Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الرجل الأخضر" يدين عنصرية هوليوود منذ قرن

في حديثه عن فيلمه الجديد "مياه داكنة"، يفسر نجم أفلام "المنتقمون" الحاجة إلى تغيير الثقافة برمتها، ومخاطر إعادة انتخاب ترمب، وتغيّره إنسانياً ومهنياً إثر مأساة شخصية

يقرّ مارك روفالو بأن أدواراً سينمائية معينة غيّرته فعلياً (وورنر بروس)

دعوني أخبركم أن مارك روفالو غاضب. ويشدّد الرجل الذي يلعب شخصية "الرجل الأخضر" ("هالك") في سلسلة أفلام "المنتقمون"، فيما يميل بجلسته إلى الأمام، على أن "دونالد ترمب عدو الشعب الأول... كل ما يتفوه به كذب. يقف ذلك الرجل في طريق كل شيء مهم يحدث في العالم طالما أن الأمر يتعلق بالتغيّر المناخي. الوضع مرعب جداً ويحرمني من النوم ليلاً. معظم الناس لا يدركون ماذا سيحدث. ترتعد الدول خوفاً من السوريين الوافدين، بضعة آلاف من السوريين. نحن نقترب من انقراض جماعي، فيما تفشل النظم الغذائية، ويبحث مئات ملايين النازحين عن أماكن مضيافة".

يتوقف قليلاً، يأخذ نفساً ويتابع، "في بلدي، نصف النظام السياسي لا يؤمن بـ [التغير المناخي]، ولا بالعلم. أدعو بقية العالم إلى المشاركة في انتخاباتنا المقبلة، لأن مصير العالم يتأرجح على ذلك المحك اللعين. وبإمكانك أن تنشر هذا الكلام".

جاء روفالو إلى اللقاء غير متسلح بدرع الحماية الذي يميل نجوم السينما إلى الاحتماء وراءه خلال المقابلات الصحافية، والذي يشكّله ذلك المزيج من القصص التي جرى التدرّب عليها مسبقاً، إضافة إلى التكتم المغلف بالابتسام. ومن الوضح أن درجة شغفه وتمتعه بعقلية سياسية، يتساوى مع مقدار جاذبيته. ويبدو رائعاً في سن الثانية والخمسين. إذ يرتدى قميصاً أبيض ناصعاً، ويتخلل الشيب شعره الأشعث، ويتمتع بلياقة بدينة وبشرة مسمرة ووجه متغضن وعينين غامقتين لهما نظرة ثاقبة، لكنها مهتمة وغير مثيرة للريبة في آن معاً، ولم يحلق ذقنه.

لقد التقيته في أحد الفنادق في وسط لندن لمناقشة فيلمه الجديد الذي يحمل عنوان "مياه داكنة". واستناداً إلى مقال مطوّل في صحيفة "نيويورك تايمز"، يتناول العمل القصة الحقيقية لمحامي دفاع يتحول ناشطاً مدافعاً عن البيئة، هو روبرت بيلت، ويناضل من أجل فضح شركة "دوبونت" للمنتجات الكيمياوية التي تستخدم مواد سامة في عدد من منتجاتها، على الرغم من معرفتها الكاملة بمدى ضررها. لا يكتفي روفالو، وهو ناشط بيئي ذو باع طويلة، بلعب البطولة في دور بيلت، لكنه ينتج الفيلم أيضاً. وبحسب روفالو، الذي اختار المخرج القدير تود هاينز لإخراج العمل، "أثارت رحلة روب اهتمامي بالفعل. ولقد كان حقيقة [في العالم الفعلي] محامي دفاع جنائي يعمل في شركة كيماوية. كيف كانت السباحة ضد التيار بالنسبة لرجل موجود في داخل تلك الثقافة؟ كان على دراية بكل الحيل التي يعرفها محامو الدفاع وكان لديه الوقت والمال والخبرة اللازمة للفوز".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قضى روفالو كثيراً من الوقت مع بيلت في محاولة لفهم ما الذي دفعه إلى تصرفه. ويوضح ذلك، "إنّ روب شخص إنطوائي للغاية من الناحية العاطفية... إنه ليس البطل الذي يمكن أن تتخيله. إذ يحاول كل شخص آخر تضخّمت "الأنا" لديه، إنقاذ العالم. إنهم اجتماعيون، إنهم ساحرون. لكن لا مكان لـ"الأنا" تقريباً في شخصيته [روب]".

وفقاً لأداء روفالو، يبدو روب بيلت شخصية عنيدة ومكتفية ذاتياً. إنه رجل عادي محارب يمتلك شفة سفلى بارزة ووقفة غريبة. إنه من نوع الأدوار التي يتفوق فيها روفالو. وعلى الرغم من أنه صنع اسمه للمرة الأولى في شخصية الكسول المحبب في أفلام الكوميديا الرومانسية مثل "من 13 إلى 30" في 2004 و"تماماً مثل الجنة" عام 2005، لكنه بات منذ ذلك الحين سيد التعاطف، وقادراً على تجريد الشخصيات من هيئتها الخارجية للكشف عن ضعف جريح. خذوا مثلاً شخصية المحقق المتعب الأشعث وصاحب الميول الانتحارية في فيلم "زودياك" (2007) للمخرج ديفيد فينشر. وكذلك الحال بالنسبة للمصارع الأولمبي المنكوب ديف شالتز في فيلم "صائد الثعالب" في 2014، أو المراسل المضطرب الشبيه بكلب بوليسي في الفيلم المذهل الحائز على جائزة أوسكار "بقعة ضوء" في 2015. 

عندما تأخذون ما مر به رافالو شخصياً في الاعتبار، فليس من المفاجئ أنه قادر على استخراج عواطف بهذا العمق. أثناء تصوير فيلم التشويق "القلعة الأخيرة" في 2001، شُخِّصَتْ إصابته بورم في الدماغ. اتضح فيما بعد أنه كان حميداً، لكن العملية لإزالته تركت جانباً من وجهه مشلولاً لمدة عام (ولا تزال أذنه اليسرى صماء). وبعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2008، تعرّض لخسارة مأساوية بوفاة شقيقه الأصغر سكوت (39 سنة) الذي عُثر عليه مقتولاً رمياً بالرصاص في شقته في "بيفرلي هيلز" في "لوس أنجليس". ما زالت جريمة القتل معلقة حتى يومنا هذا. يشير روفالو إلى إنه "لا أعرف مَنْ سأكون مِنْ دون هذه التجارب... عندما يحدث شيء من هذا القبيل أو مأساة من نوع ما، فإنها تفتح عينيك على العالم بشكل مختلف... أنت تدرك قدرة البشر على ارتكاب الأخطاء. لدي إحساسي الخاص العميق بانعدام الأمن. أنا لست متأكداً من أي شيء. لا أحد منا يعرف نهاية القصة. كلنا نمضي حاملين قدراً هائلاً من عدم اليقين، ولذا ربما أحمل الحيرة هذه إلى الأدوار التي ألعبها. أنا مدرك بشكل مؤلم لضعفنا هذا كبشر. وفي النهاية سنكون نخباً ملعوناً. لا أحد يخرج حياً [من هذه الحياة]، ولا أحد يخرج من الكفاح الحقيقي والمعاناة".

في أعقاب وفاة شقيقه، قرّر روفالو أن هناك حاجة للتغيير. وقد وُلِدَ روفالو في 1967 بولاية "ويسكنسن" لعائلة إيطالية أميركية من الطبقة العاملة، وانتقل في شبابه إلى مدينة "سان دييغو" في كاليفورنيا، حيث كان يتجول ويتعرض للشجب قبل التحاقه بمدرسة "ستيلا أدلر" للدراما في لوس أنجليس. الآن، انفصل عن وكيله المروّج له، وباع منزله في "لوس أنجليس" وانتقل إلى ولاية نيويورك مع زوجته، الممثلة صنرايز كويني، وأطفالهما الثلاثة الصغار. وفي حديث مع صحيفة "صنداي تلغراف" في 2011، ذكر روفالو أنه "عندما أنظر إلى الماضي، أعتقد أنه كان هناك بعض الجنون الذي يحركه الحزن في ما فعلته... يقولون إنه لا يُفترض بك اتخاذ قرارات كبرى أثناء شعورك بالحزن، لكنني فعلت عكس ذلك تماماً".

وفي المقابل، يدافع روفالو عن تلك القرارات، مشيراً إلى أن "أموراً مثل هذه لا تتركك فعلياً أبداً... إنها تبقى موجودة دائماً. أجد نفسي أنجذب إلى بعض المواد بناءً على تلك العلاقات وقوة تلك العلاقة وتلك الخسارة، كما تعلم". ويتابع، "هناك هدية تصاحب كل مأساة إذا نجوتَ منها. أنت لا تجتازها من دون الشخص الذي تركك. إنهم يتركون لك هدية لا يمكن إلا لفقدانهم أن يهبك إياها. هذه هي النعمة الوحيدة التي نمتلكها كبشر وتتمثّل في أننا نكتسب شيئاً عِبْرَ المعاناة، لا يمكن تحقيقه بكل الطرق الأخرى".

بعدما ترك لوس أنجليس وراء ظهره، بدأت مسيرة روفالو المهنية تتسارع. أولاً ، رُشِّحَ لجائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم "الأطفال كلهم على ما يرام"، الحكاية التي جرى تجسيدها بأسلوب جميل وأخرجتها ليزا تشولودينكو عن ثنائي سحاقي، والرجل الذي منحهما حيواناته المنوية ليكون أباً لأبنائهما. ثم جاء فيلم "المنتقمون" في 2012. وإذا كان ترشيح "أكاديمية فنون وعلوم السينما" قد رفعه إلى أداء أدوار البطولة الرئيسية، فإن امتياز أفلام شركة "مارفل" جعله نجماً. وبفضل تجسيده شخصية بروس بانر/ "هالك"، ظهر حتى الآن في خمسة من أفلام "المنتقمون"، واستخدم قوته من أجل غرض جيد. ونظراً لكونه من أشد المؤيدين لبيرني ساندرز، فقد تحدث بصوت عالٍ في ما يتعلق بحقوق الإجهاض على وجه الخصوص. وقد استخدم نفوذه أيضاً في الحملة ضد عمليات التصديع المائي لاستخراج احتياطات البترول والغاز، إضافة إلى انخراطه في قيادة عريضة وقع عليها 3 ملايين شخص تدعو القادة إلى الالتزام بالطاقة المتجددة.

