مر احتفال ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية بعيد ميلادها الرابع والتسعين أمس، في عزلة ذاتية دخلتها منذ 12 مارس (آذار)، كإجراء احترازي لمواجهة فيروس كورونا.
في المعتاد كان يُجرى الاحتفال بعيد ميلاد الملكة في موكب ضخم بشوارع لندن، يضم أكثر من 200 حصان و1400 جندي و400 موسيقي في مشهد عسكري أمام قصر باكنغهام، حيث يظهر أفراد العائلة المالكة على الشرفة، ويشاهدون طائرات سلاح الجو الملكي، وإطلاق 41 بندقية من "غرين بارك" القريبة، وهو الأمر الذي لم يحدث هذا العام بسب جائحة كورونا.
وصرح قصر باكنغهام في بيان، "تماشياً مع نصيحة الحكومة، تم الاتفاق على أن موكب عيد ميلاد الملكة، لن يمضي قُدماً في شكله التقليدي".
وتجاوزت الملكة إليزابيث جدتها الملكة فيكتوريا، في تسجيل أرقام قياسية للعرش البريطاني، فباتت الملكة (أو الملك) التي تجلس على العرش لفترة طويلة.
وقال المؤرخ ديفيد كانادين، رئيس الأكاديمية البريطانية، "إن إرث الملكة إليزابيث سيشمل كلاً من الانتقال والانحدار؛ وتغيير المجتمع البريطاني إلى مجتمع أكثر مرونة ومتعدد الثقافات وأكثر علمانية، وتقليص الإمبراطورية البريطانية إلى الكومنولث البريطاني، وبروز حجم بريطانيا كقوة عظمى".
الطريق إلى العرش
في 6 فبراير (شباط) 1952، بعد مرض طويل توفي جورج السادس ملك بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية أثناء نومه بالقصر الملكي في ساندرينغهام. وكانت الأميرة إليزابيث، كبرى ابنتي الملك، في كينيا وقت وفاة والدها. وتُوجت في 2 يونيو (حزيران) 1953، في سن الـ27 من عمرها.
ولم تكن إليزابيث وريثة مباشرة للتاج. إذ تغير خط الخلافة عندما تنازل عمها الملك إدوارد الثامن عن العرش عام 1936 بعدما أصبح ملكاً عقب وفاة والده. فقد أثار الملك إدوارد قلقاً بين السياسيين من خلال تجاهله الواضح للاتفاقيات الدستورية الراسخة. وبعد أشهر فقط من حكمه، تسبب في أزمة دستورية بطلبه الزواج من الأميركية واليس سمبسون، التي طلقت زوجها الأول وكانت تسعى إلى الطلاق من الثاني. وعارض رئيس الوزراء ستانلي بلدوين الأمر، بحجة أن المرأة المطلقة مرتين كانت غير مقبولة سياسياً واجتماعياً كزوجة ملك. بالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذا الزواج كان سيتعارض مع وضع إدوارد كرئيس لكنيسة إنجلترا، التي كانت في ذلك الوقت ترفض الزواج مرة أخرى بعد الطلاق إذا كان الزوج السابق لا يزال على قيد الحياة.
وعرف إدوارد أن حكومة بلدوين ستستقيل إذا استمر بالزواج، وهذا قد يجبره على إجراء انتخابات عامة، الأمر الذي قد يؤثر على وضعه كملك دستوري محايد سياسياً. وعندما اتضح أنه لا يستطيع الزواج من واليس إلى جانب البقاء على العرش تنازل. وخلفه شقيقه الأصغر، جورج السادس والد الملكة أليزابيث، الذي حكم 326 يوماً، وهي أقصر فترة حكم لملك في التاريخ البريطاني.
من الراديو إلى تويتر
منذ بداية حكمها، فهمت إليزابيث قيمة العلاقات العامة، وسمحت ببث تتويجها عام 1953 على التلفزيون، على الرغم من اعتراضات رئيس الوزراء ونستون تشرشل وآخرين ممن شعروا أنه سيقلل من مكانة الحفل، وشمل عهدها العديد من الأمر التي تحدث لأول مرة في النظام الملكي البريطاني، ومن ذلك أنها أنشأت الملكة موقعها الإلكتروني الخاص وحسابها على تويتر، ويتم بث رسالة عيد الميلاد التقليدية للملكة على يوتيوب.
وفاة "أميرة الشعب"
كان وفاة الأميرة ديانا، أميرة ويلز، في حادث مروع، من أكثر الأحداث دراماتيكية في تاريخ البلاد، وفي تاريخ الأسرة الحاكمة، وخصوصا في سيرة الملكة أليزابث. فقد دفعت وفاة ديانا، بريطانيا إلى حداد عام، وألقت الضوء على الطابع الخاص للأسرة المالكة. وأدى رفض الملكة لمخاطبة الأمة أو السماح بتنكيس العلم البريطاني احتراماً للراحلة، إلى انقسام عميق بين الناس حول نظرتهم الملكة وإلى الملكية.
وفي النهاية، رضخت سيدة العرش وخاطبت الأمة قائلة، "لقد حاولنا جميعاً بطرقنا المختلفة التكيف. وليس من السهل التعبير عن الإحساس بالخسارة، لأن الصدمة الأولية غالباً ما تنجح بمزيج من المشاعر الأخرى؛ الصدمة، وعدم الفهم، والغضب، والقلق بالنسبة لأولئك الذين بقوا".
قادة متفوقون
شمل عهد الملكة إليزابيث 12 رئيس وزراء بريطانياً، وسبعة أساقفة في كانتربيري وسبعة باباوات. وكان وينستون تشرشل أول رئيس وزراء عمل معها.
الصديقة والحماة
في حين أن أكثر نظرة ثاقبة لشخصية الملكة إليزابيث كانت من خلال تمثيل كلير فوي دورها في مسلسل "ذا كراون"، إلى جانب الفيلم الشهير "ذا كوين"، الذي يتناول مصرع الاميرة ديانا، والذي لعبت الممثلة هيلين ميرين فيه دور الملكة، هناك القليل من يعرفون تفاصيل شخصية عن حياة الملكة. وعلى الرغم من أنها قريبة من عائلتها، خصوصاً ابنتها آن وأحفادها الأمير ويليام والأمير هاري والأميرة أوجيني، فإنها لا تظهر عواطفها علناً، أو تكشف عما تفكر فيه. ومع ذلك، فإن إحدى السمات التي تشتهر بها هي الولاء.
وكتبت زوجة الأمير أندرو السابقة، سارة فيرغسون، عن رأي إيجابي في الملكة ورد بسيرتها الذاتية، حيث وصفت دوقة يورك حماتها السابقة بأنها مخلصة. وكشفت أيضاً أنه بعد الطلاق من ابنها لا تزال تريد صداقة الملكة. وذكرت فيرغسون، "عندما قابلت الملكة سألت: ماذا تطلب سارة؟. قلت: صداقتك، أريد أن أقول صاحبة الجلالة صديقتي".
الملكة إليزابيث معروفة بأدبها، وبطريقة مهذبة وسرية للهروب من المحادثات التي تجعلها تشعر بالحرج. وبالتأكيد، تلتقي وتتحدث مع كثير من الناس، لكن موظفيها يعرفون بالضبط متى تريد إنهاء الأمور؟. ويتم التلميح بطريقة لا يستطيع معظم الناس التقاطها.
وأوضح المؤرخ الملكي هوغو فيكرز، "أن الملكة إذا انتهت من الحديث، فإنها ببساطة تحول حقيبتها من ذراع إلى أخرى، بعدها يقوم مساعدوها بإرشادها بعيداً".
الأنشطة والهوايات
ليس سراً أن الملكة تعشق الفعاليات الخارجية، وتحب الخيول والكلاب وقيادة سياراتها بسرعة كبيرة.
ويذكر رينالدو هيريرا، الذي كان مقرباً من العائلة المالكة لسنوات، أنه كان ضيفاً في رويال أسكوت عام 1974. وتذكر أن الملكة أحبطت عندما خسر حصانها "هايكليري" السباق، واختتمت الأمر بمرح، "لم أخسر السباق، والآن يجب أن أنال الكأس".
