Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سرقة أقنعة وتخزين أدوية هو ما آلت إليه أميركا في زمن كورونا 

اتُهمت الولايات المتحدة بقيادة ترمب بالقرصنة الحديثة على مدرج المطار والتخطيط لحرمان كندا من الإمدادات الطبية وأخذ الأدوية من مرضى الذئبة

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أحد مؤتمراته الصحافية الطويلة والغريبة مؤخرا، أن الولايات المتحدة وفّرت 29 مليون جرعة من عقار هيدروكسي كلوروكوين، وهو علاج غير مثبت بعد، قد يساعد في تحسين مآلات العلاج من كوفيد-19. وبعد وقت قصير من حديث ترمب، مُنع الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، من الإجابة على أي أسئلة تتعلّق بالعقار واستخداماته.

يعود السبب في منع فاوتشي من الحديث في ذلك المؤتمر الصحافي إلى استمرار الجدل بشكل كبير حول إمكانية استخدام هذا الدواء لعلاج كوفيد-19. كما يعود إلى جملة كبيرة من الاعتبارات الأخلاقية المرتبطة بسحب دواء من التداول، يفيد فعلياً في علاج مرض الذئبة، إذ لن يتمكن هؤلاء المرضى الآن من الحصول عليه. وعلى خلاف مزاعم  ترمب، لم تصادق إدارة الغذاء والدواء فعلياً على هيدروكسي كلوروكوين كعلاج لفيروس كورونا. من جهته، سبق أن عبّر فاوتشي عن تردّده في مجاملة الرئيس، كما فعل سابقاً كثيرون من المتملقين الآخرين في إدارته. وكان من المحتمل أن يشير إلى ذلك لو سُمح له بالحديث. لكنّ ترمب يكره المعارضين، لذلك أرغم فاوتشي على الصمت.

يعكس تخزين عقار هيدروكسي كلوروكين حقيقة مظلمة أكثر حول النهج الأميركي في عصر كوفيد-19. لا ينبغي أن نقلق فحسب من الطريقة التي يتصرّف بها ترمب. في المجمل، ما ارتكبه الأميركيون - وما زالوا يرتكبونه –هو، في جوهره، قرصنة حديثة.

من ناحية أخرى، أفادت تقارير إعلامية في بداية الشهر بأنّ "مشترين أميركيين يلوّحون بحُزم نقدية تمكّنوا من السيطرة على شحنة من الأقنعة كانت على وشك مغادرة الصين إلى واحدة من أكثر المناطق إصابة بفيروس كورونا في فرنسا". وبعد ذلك ظهرت قصة أخرى في الصحافة تفيد بأنّ شحنة من 200,000 قناع من نوع N95 كانت متجهة من الصين إلى ألمانيا حُرفت إلى الولايات المتحدة عند تغيير الطائرة في تايلاند. كانت الأقنعة قد طُلبت لعناصر شرطة برلين. وحتى اليوم، يوجد في ألمانيا أكثر من 100,000 حالة إصابة بفيروس كورونا، وهي الرابعة عالمياً بعد إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة.

بالتالي، فإنّ تخزين عقار هيدروكسي كلوروكوين ليس فعلاً على حدة. بل هو مثال على سلوك مستمر يشير في مجمله إلى ما وصلت إليه الولايات المتحدة في ظل قيادة ترمب التي تفتقر إلى الأخلاق. يبدو أنّ الأميركيين لا يُبالون بمعاناة الآخرين أثناء انخراطهم في القرصنة لصالح ناسهم (إذا لم يكونوا مصابين بمرض الذئبة، لأنه في تلك الحالة سيُحرَمون من الدواء ويُشكَرون على تضحياتهم)على حساب بقية العالم. وفي الواقع، يبدو في بعض الحالات أنّ أميركا قد انزلقت إلى صراع بين الولايات، حيث اتُّهم ترمب بالتحيز إلى الولايات المحافظة ورفض تزويد نيويورك بأجهزة التنفس الصناعي وهي في أمس الحاجة إليها. (خلال عطلة نهاية الأسبوع، تبرّعت الصين بألف جهاز تنفس صناعي إلى الولاية حين عجزت الحكومة الفيدرالية عن ضمان تزويد حُكام الولايات بما يكفي من إمدادات طبية).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

لكن إذا كان فيروس كورونا يقدم أي درس جوهري، فهو أنّ الحدود والحواجز تُعدُّ عديمة الفائدة في اقتصاد عالمي. إذا فشلت إحدى الولايات أو الدول أو أحد الزعماء، فإنّنا نفشل جميعاً. لذلك، فإنّ تخزين الإمدادات أو سرقتها من بعضنا البعض، أو ممارسة التحايل لن يفيد على المدى الطويل سوى في تخريب كل شيء. إنّ جشع القرصنة يخفق في احتساب السياق الأوسع لكيفية اعتماد العالم على صحة وسلامة ورفاهية جميع سكانه من الأغنياء والفقراء، سواء كانوا أميركيين، أو بريطانيين، أو فرنسيين، أو من الألمان وجميع الجنسيات الأخرى. إنّ مطالبة الشركات الأميركية بعدم توفير الإمدادات الطبية لكندا أو أميركا الجنوبية سيكون له تأثير مباشر في الأشخاص في الولايات المتحدة. هذه حقيقة لم يدركها الرئيس ترمب أبداً، ومن المحتمل ألّا يدركها أبداً.

حتى إذا ثبُت أنّ عقار هيدروكسي كلوروكوين هو الدواء المعجزة الذي ينقذ ملايين الأرواح (وللتوضيح، لم يؤكد أي طبيب، بما فيهم الدكتور فاوتشي، أن هذا المآل الواعد ليس سوى فرضية على ما هي الحال اليوم)، تجدر الإشارة إلى أن توفير الدواء فقط للأميركيين لا يخدم أي غرض حقيقي، كما لا تخدم سرقة الأقنعة من الفرنسيين أو من شرطة برلين أي غرض حقيقي. إنّ العدوى لا تميّز بين البشر في انتشارها حسب هوياتهم الوطنية. لكن بالطبع، أن تطلب من ترمب انتظار دوره هو كأن تطلب من طفل لا يتجاوز عمره سنة واحدة في نوبة غضبه أن ينتظر دوره. إنّ القائد الذي لا يملك رؤية للمستقبل لن يكون قادراً على القيادة أبداً. لذا ما الذي يمكننا توقّعه حقاً؟

ها نحن على مشارف منحى جديد. والأمل الوحيد المتبقي هو أن تكبح القوى المعتدلة القليلة في محيط الرئيس، جماحه وتذكّره بأنّ الولايات المتحدة ليست مستقلة عن العالم، بل على العكس هي لاعب بين لاعبين آخرين. إذا كان لدينا أي أمل في النجاة من هلاك الموت والدمار الذي نواجهه حالياً – بالدواء المعجزة أو من دونه – فحريّ بنا أن نأمل في أن تتحسن صحة ورفاهية كل شخص على وجه المعمورة. فمن دون ذلك، لن يتحقق أي شيء.

© The Independent

المزيد من تحلیل