Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في مناطق القبائل بالجزائر... سلطات عرفية تواجه كورونا

"العزابة" و"ثاجماعت" تدير القرى وتنظم المساعدات والحجر الصحي

متطوعون في منطقة القبائل بالجزائر يعقمون السيارات (اندبندنت عربية)

لا يكفي القانون وحده في مناطق جزائرية لتنظيم الحجر الصحي. هنا، يتدخل العرف والمشيخة في إقرار نظام صحي منذ شهدت البلاد أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا في نهاية فبراير (شباط) الماضي. نظام "العزابة" في محافظة غرداية الأمازيغية (600 كلم جنوب العاصمة) و"ثاجماعت" في منطقة القبائل (شرق العاصمة) يشكّلان سلطة معنوية للسكان.

ومع مرور أيام الحجر الصحي الذي أقرّته السلطات الجزائرية في 24 مارس (آذار) الماضي، توجهت محافظات إلى إقرار قواعد صحية إضافية يُعتقد أنها حقّقت استجابة أكبر لدعوات الحجر الطوعي.

وتنتقد الجزائر الرسمية "عدم انضباط" جزء كبير من المواطنين خارج ساعات الحجر المنزلي الإجباري، فقد طالبهم الرئيس عبد المجيد تبون قبل أيام بـ"انضباط أكبر" لمحاصرة وباء كورونا في بلاده، مشيراً إلى أن الإجراءات التي اتّخذتها الحكومة حتى الآن "كافية وعقلانية وتحتاج إلى استجابة السكان من دون اللجوء إلى حجر كلي، إذا تطلّب الأمر".

"العزابة" لتنظيم الحجر في غرداية

تتمسّك منطقة غرداية، جنوب الجزائر، بنظام اجتماعي صارم يتولى مجلس "العزابة" إدارته من دون أي تعارض مع قوانين الدولة.

ومجلس "العزابة" هو أعلى هيئة دينية في غرداية (محافظة يسكنها ميزابيون أمازيغ)، فيما المنتسبون إليه هم علماء وأئمة وأهل رأي يتولّون الإشراف على الشؤون الدينية والتعليمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الإباضي.

ونظراً إلى تعقيدات الوضع الصحي في البلاد وصعوبات تسيير مرحلة الحجر، عاد مجلس "العزابة" إلى لعب دوره المجتمعي، فقد كان وراء إقرار عدد من الإجراءات منذ البداية تتّصل بتنظيم التجارة المحلية وفتح المساجد وتأجيل الأفراح وغيرها.

تنسيق ومبادرات

يذكر الأستاذ الجامعي المنتسب إلى قصر بونورة في غرداية حسين حني (المدينة تضم سبعة قصور وكل قصر يمثل أحد العروش السبعة) لـ"اندبندت عربية" أن "الهيئات العرفية في وادي ميزاب سارعت إلى إصدار قرارات جريئة عقب إعلان السلطات تفشّي الجائحة في البلاد، وهي القرارات التي تأخذ في الغالب الطابع الإلزامي على المجتمع، نظراً إلى سلطة تلك الهيئات عليه ويقابل هذا ولاء الأخير التام لها".

ويشير حني إلى أن "مجلس الشيخ با عبد الرحمن الكرثي، وهو الهيئة العليا لأعيان عشائر وادي ميزاب، أعطى توجيهات إلى القصور بضرورة أخذ هذا الموضوع على محمل الجد، وإنشاء خلية أزمة على مستوى كل قصر مع إلزام المواطنين باتّباع التعليمات والتوصيات التي تصدرها السلطات المركزية والمحلية بحسب ظروف كل قصر".

