تطرحها الحكومة الأميركية لمساعدة شركات الطاقة، إذ إن صناعة الطاقة في الولايات المتحدة تعاني بالفعل حتى قبل التأثير السلبي لوباء كورونا على الاقتصاد، وتزيد المعاناة في الشركات التي تعمل أساساً في إنتاج الغاز والنفط الصخري في أميركا.
ومنذ بداية العام حتى منتصف أبريل (نيسان) الحالي، فقدت شركات الطاقة المسجلة على مؤشر "إس آند بي" في بورصة نيويورك بـ"وول ستريت" 43 في المئة من قيمتها، على الرغم من أن المؤشر نفسه إجمالاً تراجع 11 في المئة فقط. ومن الشركات التي فقدت ثلثي قيمتها أو أكثر "ماراثون أويل" و"أوكسيدنتال".
ولم يقتصر الأمر على الشركات المسجلة على مؤشر "إس آند بي"، فحتى الشركات الكبرى المسجلة على مؤشر "داو جونز" تدهورت قيمتها أيضاً بأكثر من الثلث، مثل عملاق الطاقة الأميركية "إكسون موبيل" التي فقدت 38 في المئة من قيمتها في الربع الأول من العام.
وانعكس ذلك بوضوح على نصيب صناعة النفط من تسريح العمالة في الآونة الأخيرة، فطبقا لتقرير من شركة "بي دبليو" للأبحاث، فإن شركات الحفر والتنقيب في قطاع النفط فقدت 51 ألف وظيفة في مارس (آذار) الماضي، أي نسبة بطالة تصل إلى 9 في المئة وما يعادل الوظائف التي أضيفت في هذه القطاعات في خمس إلى سبع سنوات مضت. وذلك استنتاج لشركة الأبحاث التي تهتم بقطاع الطاقة من تحليل أرقام الوظائف الأسبوعية الصادرة عن وزارة العمل الأميركية.
هذا غير نحو 15 ألفاً في قطاعات معاونة مثل البناء وتصنيع معدات الحفر والشحن. وذكر تقرير الشركة أن قطاعات الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية والرياح وغيرها، فقدت 1106 آلاف وظيفة الشهر الماضي. وإجمالا فقد قطاع الطاقة 303 آلاف وظيفة. وتقدر الشركة أن يبلغ معدل البطالة في قطاع الطاقة في الربع الأول من العام 30 في المئة.
إفلاس متوقع
ويكاد يجمع الخبراء والاقتصاديون في قطاع الطاقة الأميركي على أن إفلاس شركة "ويتينغ بتروليم" في 2 أبريل لن يكون الأخير، والسؤال بالنسبة إليهم ليس الإفلاس من عدمه بل كم شركة ستفلس! ويقدر المتفائلون أن تعلن 100 شركة على الأقل طلب وضعها تحت حراسة قضائية طبقاً للفصل 11 لجدولة ديونها أو تصفيتها.
ونشر موقع "ماركت ووتش" قائمة بشركات الطاقة الأميركية التي يُتوقع ألا تصمد كثيراً وتطلب الدخول في برنامج الحماية من الدائنين، أو بمعنى آخر الإفلاس لحين تصفيتها أو إعادة هيكلتها. وجاء الاختيار على أساس نسبة الدين (بعد خصم السيولة المتوفرة) إلى قيمة الشركة. ومن بين 82 شركة من الشركات المسجلة على مؤشر "إس آند بي" في وول ستريت وتعاني من مديونيات، حدّد التقرير 30 شركة هي الأكثر احتمالاً للإفلاس سريعاً في ظل استمرار هبوط أسعار الخام الأميركي. ومن بين تلك الشركات "آباتشي" و"هاليبرتون" و"أويسيس" و"نوبل إنرجي"، وأغلبها يعمل في مجال النفط الصخري.
وتقدر شركة "رايستاد إنرجي" للأبحاث، التي تركز على قطاع النفط الصخري، أنه عند متوسط سعر 20 دولاراً للبرميل من نفط مزيج غرب تكساس سيكون معدل الإفلاس 533 شركة بحلول العام المقبل مع الحاجة إلى جدولة ديون تصل إلى 70 مليار دولار. أما عند متوسط 10 دولارات للبرميل فسيكون المعدل هو إفلاس أكثر من 1100 شركة مع الحاجة لجدولة ديون تصل إلى 177 مليار دولار. ولم يتكهن تقرير الشركة بعدد الشركات المرشحة للإفلاس مع متوسط سعر لمزيج عرب تكساس أقل كثيراً من 10 دولارات للبرميل، فهذا سيناريو كابوسي تماماً.
وهناك ترجيحات بأن الشركات الكبرى مثل إكسون وشيفرون، ربما تجد فرصة في الاستحواذ على شركات أصغر، ما قد يخفف من الكارثة على قطاع صناعة الطاقة الأميركي، إلا أنه مع استمرار الظروف الحالية لفترة قد تفكر تلك الشركات الكبرى في حماية نفسها والحفاظ على ما لديها من سيولة لتتمكن من تجاوز هذه الفترة.