في الآونة الأخيرة، تعرض بوريس جونسون لهجوم شديد بعدما أساء استعارة شخصية "هالك" في مقابلة صحافية، مُشيراً إلى أنه سوف يحطم "أصفاد" أوروبا. ووفق كلمات رئيس الوزراء، "كلما ازداد غضب "هالك"، كلما ازدادت قوته". وعبر "تويتر"، رد روفالو "ينسى بوريس جونسون أن "هالك" لا يحارب إلا من أجل الصالح العام. يمكن للجنون والقوة أن يكونا أحمقين ومدمرين أيضاً. يقدم "هالك" أداءه الأفضل عندما يكون في انسجام مع فريق، لكنه كارثي عندما يكون وحيداً".

وبصفته من الرجال البيض، يشعر بأنه يتحمل مسؤولية التحدث عن ندرة النساء والأشخاص الملونين في صناعة السينما. ووفق كلماته، "مثلما ذكر الممثل خواكين فينيكس [أدّى دور البطولة في "الجوكر"] أثناء حفل جوائز "بافتا"، إن [العنصرية] منهجية ويجب أن تكون البداية من أنفسنا". أسأله إذا كان هو جزءاً من المشكلة. فيجيبني، "نعم. نحن كذلك... لا يجب أن يتنقل الممثلون على متن طائرات خاصة. ليس علينا فعل ذلك. سيحتاج الأمر بعض التضحيات، وعلينا جميعاً أن نكون غير مرتاحين بعض الشيء... لم يعد بإمكانك بعد الآن أن تفكر "هل يتعلق الأمر بي وحدي". يتوجّب عليك إدراك أن [ما تفعله] له تأثير في الاتجاهات الأخرى كلها. لذلك، نعم، هوليوود منهجية، لكن الأمر يشبه سؤال السمك عن الماء. لقد كانوا يسبحون فيه طوال حياتهم. إنها مئة عام من ثقافة معينة، بدءاً من تشويه صورة الأميركيين الأصليين في الأفلام وتقديمهم في أدوار الأشرار لسنوات وسنوات، ثم الانتقال إلى السود وصبغهم بالشر، وبعد ذلك ثقافة متشابهة عن تفوّق العرق الأبيض... حقاً. وإلى حين أن نبدأ بطريقة واعية كصناعة كاملة بإجراء تلك التغييرات، بما في ذلك الممثلون الذين يقولون أيضاً "مهلاً... نحن بحاجة إلى التنوع في أعمالنا، فلن يتغير ذلك. والأمر مجرد إلقاء المسؤولية على الآخر".

أحكي له كيف تعرضت أفلام شركة "مارفل" للانتقاد في الماضي بسبب افتقارها إلى تمثيل مجتمع مثليي الجنس ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسياً. فيبدأ بإخباري قصة، "عندما صنعنا أول فيلم في سلسلة "المنتقمون"، أخبرني كيفن فيج [رئيس استوديوهات "مارفل"] "اسمع، قد لا أكون هنا غداً"، إذ كان سيتحدث إلى ديزني حول سبب عدم وجود أفلام بطولات خارقة نسائية، الموضوع الذي ناقشوه أثناء تحضير فيلم "ثور: راغناروك". ومضى قائلاً، "أنا أعرف أن [إيزاك بيرلماتر، أكبر مساهم في شركة ديزني في ذلك الوقت] لا يعتقد بوجود شخص يذهب لمشاهدة فيلم بطولة خارقة نسائي. لذا، إذا كنتُ موجوداً هنا غداً، فستعرفُ أنني فزتُ بتلك المعركة".

يشير روفالو إلى إن ذلك كان نقطة تحول بالنسبة لشركة "مارفل". ويوضح "لأن كيفن أراد أبطالاً خارقين من البشرة السوداء، وبطلات خارقات، وأبطالاً خارقين مثليي الجنس... لقد غيّر عالم "مارفل" بأكمله. نحضّر الآن لفيلم بطل خارق مثلي الجنس، ولدينا أبطال خارقون سود، ولدينا بطلات خارقات. بات فيلم سكارليت جوهانسون على وشك الظهور. لدينا "كابتن مارفل" ويصنعون نسخة أنثوية قادمة من "هالك". لا يوجد استوديو آخر في هذا المستوى من التنوّع الشامل". ويبتسم متابعاً، "على كل حال، يتوجب عليهم القيام بذلك. فهذا هو العالم اللعين".

( فيلم "مياه داكنة" بدأ عرضه في دور السينما في بريطانيا الجمعة 28 فبراير (شباط) 2020 )

© The Independent

المزيد من سينما