وينسّق المجلس مع السلطات الرسمية المحلية على مستوى الولاية ومركزياً، "من أجل التأكد من التزام المواطنين وتوعيتهم بخطورة الجائحة وتوفير الوسائل اللازمة لمواجهتها، خصوصاً في ما يتعلق بتأمين ما يمكن جمعه من مستلزمات للمستشفيات والمراكز الصحية المختلفة، إضافةً إلى هيكلة الطاقم الطبي ووضعه تحت تصرف الجهاز المعني، والمساهمة مع المجتمع المدني في عملية إحصاء الأسر المعوزة، والسهر على إيصال المواد الغذائية الأساسية لها، ناهيك عن تنبيه المواطنين إلى خطورة عدم الالتزام بقواعد السلامة التي أقرتها السلطـات الرسمية من أجل تجاوز هذه الجائحة".

الإفتاء ضد إخفاء كورونا

ويكشف حني أن مجلس عمي سعيد، وهو الهيئة الدينية العليا لقصور وادي ميزاب، "أوصى من بدايات الأزمة الصحية بإغلاق دور العشائر والأفراح ومنع التجمعات في مختلف المناسبات مع إلزام أصحاب الأمراض المزمنة وضعيفي المناعة بالمكوث في بيوتهم وعدم مخالطة الآخرين مهما كانت المبررات"، وإلغاء "كل الأنشطة الثقافية والشبانية، وتعليق صلاة الجمعة والجماعة في المساجد والمصليات الإباضية، تنفيذاً لقرار وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، إضافةً إلى تعليق الدروس المسجدية والحث على تلاوة القرآن والختمات في البيوت".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتبر مجلس عمي سعيد أن "من يعلم بإصابته بكورونا أو يشك في إصابته، يتحمّل وزر ما يسبّبه ذلك بأذى على الأبرياء"، داعياً المواطنين عبر مختلف مدن الوطن إلى لزوم إقامتهم وعدم التنقل إلّا للضرورة قصوى، تقليلاً لأسباب انتشار العدوى في ما بينهم، مع تجنب التجمعات في مختلف الأماكن العامة".

"ثاجماعت" تنظم مداخل القرى

لا يختلف الوضع كثيراً في منطقة القبائل حيث تفرض "ثاجماعت" (هيئة تحظى بسلطة محلية طاغية، وتعني بالأمازيغية الجماعة العربية) قواعد صارمة تتجاوز في بعض الأحيان صرامة القانون المنظم للحجر الصحي.

برز دور "ثاجماعت" في أيام الحجر الصحي مع تسيير شؤون القرى وتنظيم المبادرات لمساعدة المحتاجين، بناء على قرارات تُتَّخذ في اجتماعات دورية.

يلاحظ الصحافي المتابع لعمل هيئات "ثاجماعت" إسماعيل بوفليح في حديث مع "اندبندت عربية" أن "دور هذه الهيئة تضاعف في قرى منطقة القبائل، بدايةً من تطوع شباب يقفون عند مداخل القرى في مهمات رقابة الحركة وتعقيم المركبات وإرشاد السائقين بالإجراءات، وتحظى الهيئة بسلطة منع الوافدين من مغادرة القرى وإلزامهم الحجر لفترة لا تقل عن 14 يوماً".

يتابع بوفليح "تُقرّ هذه الهيئة المعنوية منع التجمعات داخل القرى وتتكفّل بالأسر المعوزة، وأعدّت جردة بأصحاب الدخل اليومي من المهنيين من أجل دعمهم مادياً ومساعدتهم بمنح أو مواد غذائية وحاجاتهم الضرورية مقابل التزامهم قواعد العزل".

ولعل صرامة "ثاجماعت" في مراقبة العزل الصحي في القرى البعيدة في محافظات منطقة القبائل كان وراء إلغاء الزيارات العائلية.

وتروي الطبيبة النفسية فريال عبيدي لـ"اندبندنت عربية" أن "والدي حاول إقناع هيئة القرية بالسماح لنا بزيارة جدتي في قرية بتيزي وزو، لكن ردّ الهيئة كان بالسماح بالدخول لكن مع فرض حجر علينا لمدة أسبوعين قبل السماح لنا بالخروج".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات