Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"هاتف بيل"... هكذا تواصل العالم زمن "الإنفلونزا الإسبانية"

 ربط البعض بين الاختراع والوباء المنتشر عام 1918... وتميز بلم الشمل دون إغراق العالم بالمعلومات المزيفة كما حدث في كورونا

بدأت جهود غراهام بيل البحثية في مجال نقل الأصوات منذ عام 1871 (أ.ف.ب)

من حلم الاتصال عبر الحدود والبحار والمحيطات، إلى محادثات التليفون الأرضي، إلى اتصالات محمولة، وكابلات مغموسة تهز عرش قواعد الاتصال الأولى، وتعصف بها، وتزعج مبتكرها ومبتدعها "ألكسندر غراهام بيل" بمرقده في نوفا سكوتيا شرق كندا، التي هاجر إليها من مسقط رأسه في اسكتلندا، وكان قد أنجز الجانب الأكبر من أحد أهم اختراعات القرن العشرين.

قشور القمح

غراهام بيل، المولود في مدينة إدنبرة عاصمة اسكتلندا في 3 مارس (آذار) عام 1847، كان مفتوناً بآليات الكلام منذ كان طفلاً. في سن الـ12 عاماً، اخترع جهازاً صغيراً لا علاقة له بالكلام، بل بإزالة قشور القمح على نحو أسرع مما كان، ما ساعد في تقنية زراعته وحصاده. وفي سن الـ16، بدا تماماً أنه غارق حتى أذنيه في مجال الكلام وآلياته. ورغم أنه لم يكن متفوقاً في مراحل التعليم، فإنه كان مبتكراً علمياً.

ويبدو أن الكلام وعدم الكلام كانا المحرك الرئيس له، سواء من حيث الاهتمام، أو الرغبة في الاستكشاف أو الابتكار أو كل ما سبق، إذ كان والد "بيل" وجدّه، متخصصين في الخطابة. وأثناء عمله في الولايات المتحدة الأميركية، طور نظاماً ابتدعه والده لتعليم الأطفال الصم يسمى "الكلام المرئي". واعتمد النظام على مجموعة رموز تمثل أصوات الكلام.

وفي عام 1872، دشّن مدرسة متخصصة في فسيولوجية الأصوات وآليات الكلام لتدريب الصم على التحدث. ومضت إنجازاته تتواتر وتتسارع. حين بلغ سن الـ26 كان قد أصبح أستاذاً في فسيولوجيا الصوت والكلام، بعدما ضم المدرسة التي أسسها لجامعة بوسطن رغم أنه لم يكن حاصلاً على شهادة جامعية.

وتتدخل الأقدار مجدداً لتثبّت أقدامه وتقوّي اهتماماته بالكلام. إذ وقع في غرام إحدى طالباته وهي مابل هوبارد، وكانت صماء. وتكلل الحب بالزواج لينجبا أربعة أبناء، توفي منهم اثنان في مرحلة مبكرة.

 

نقل الأصوات

وكانت جهوده البحثية في مجال نقل الأصوات بدأت منذ عام 1871، حين بدأ العمل على جهاز يسمح بنقل رسائل عدة في وقت واحد عبر الأسلاك، وهو ما سمّي بـ"التلغراف التوافقي". لكنه أيضاً كان مهتماً بفكرة نقل الأصوات البشرية عبر الأسلاك أيضاً.

وبعد أربعة أعوام من البحث والتفكير والابتكار توصل وشريكه توماس واتسون إلى ابتكار جهاز بسيط يحول الكهرباء إلى صوت. ولحسن الحظ أن بيل تعرف إلى واتسون، الميكانيكي الذكي والماهر في صناعة النماذج وتركيبها، إذ تمكن من تصنيع وتركيب الجهاز الذي يعتبر اللبنة الرئيسة للهاتف كما نعرفه اليوم.

وكان يوم تسجيل براءة الاختراع درامياً، إذ يبدو أن الفكرة التي كان يعمل عليها بيل وشريكه واتسون كان يجري تجربتها من قِبل آخرين أيضاً. ومن ضمن هؤلاء شخص إيطالي أميركي يدعى أنطونيو ميوتشي، وآخر أميركي اسمه إليشا غراي، وكان يعمل مهندس كهرباء.

وفي اليوم الموعود الموافق 7 مارس (آذار) عام 1876، ركض بيل وواتسون إلى مكتب براءات الاختراعات ليكونا في أول الطابور ويحظيا بحقوق الابتكار برقم (174165). ويبدو أنهما كانا أول من وصل بالفعل، إذ كانت براءة الاختراع من نصيب بيل. وبعد أيام قليلة، سجل تاريخ المكالمة الهاتفية الأولى التي أجراها الأخير متصلاً بشريكه، وجاء نص المكالمة، "سيد واتسون. تعالى هنا. أريد أن أراك"، وهي الكلمات الأشهر في تاريخ الهاتف.

الربط الهاتفي

وفي مثل هذه الأيام في أبريل (نيسان) عام 1877، تم الربط الهاتفي بين ورشة عمل شخص يدعى تشارلز ويليامز جونيور في بوسطن ومنزله بـ"سومرفيل" في ماساتشوستس، بالعنوان الكائن في 109 شارع كورت بـ"بوسطن"، وهو العنوان الذي شهد تجربة بيل وواتسون الهاتفية الأولى. وأصبح الهاتفان هم الهاتف رقم "واحد" ورقم "اثنان" في شركة "بيل للهواتف". وخلال عام واحد، كان قد تم تجهيز الوحدة الأولى لتبادل الاتصالات الهاتفية في ولاية كونيتيكيت. كما أسس شركته للهواتف، واحتفظ لنفسه بثلث الأسهم. وأصبح رجلاً بالغ الثراء في خلال أشهر معدودة.

