Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جنون العلماء!

كثيرون منهم باتوا كخدم عند "كهانة السياسة"

إمرأة تعقّم عربة التسوّق في أحد المراكز في لندن (رويترز)

أجلس ككل البشر في البيت أمام صندوق العجب. التلفزيون مصاب برشح كورونا، والعلم العاجز في هذه اللحظة، يطل علماء منه على الشاشات، مصابون بجنون الوباء. كل منهم يهذي، بقدر مصابه بالجائحة الذهنية، فكثير منهم يدلي بفتوى، ليصدر زميله نقيضها، الهلع تغلغل في العقول، لذا انهمرت فتاوى العلماء، على المشاهدين، هذا يفتي بأن الجائحة تحت السيطرة، غيره يفتي بالضد. لثلاثة أشهر ويزيد، والعلماء كما شيوخ الدين، يأولون سفر كورونا، كلٌّ بما استطاع إليه سبيلاً. تحولت الشاشة لبعضهم إلى معبد، ومنهم كثيرون باتوا كخدم عند "كهانة السياسة"، ما حوّل العلم على أياديهم، إلى أيدولوجيا قومية، وحزبية عند البعض، وعند آخرين مبخرة للرئيس والملك وما في حكمهما.
العلم كان في حظيرة المعبد، حتى صرخة غاليليو "لكن الأرض تدور"، ومنذ ذلك الوقت، يتمرد العلم على أي حظيرة، لكن الدولة بقمعها المشروع، كانت بالمرصاد، يعاضدها رأس المال، المموِّل، الضرورة، لحاجات العلم والعلماء. وكأنما المختبر وما في حكمه، الحظيرة الضرورية، للحكم على العلم بتبعيةٍ ما. وجاءت كورونا لتؤكد المعروف عن هذه التبعية وتصبغها. وتحول "الرئيس المذيع" إلى "الرئيس المروج" لدواء يسد الجائحة، فيقلل من الفيروس القاتل، ويحارب الركود وصنوه الكساد.

أنت مقتول بسكين لم يُعرَف بعد أو بالسكين الاعتيادي، وكأن لسان حال علماء الدولة، أن الفيروس عدو خارجي، صيني أو أميركي، مجابهته تكون باستنهاض قوى الأمة، ما يستدعي قوة رأس المال، قوة الدولة القومية. فالتبجح بالاستطاعة على كبح هجوم العدو الجائحة، يصدر عن علماء "الدولة الرأسمالية - الشيوعية الكبرى"، كما يصدر في البلاغ البياني، من خلال اليوميات الكورونية، لقائد الرأسمالية في بلادها الأقوى.

مفهوم شعبوي

أجلس ككل البشر في البيت أمام صندوق العجب، ليصيبني في كل يوم، جنون العلماء، حيث الجائحة في البدء، عوملت في الدول الكبرى كما الإرهاب، من خلال مفهوم شعبوي، شبه مسيطر في العالم، في فترة ما قبل كورونا. وعن هذه الشعبوية يقول بيار بيستلوني "كثيرون يفضلون الانزواء، بكل أمان في فقعاتهم، يحتمون خلف شاشتهم، حيث يصبحون فرائس للتجار الطامعين، الذين يتلاعبون بهم. إنهم يشبهون السجناء المصفدين، داخل كهف أفلاطون، بصدد التأمل في لعبة الظل، المبرمجة من قبل عرائسيين مهرة".
علماء كثيرون أطبقت عليهم القوقعة، فجن جنونهم. في كهف أفلاطون، وهم منغمسون في لعبة الظلال، جنّ جنونهم، لمّا فقع العدو الخفي هذه الفقاعة. حتى بات كل بيت لأي فرد هو وطنه ليس إلا، وأن العدو لا جنس له ولا حد، وأن العلم هذه المرة، لا سلاح له لمواجهة فيروس، لا كنه له حتى الآن. لما تعطل العلم، جنّ جنون العلماء، الذين يحاول المفسدون في الأرض توظيفهم دائماً. لكن هذه المرة المصاب عظيم، يصيب الجميع من دون فروق، وفي عقر دارهم، ولا قوقعة ولا فقاعة توؤي أحد، ولا قومية ولا من يحزنون.

حتى بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا العظمى، طاله كورونا، في قلعة 10 داونينغ ستريت. وهو يطلب من دون خجل، من سكان بريطانيا، أن يودعوا أحبابهم، فكاد المطالَبون بالتوديع أن يودعوه قبلاً. وكان يسعى أن يسوّق، في صورة علمية بريطانية، نقلاً عن علماء بريطانيين، نظرية "مناعة القطيع"، مخالِفاً العلم بأن "الفرد هو المطلق إزاء كل حقيقة مادية"، لقد هتك فيروسٌ القنفذَ، هتك الهوياتية الشعبوية، التي أصابت علماء حتى، فكورونا جعلت حتى ترمب يترنح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الفيروس القاتل

أجلس ككل البشر في  البيت أمام صندوق العجب، ليصيبني في كل يوم الدوار، من سيل فتاوى العلماء، وهلع الملوك والرؤساء و"أصحاب العجل الذهبي"، مَن هم في ريبة من أمرهم، فكورونا يذيب العجل.   

قلَب كورونا القاعدة المقلوبة، فالأرض الكرة البيت، ولا بيت سواها يؤوي ابن آدم. ولو تخرص بغير ذلك علماء، حيث متخرصون كهولاء علماء دين، يذودون عن كتابهم المقدس. وهم بتخرصاتهم هذه، دعاة حرب أهلية مقدسة بين البشر. فيروس كورونا الفضاح الوضاح، إن جنون العلماء هؤلاء، مرض عضال، أدلجة العلم وقومجية العلماء، (صدام الحضارات)، لكن كورونا وهو يكتسح اليابسة بقرابين وفداء بشري ليس بقليل، إنه القاتل أيضاً لـ "الهويات القاتلة"، كما في تعريف أمين معلوف.

وفي مسألة أخرى، عُدّ الاحتباس الحراري مسألةً قومية، كما الإرهاب وإن دُعيَ بالإرهاب الدولي، وأيضاً كورونا عُدّ منذ بدايته فيروساً قومياً. وما جاء كورونا وهدمه خلال هذه الفترة الوجيزة، حدث شيء من الانقشاع للاحتباس الحراري، فكذب منجمو ترمب بما صدعوا، العلماء تقنيو رأس المال، في كل الأحوال، خدم مُلاك المختبر، أصحاب معاشهم.
من هنا كانت الصحة، الخروف الأسود، في عُرف رأسمالية الكوارث وعلمائها، فأُبعدت عن القطيع الأبيض، إلى الخلف. أُديرت، عوملت كمسألة ميتافزيقية: الراعي الله. لكن كورونا مصابة بعمى الألوان فأصابت كل القطيع، فأمسى الحصن غير حصين، بعدما نجحت الشعبوية، في كثير من البلدان المتقدمة، في أن تتقدم الصفوف، "الشعبوية الاسم اللاتيني، الذي يحيل على الديماغوجيا، أكثر من إحالته على الديمقراطية"، وفي تلك البلدان عند الجائحة، سبحت إلى السطح الديماغوجيا، ممثلةً بجنون العلماء.                     

المزيد من آراء