Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أثار احتمال العهدة الخامسة للرئيس الجزائري أكبر الاحتجاجات خلال 30 عاماً

"استسلم رجال الشرطة وربما تعبوا ولكن الحشد كان صامداً في شكل ملفت"

متظاهرون في الجزائر ضد ولاية خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. (روتيرز) 

ألقت البهجة وهواجس الخوف بظلها على أجواء العاصمة الجزائرية مع دخول المتظاهرين وسط المدينة بعد منتصف ليل الاثنين. كان هنا طلاب وعمال، نساء شابات متدينات محجبات، ويساريون علمانيون يرتدون قبعات رياضية. آلاف المتظاهرين من جميع مشارب الحياة طالبوا بنهاية 20 عاماً من حكم الرئيس الجزائري المريض عبد العزيز بوتفليقة، البالغ من العمر 82 سنة، بعد ساعات من إعلانه الترشح لولاية خامسة على التوالي في 18 أبريل (نيسان) المقبل.

وهتفوا "هذه جمهورية، وليست مملكة".

كانت قوات الأمن الجزائرية المدجّجة، وهي مدربة تدريباً عالياً، تقوم بالحراسة. بعض المتظاهرين انتابهم القلق عندما دخلوا ساحة أول مايو في قلب العاصمة الجزائر. في البداية، بدت الشرطة وكأنها تسدّ الطريق، لكن عند حوالي الساعة الواحدة والنصف رضخت وسلّمت المتظاهرين مقاليد الميدان.

أبلغ أحد المحتجين "الاندبندنت" "استسلمت الشرطة. تعبوا، وكان الحشد صامداً في شكل ملفت".

 

غالباً ما يتظاهر الجزائريون، لكن موجة الاحتجاج التي دامت أسبوعين ضد العهدة الخامسة لبوتفليقة والتي اندلعت في ربوع البلاد، هي ربما أكبر تحدٍ سياسي للنظام المعقّد في البلاد منذ 30 عاماً.

 ويوم الأحد، تعهد الرئيس بوتفليقة، القعيد على كرسي متحرّك والذي يخضع حالياً لعلاج طبي في سويسرا، في بيان بالبقاء على كرسي الرئاسة سنة إضافية، وإعداد إصلاحات دستورية ثم التنحي والدعوة إلى انتخابات مبكرة.

وقالت الرسالة التي قرأها مدير حملته "نمت إلى مسامعي وكلي اهتمام هتافات المتظاهرين عن آلاف الشباب الذين خاطبوني في شأن مصير وطننا".

لكن القليل هم من يثقون بكلام الرئيس وحاشيته. وقام بوتفليقة بتغييرات دستورية قبل عقد من الزمن ليتسنّى له الترشح لولاية ثالثة، ووعد قبل خمس سنوات بتغيير الدستور وتسليم السلطة للجيل الشاب، وهو ما لم يفعله قَطُ.

نزل المتظاهرون إلى الشوارع من جديد يوم الاثنين، حيث تدفّق المئات إلى وسط مدينة قسنطينة ومدن أخرى.

 تاريخياً، كانت احتجاجات الجزائر تتعلّق بأشياء ملموسة يمكن الحكومة أن تستجيب لها، مثل الصرف الصحي والمياه والكهرباء، كما قال جيفري بورتر، وهو زميل كبير ومتخصص في شمال أفريقيا في ويست بوينت والرئيس التنفيذي في مركز "شمال أفريقيا لاستشارات المخاطر". "مدار هذه الاحتجاجات هو النظام. ومن الصعب على الحكومة تعديل النظام السياسي بطريقة ترضي المتظاهرين وتهدّئ مخاوفهم".

تهيمن على النخبة السياسية في البلاد شبكات متنافسة من مسؤولي الأمن وسياسيين متجذّرين في جبهة التحرير الوطني الحاكمة، وهي أخرجت الفرنسيين من البلاد في الستينيات، وصارت النخبة هذه بعيدة من الواقع، يرى بعضهم أنها فاسدة وغير كفؤة.

الجزائر هي أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة، وهي عملاق غنيّ بالنفط والغاز، ولديها واحد من أكثر الجيوش حداثة في العالم النامي، وهي شريك أمني مهمّ في كثير من الأحيان بالنسبة إلى الغرب، وبخاصة في مجال مكافحة الجماعات المتطرّفة في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.

وأبدى شركاء الجزائر الدوليون اهتمامهم بالاحتجاجات. وقال الوزير الفرنسي، ديدييه غويوم، في مقابلة تلفزيونية: "فرنسا تتابع عن كثب ما يحدث في الجزائر... يشبه الأمر ما جرى في بلدان أخرى، مثل تونس أو مصر. نحن في حاجة إلى أن تكون هذه المنطقة هادئة ومستقرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن المشاكل كانت تختمر في الجزائر منذ سنوات. على الرغم من موارده، إلا أن أداء هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 41 مليوناً على المستويين الاقتصادي والدبلوماسي لا يرقى إلى مصاف مكانته. فهو فشل في استثمار عائدات الطاقة في قطاعات صناعية يمكن أن توفر فرص العمل لشبابه اليافع. وعوض ذلك، توزّع الأموال لضمان الولاء للدولة. وتبلغ نسبة البطالة حوالي 12 في المئة فيما تقدر بطالة الشباب بـ 30 في المئة.

ويحذّر محلّلون من أن الحالة الاقتصادية للبلاد على وشك أن تتفاقم جراء سوء الإدارة الذي يؤدي إلى زيادة استهلاك الغاز محلياً وانخفاض عائدات الدولة. وتوقّعت شركة فيتش سوليوشنز، وهي شركة استشارية في لندن، في مطلع هذا العام، أن ينخفض ​​معدل النمو السنوي في الجزائر من حوالي 2.5 في المئة، إلى 1.25 في المئة في السنوات القليلة المقبلة، ما لا يكفي لتوظيف الشباب الذين يدخلون سوق العمل.

الاستياء من النخبة الحاكمة يتّسع ويتعمّق في وقت تغيب ثقة كثير من الشباب والطلاب والطبقة الوسطى المتخبطة، في قيادة البلاد. وفي السنوات الأخيرة، شددت السلطات الجزائرية القيود على الصحافيين الأجانب الذين يزورون البلاد، وبالتالي، ليس عدد التقارير المستقلة كبيراً، إن وجدت أصلاً، أي تلك التي تتناول أوجه ومدى ارتباط المحتجين بالشعور بالضيق في شكل عام في البلد.

الاحتجاجات قد تشير كذلك إلى تباين بين الأجيال. فالجزائريون خرجوا إلى الشوارع مطالبين بتغيير سياسي في أواخر الثمانينيات، ما أدى إلى انفتاح ديمقراطي قصير الأمد أعقبه قمع الجنرالات للتيار الإسلامي الصاعد ثم الحرب الأهلية الكارثية في تسعينيات القرن الماضي التي لا تزال تقضّ مضجع البلاد. وقد يكون هذا وراء تردد كثير من الجزائريين في المشاركة في الاحتجاجات التي تزامنت مع انتفاضات الربيع العربي قبل ثمانية أعوام. وتظهر مقاطع فيديو الاحتجاجات، نُشرت على الإنترنت في الأيام الأخيرة، مئات الجزائريين في مقتبل العشرينيات من العمر ممن لم يعيشوا أبداً أهوال التسعينيات.

لكن روح اللامبالاة التي تسري في التظاهرات الأخيرة تخيف بعض الجزائريين الأكبر سناً الذين تأثروا بالحرب الأهلية التي خلفت مئات الآلاف من القتلى.

"بوتفليقة مكانش عهدة خامسة" هو أحد شعارات المحتجين. "حتى لو تجيب الكوماندوس وتزيد القوات الخاصة".

حتى الآن، يبدو أن الجزائريين من مختلف الأطياف السياسية يؤيدون الاحتجاجات. يوم الاثنين، استقالت مذيعة الأخبار نادية مداسي فجأة إثر مزاعم بالرقابة عليها، فيما دعا حقوقيون وأطباء إلى إضرابات. وقد يكون تحرك العمال في قطاع الطاقة عاملاً حاسماً.

الوزير السابق سيدي فروخي استقال الاثنين من عضوية البرلمان ومن حزب جبهة التحرير الوطني وذلك في تدوينة على فيسبوك في خطوة اعتُبرت بادرة تضامن مع المتظاهرين.

لكن كثيراً من الجزائريين قد يأنفون من الأمور إذا انزلقت الاحتجاجات إلى العنف سواء عنف المتظاهرين أو قوات الأمن. وباستثناء تونس المجاورة، قلما أدت الاحتجاجات في أنحاء العالم العربي إلى انفتاح ديمقراطي – بل غالباً ما أدت إلى مزيد من البؤس مهما كانت النتيجة.

ومع ذلك، تتمتع الجزائر بنظام سياسي أكثر مرونة وتعددية من الأنظمة الأوتوقراطية العربية الأخرى. ففيها صحافة حرة نسبياً وتسمح بهامش من حرية التعبير. يقال إن نحو 20 شخصاً ترشحوا إلى الرئاسة، على الرغم من أن أياً منهم لا يتمتع بشعبية كبيرة أو سيتمكن من حشد موارد الدولة مثل بوتفليقة.

أعلن علي بن فليس، رئيس الوزراء السابق الذي صار زعيم معارضة بارز، يوم الأحد أنه لن يترشح وقدم بدلاً من ذلك خريطة طريق للتغيير السياسي من خلال تأجيل الانتخابات حتى أكتوبر (تشرين الأول) وتشكيل "حكومة تكنوقراطية مستقلة مهمتها تنظيم انتخابات رئاسية وتسيير الشؤون المعتادة للدولة".

لا تعود القيادة في الجزائر إلى شخص واحد فحسب بل تعود كذلك إلى شبكة متشابكة من القادة السياسيين والعسكريين ورجال الأعمال. وحتى لو وافق بوتفليقة على التنحي، يبقى من غير الواضح من يمكنه كسب ثقة المتظاهرين والنخبة الحاكمة، على حد سواء. ويقول بورتر "هناك مجموعة محدودة من المرشحين المؤهلين لإدارة الجزائر". وهذا التجمع المحدود، بطريقة ما مرتبط بالنظام السياسي الحالي".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات