Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القراءة التشاركية أكثر متعة أثناء الحجر المنزلي

مكتبات تفتح رفوفها أمام الناس مجاناً

قراءة الكتب ومناقشتها تساعد على تجاوز العزلة (pixabay)

لطالما كانت القراءة إبحاراً خاصاً كلّ بمركبه بحمولته الثقافية وخلفياته الاجتماعية والنفسية. ولكن للقراءة التشاركية نكهة مختلفة، أكثر تنوعاً وعمقاً وأفقاً.

في فيلم "نادي كتب جاين أوستن"، تقوم سيدتان بإنشاء ناد لقراءة كتب الروائية الإنجليزية جاين أوستن لمساعدة صديقتهما في تخطي صدمة ترك زوجها لها، وما يلبث أن تنضم إلى النادي سيدات أخريات وشاب يقرأون ويناقشون فصولاً من روايات أوستن ويسقطونها على حياتهم، ويتخطون جميعاً كل بطريقته جروحهم وأزماتهم، حتى لتبدو هذه القراءة علاجاً روحياً.

نوادٍ وصالونات

انتشرت نوادي المطالعة وتجمّعات القراء ونوادي الكتب منذ زمن بعيد، واختلف شكلها وطرق تنفيذها. فقبل الميلاد وفي عصر فلاسفة اليونان مثل سقراط وأرسطو وأفلاطون كانت المناقشة في تجمعات حول أسئلة الحياة شائعة جداً، إيماناً بقدرة النقاش وتبادل وجهات النظر على تطوير أي فكرة ومشاهدتها من منظور مختلف.

وأنشأ بنجامين فرانكلين وأصدقاؤه نادياً للكتاب في فيلادلفيا عام 1727 واستمر حوالى 40 عاماً. وكان منصة للعديد من المشاريع من مكتبة عامة وجامعة ومستشفى، إضافة إلى كونه نادياً لتبادل المعلومات السياسية والطبية والاجتماعية وقضايا حقوقية من منطلق التجارب الشخصية.

القراءة التشاركية اليومية

تقول مي حداد إنها ورثت من والديها شغف القراءة معاً، كان الأب يقرأ يوماً والأم يوماً آخر ويتوقفان ويناقشان إلى أن ينتهي الكتاب. وأنهما قلما توقفا عن القراءة التشاركية التي كانت تخفف من حدّة الحروب التي عاشاها أولاً ومن مرارة الغربة واشتياقاتها. لكن حداد تقرأ وزوجها كلّ على حدة، ثم يتناقشان، وليس بشكل يومي لكنهما يحاولان قدر الإمكان الإلتزام بحوالى 10 كتب تشاركية كل عام. وتعتبر أن هذا التواصل الفكري جعلهما متقاربين أكثر. وأنهما الآن في أثناء الحجر المنزلي يحاولان تعويض القراءة قدر الإمكان، أحياناً تشاركياً وأحياناً منفردين.

عدد من الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي تقترح كتباً للمناقشة، ويقتصر النقاش على وضع آراء عامة في الكتب المقترحة.

قتل الوحدة

قد تكون من بعض نتائج الحجر الصحي الإيجابية هي العودة إلى نشاطات وهوايات كان الوقت يلتهمها لدى كثيرين. بعض الأشخاص يعتبرون أنها فترة جيدة وفرصة ممتازة للمطالعة. جنان خشوف اعتبرتها فترة مناسبة لإرساء تواصلٍ فكري مع أشخاص تحبهم عن طريق القراءة التشاركية.

وخشوف هي مديرة الموارد البشرية في جمعية دولية، لديها روايتان، "حبة الخلاص" وتتحدث عن امرأة عاملة وأم لابنتين، تعاني من أزمة منتصف العمر وتروي حياتها اليومية في العمل والحياة والأسئلة الوجودية والاكتئاب والسياسة.

أما رواية "مسدس سلف" فتتحدث عن إخوة مختلفين بشخصياتهم من تحرر إلى تحفظ إلى طيبة، والقصة تدور حول أختين بعد موت شقيقهما وهو يقاتل في سوريا، والأسئلة الكبيرة عن الموت والاستسلام والإخوة.

عن فكرة إنشاء مجموعة تقرأ وتناقش وتتشارك، تقول خشوف لـ "اندبندنت عربية"، إن يومها قبل الحجر المنزلي كان مليئاً بالعمل، لذا فبعد أسبوع شعرت بوحدة رهيبة على الرغم من العمل من المنزل، فأرادت تطبيق أمر تحبه مع أشخاص تحبهم. وكانت فكرة نادي الكتاب تلوح دائماً في مخيلتها من دون أن تستطيع تطبيقها، ولم تكن الحاجة ملحّة في ظل اللقاء الدائم بالأصدقاء. وعندما أخبرت إحدى الصديقات بالفكرة، شجعتها على المضي قدماً وإن بعدد أشخاص قليل. فبدأ المشروع بأربعة أشخاص، ثم كبرت الدائرة وأصبح النادي يضم 17 شخصاً.

إختارت خشوف نخبة من المقربين وأخبرتهم بالفكرة التي تنطوي على اختيار قصتين يقترحها المشاركون. ومن لديه الوقت الكافي يقرأ كل أسبوع قصة، ومن لا يسعفه وقته يقرأ واحدة خلال الأسبوعين. والمناقشة تتم عبر تطبيق سكايب، مساء كل يوم جمعة. تختار المجموعة الكتب باللغة العربية أو مترجمة إليها، على أن تكون خفيفة، لأن الوضع النفسي للناس لا يحتمل فلسفة وتعقيداً.

خلال النقاش، يبدأ كل شخص بإبداء انطباعاته العامة عن الكتاب لمدة دقيقتين تقريباً، ثم تعرض أكثر المقاطع تأثيراً بكل شخص، ويقرأون بعضها ويخبر كل شخص عما عنت له، حيث يظهر التفاوت في الآراء.

وتعمل خشوف على استضافة الروائيين لتقديم مزيد من المعلومات عن الرواية ومناقشة كاتبها.

علاج غير مباشر

ماهر عنداري تعرّف إلى المجموعة من خلال مؤسستها جنان خشوف، وهما صديقان قديمان يحبان مطالعة الكتب السياسية والاجتماعية، ويعتبر أنها فرصة جيدة للقراءة والمناقشة، بخاصة أنه في الأيام العادية يقرأ الكتاب وحده وغالباً من دون فرصة التحدث عنه أو مناقشته.

يقول إن المبادرة جميلة، مشيراً إلى أنهم قرأوا وناقشوا كتاب "تاكسي"، وكتاب لرضوى عاشور، ورواية يابانية بعنوان "غرفة مثالية لرجل مريض" ستناقش الأسبوع المقبل.

ويوضح عنداري أن النقاش يضيف لكل شخص، فيعطي وجهة نظره ويستمع إلى وجهات نظر الآخرين، ويتبادلون الأفكار. ويضيف أن الأمر فيه متعة كبيرة حتى لو كان عبر سكايب، حيث يتركز النقاش حول الكتب، بينما يناقش المجتمع اليوم مسائل أخرى.

ينصح عنداري بالنشاطات التشاركية من أجل قضاء وقت يكون بمثابة علاجٍ غير مباشر من هذه الأزمة.

التنويع في المحتوى

بيان عيتاني انضمت إلى مجموعة القراءة خلال فترة كورونا، فأحبت أن تخوض هذه التجربة للمرة الأولى، بخاصة أن الكتاب كان ينتهي لديها عندما تنتهي من قراءته، واعتبرت أن التجربة ستجعلها تنوّع أكثر في ما تقرأه.

تقول عيتاني إنها عادة إذا لم يعجبها كتاباً ما فإنها تتوقف عن قراءته، أما مع المجموعة فإنها تتحمس لإكماله حتى تشارك في النقاش. وتخبر أنها كانت قلقة عند مشاركتها للمرة الأولى، لكن المجموعة كانت سهلة التعامل وعفوية جداً.

تضيف "لا نتفلسف على بعض ولا نبالغ في التحليل"، فالكل يشارك انطباعاته ويضيء على النقاط التي أحبها ولفتت نظره سلباً وإيجاباً. الأمر الذي يعطي غنىً للتجربة بسبب تنوّع الآراء. تقول عيتاني إنها تعرفت إلى أشخاص يشبهونها في اهتماماتهم.

نحن قراءٌ ولسنا نقّاداً

سناء حاموش تحب هذا النوع من الأنشطة، والمطالعة لديها سلسلة متواصلة، لكن التجربة هذه أفضل برأيها. تقول "نحن لسنا نقاداً ولا محللين، نحن مجرد قراء نناقش انطباعاتنا الخاصة عن الكتاب". تعتبر حاموش أن كل من يقرأ كتاباً يبني علاقةً شخصيةً معه، بغض النظر عن إعجابه به أم لا.

تضيف أن الجيد في القراءة التشاركية هو الالتزام بالقراءة بسبب الارتباط بالمجموعة، والانطباعات الشخصية لكل قارئ تضيء على زاويا قد تكون فاتت شخصاً آخر، والاستماع إلى وجهة نظر قارئ آخر قد تبدل رأياً سلبياً بفكرة معينة. وتعتبر أن من حق الكتاب علينا أن نراه بشكل أوسع وأشمل، وهذا حق أيضاً للكاتب الذي أعطى وقتاً لإخراج هذا المنتج.

تعتبر حاموش أن التجربة هذه تعطي غنى أكبر وتفتح آفاقاً جديدة، لأخذ جميع نواحي وعناصر الكتاب بطريقة أشمل. فلا ينحصر الرأي في اللغة فقط، أو الفكرة بل بكافة التفاصيل.

وتضيف أنه في زمن العزلة هذه يكون هذا النوع من التواصل حقيقياً أكثر، لأنه تواصلٌ فكريٌ، والجسر هو الكتاب. وتعتبره إضافة يومية قيّمة ومهمة، لأن الكتاب يصل إلى عمق الإنسان، ويجعله "يتعرف إلى غيره، ويتعرف إلى نفسه أكثر".

مكتبات تفتح أبوابها

يذكر أن عدداً من المكتبات والشركات ودور النشر فتحت أرشيفها من وثائق ودراسات ومجلات، وكتبها المرجعية والأدبية والعلمية والترفيهية إلكترونياً لتكون بمتناول الناس عبر مواقعها الإلكترونية وتطبيقاتها أثناء الحجر المنزلي شبه العالمي، لإتاحة وقت مفيد ومثمر وممتع أثناء العزل. منها جامعة كامبريدج وجامعة أوكسفورد وأكاديمية JSTOR ومكتبة الإسكندرية وسواها.

المزيد من منوعات