 

هيلين كيلر

وفي عام 1880، حصل بيل على جائزة "فولتا" الفرنسية تقديراً لاختراعه الفذ. واستخدم المبلغ المالي الذي حصل عليه ليؤسس مختبراً علمياً يحمل اسم "فولتا" في واشنطن، ومضى قدماً في أبحاثه وتجاربه بمجالات طبية مع الاحتفاظ بولعه في تعليم الكلام للصم. كما أن له فضلاً كبيراً على الأديبة والناشطة والمحاضرة الشهيرة هيلين كيلر، وهي من أشهر الصم والبكم والمكفوفين بالعالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشار إلى أن أهل كيلر حين عرضوها على طبيب وهي في السادسة من عمرها، نصحهم بالتوجه إلى بيل، الذي نصحهم بدوره بضرورة إلحاقها بمعهد "بركينس" لفاقدي البصر. وتحوي مكتبة الكونغرس الأميركية رسائل أرسلتها كيلر إليه تشكره فيها على ما قدمه لها من نصائح، وتخبره بتقدمها وقدرتها هي الأخرى على الابتداع والابتكار، لا سيما في المجالات الخاصة ببرامج مساعدة المكفوفين.

واصل "بيل" تجاربه العلمية والعملية في مجال الاتصالات والكلام، وتمكن من نقل الصوت الضوئي عبر شعاع، وهو ما مهد الطريق لمجال أنظمة الألياف الضوئية المعروفة حالياً. وعلى الرغم من أن ابتكاراته شملت أجهزة وأدوات في مجالات المركبات الهوائية والمائية والتلغراف والعديد من الأدوات الطبية، حتى أنه أسس "الجمعية الجغرافية الوطنية" عام 1888، فإن اسمه يبقى مقترناً بالهاتف الذي نعرفه اليوم.

انقراض الهاتف الأرضي

واليوم، وبينما يجد الهاتف الأرضي نفسه معرضاً للانقراض تارة، والتقليل من الأهمية والمكانة تارة أخرى، يأخذ البعض على عاتقه مهمة الدفاع عنه وعن استمرار وجوده في عالم باتت الهواتف المحمولة تسيطر عليه، وتنظر إلى قرينها الأرضي بكثير من الفوقية. آلاف الموضوعات الصحافية يتم تخصيصها لسرد محاسن الهواتف الأرضية، التي لا تحتاج شحناً كهربائياً، أو تسبب مشكلات صحية، أو تؤجج عوائق الانفصال الأسري حيث الجميع مختبئاً خلف شاشته وغيرها.

 

ومن المثير أن يتم الدفع بغراهام بيل إلى واجهة النقاشات الدائرة في خضم الحظر المفروض على مليارات البشر حول العالم بفعل كورونا. كثيرون يقارنون بين وضع المعزولين والمحظورين عام 2020، حيث الغالبية غارقة حتى أذنيها في طوفان معلوماتي تيسره الهواتف المحمولة، ويحذر البعض من الإفراط فيه، وبين وباء "الإنفلونزا الإسبانية" عام 1918 أي قبل 102 عام. وقتها تم إغلاق منافذ الحياة من مدارس ومحال، وتم فرض حظر على الزيارات والتحركات، وتوقفت الملايين عن الذهاب لأعمالهم بفعل الوباء. لكن ما خفف عن المعزولين حينئذ كان "هاتف بيل"، حيث القدرة على متابعة قدر من التواصل الاجتماعي، والبقاء على قيد الاتصال بالعالم الخارجي، مع طلب المساعدة وقت الحاجة. ولكن الميزة أن اختراعه لم يُغرق مستخدميه في تسونامي المعلومات الموثقة والمفبركة والتحليلات الشعبية والتكهنات الخيالية وغيرها. وكان يتم التسويق له باعتباره ميزة كبرى لمن أُجبروا على الانعزال. يقول نص إعلان منشور في صحف عدة، "الأشخاص المضطرون للحجر الصحي ليسوا معزولين إذا كان لديهم هاتف بيل. آلو".

يبقى القول إن "آلو"، أو "هالو"، هذه الكلمة الأممية التي يستخدمها مليارات البشر كلما ردوا على اتصال هاتفي. يشير قاموس "أوكسفورد" الإنجليزي إلى أن الاستخدام الأول لها يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وكانت تستخدم لجذب انتباه شخص ما لسؤاله عن شيء أو الحديث معه، وليس بغرض التحية. ولم تصبح "هالو" كلمة يراد بها الترحيب بالآخر إلا بوصول "هاتف بيل".

ويشير القاموس إلى أن شريك بيل توماس واتسون هو من غيّر مسار "هالو" لتصبح كلمة ترحيب عبر الهاتف، وحث الآخرين على استخدامها في مطلع المكالمة. أما بيل، فكان يعتقد أن كلمة "آهوي" (Ahoy) أفضل، لكن المتصلين مالوا إلى "هالو" المتحولة عربياً إلى "آلو"، التي انتقلت بدورها إلى الاستخدام بالهواتف المحمولة.

وبحسب موقع "ستاتيستا"، (بوابة ألمانية عنكبوتية معروفة في مجال الإحصاءات والأرقام الدولية)، فإن عدد الهواتف الأرضية حول العالم يتناقص باستمرار، ووصل عام 2019 إلى نحو 931 مليون هاتف أرضي. بينما بلغ عدد الهواتف المحمولة أقصاه عام 2008 حين كان هناك بليون و249 هاتف محمول، ثم بدأت الأعداد في التناقص أمام زحف التقنيات الرقمية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات