Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصطفى الكاظمي بين رغبات طهران وواشنطن

تحديات كبرى في انتظار الحكومة العراقية المقبلة

بدا كرسي رئاسة الحكومة العراقية بمثابة محرقة لصاحبه إذ تقدم أربعة مرشحون لتولي المنصب ولم يمكث أي منهم طويلًا... اندبندنت عربية (علاء رستم)

في انتظار رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي ملفات معقدة عدة في ظل تدهور وضع الاقتصاد العراقي، وانتشار فيروس كورونا، فضلاً عن مطالبات الحراك الشعبي بعد انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأهمها محاسبة قتلة المتظاهرين، وملاحقة الفاسدين وإنهاء التأثير الخارجي على السياسية العراقية، وإبعاد البلاد عن الصراع الأميركي - الإيراني.

ولعل المطالبات بإنهاء النفوذ الإيراني في البلاد كانت من أبرز محركات الاحتجاجات العراقية، نظراً لسيطرة تلك القوى على ملف إدارة الدولة في ظل حكومة المستقيل عادل عبد المهدي، لكن مراقبين يرون أن الكاظمي لن يكون قادراً على حسم هذا الملف.

 فعلى الرغم من حصوله على إجماع معظم القوى السياسية، إلا أن ترشيحه للمنصب تم من قبل الجبهة القريبة من إيران، ما يثير تساؤلات عدة عن موقفه من تلك القوى والتعهدات المتبادلة التي ساهمت في إيصاله للمنصب.

تراجع في مواقف القوى الموالية لإيران

وبعد أشهر من الاتهامات التي صدّرتها القوى والفصائل الموالية لإيران للكاظمي بأنه مقرّب من الولايات المتحدة ومتواطئ في عملية اغتيال قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس "هيئة الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، عادت تلك القوى لتكون فاعلاً رئيساً في ترشيحه للمنصب، فيما يرى مراقبون أن هذا الأمر يثير تساؤلات كثيرة حول إمكانية أن يكون ترشيح الكاظمي للمنصب جرى بعد صفقة بين الطرفين، فيما يرجح آخرون أن يكون هذا التكليف قد أتى في محاولة إرسال رسائل طمأنة إلى واشنطن من قبل تلك التيارات.

في غضون ذلك، أعلنت الولايات المتحدة عن جائزة مقدارها عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للوصول إلى القيادي في حزب الله اللبناني محمد كوثراني.

وأوردت وزارة الخارجية الأميركية في بيان، أن "كوثراني تولى مسؤولية التنسيق السياسي للجماعات شبه العسكرية المتحالفة مع إيران"، مشيرة إلى أنه "بهذه الصفة كان يسهل تحركات الجماعات التي تعمل خارج سيطرة الحكومة العراقية والتي قمعت بشكل عنيف الاحتجاجات وهاجمت بعثات دبلوماسية أجنبية وشاركت في نشاط إجرامي منظم على نطاق واسع"، ما يعطي انطباعاً بأن الإدارة الأميركية ماضية بعملية استهداف حلفاء طهران خارج حدودها، بعيداً من كل التسويات السياسية المحتملة في العراق وغير مستجيبة لما حصل من تكليف للكاظمي.

ملفات شائكة

ولعل ما يعقد موقف الكاظمي أنه سيكون في مواجهة أزمات اقتصادية كبرى، حيث يتعدى عجز الموازنة العراقية حدود 45 مليار دولار، وترجيحات بعدم قدرة الدولة الإيفاء بالتزاماتها في ما يتعلق برواتب الموظفين، فضلاً عن معدلات الفقر والبطالة العالية في البلاد، التي كانت محفزاً رئيساً في انطلاق الاحتجاجات العراقية.

أما في الإطار الأمني، فإن حالة الصراع الأميركي – الإيراني مستمرة في العراق، حيث ستواجه الحكومة المقبلة ملفات شائكة أبرزها الوجود العسكري الأميركي، والموقف من منظومة صواريخ "باتريوت"، والتعاطي مع مطالب المحتجين، في ظل إمكانية عودة تلك الاحتجاجات مع انتهاء أزمة فيروس كورونا.

متغيرات وأزمات محتملة

في السياق ذاته، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن "إمرار التكليف لا يعني استمرار الدعم من كافة القوى السياسية الموجودة"، مبيناً أنه "بمجرد منح الثقة قد تطرأ متغيرات في عمل الدولة يصطدم بمصالح تلك القوى، بالتالي قد نشهد أزمات جديدة".

وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة هي ذاتها الأولويات، ابتداءً بأزمة فيروس كورونا والمشكلات الاقتصادية وتأمين الرواتب وحصر السلاح بيد الدولة، فضلاً عن ملاحقة قتلة المتظاهرين والعودة إلى مساحة التوازن".

وأوضح أن "بعض هذه الملفات قد يصطدم بمصالح حلفاء إيران في العراق، وحلحلتها متعلق بإمكانية توصل الكاظمي معهم إلى مساحة من التهدئة الداخلية".

وعن اختيار الكاظمي على الرغم من الاتهامات السابقة التي وجهتها القوى الموالية لإيران، بيّن الشمري أن "القوى القريبة من إيران أرادت اثبات قوتها السياسية بإبعاد الزرفي، فضلاً عن إيصال شخصية تتسم بالاعتدال يمكن من خلالها إعادة ترتيب الوضع العراقي داخلياً وخارجياً، وارسال رسالة تهدئة إلى واشنطن".

ولفت إلى أن "التحدي الأكبر هو الإعلان عن جائزة لمن يعطي معلومات عن محمد كوثراني، وهذا يؤشر إلى أن السياسة الأميركية في العراق بعيدة من مسألة اختيار الكاظمي الذي يوصف بأنه متوازن بين واشنطن وطهران".

وبيّن أن "أكبر التحديات التي ستواجه الكاظمي هو استمرار واشنطن بتوجيه ضربات لحلفاء إيران في البلاد ما قد يحوّل العراق إلى ساحة اشتباك مفتوحة، بالتالي قد تنهار كل الأولويات الأخرى أمام ذلك".

وختم أن "طموح المحتجين الأكبر هو تحقيق الانتخابات المبكرة ومحاسبة القتلة، والتلكؤ في تنفيذ المطالب يعني أن عودة الاحتجاجات ستكون أكبر من السابق"، مردفاً "قد يكون الكاظمي ملزماً في تنفيذ تلك المطالب".

صفقة بين طهران وواشنطن

في السياق ذاته، رأى الباحث والأكاديمي دياري الفيلي أن "هناك صفقة ما جرت بين الأطراف الممسكة بزمام الوضع العراقي، تحديداً طهران وواشنطن، لكن الخطر الحقيقي من أن يكون العراقيون شهوداً على تلك الصفقة وليسوا جزءاً منها".

وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، أن "التحدي الأكبر الذي يواجه الكاظمي، إمكانية قراءة عملية التواصل بين بغداد - طهران – واشنطن، واستثمارها لتأمين حاجات ومطالب العراقيين وتحديداً الحركة الاحتجاجية وانتاج منظومة مغايرة للحكم".

وأشار إلى أن "الحكومة المقبلة وظيفتها التهيئة لانتخابات مبكرة، التي ستكون مرهونة بكيفية إدارة التحديات الأخرى وعلى رأسها حصر السلاح بيد الدولة"، مبيناً أن "في حال خرج أي من تلك التحديات عن السيطرة لن يؤدي ذلك إلى تحقيق الانتخابات المبكرة".

رسالة مهمة

ولعل الملف الأبرز في ما يتعلق بتحديات الحكومة المقبلة، حصر السلاح بيد الدولة وكيفية التعاطي مع الميليشيات المسلحة الموالية لإيران، فيما يرجح مراقبون إلى أن اختيار رئيس جهاز أمني - استخباراتي يأتي في إطار حسم هذا الملف.

ولفت الفيلي إلى أن "وصول الكاظمي الذي ينتمي إلى منظومة أمنية استخبارية يحمل رسالة مهمة، وهي أن العراق بات يحتاج للتركيز على ملفات انفلات السلاح والقوى المسلحة التي تمارس دوراً أمنياً خارج سلطة الدولة، والحاجة لإنهاء هذا الملف".

ورجح أن يكون هناك سعي بين واشنطن وطهران للتهدئة في العراق وإعادة ترتيب الأوضاع في البلاد، مردفاً "حكومة الكاظمي هي عودة إلى القواعد التي أنتجت اللعبة السياسية بعد 2003 بين أميركا وإيران".

وأشار إلى أن "القوى الشيعية الرئيسية مجبرة على التقارب وإنهاء ملف رئاسة الوزراء، لأنها أدركت أن خلافاتها أدت إلى أزمات عدة"، أضاف أن "رهان الكاظمي يكمن في إدارة هذه الرغبة داخل القوى السياسية في التهدئة".

عودة التوافق السياسي

من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية خالد عبد الإله، إن "اتفاق القوى السياسية العراقية على الكاظمي فيه دلائل عدة، أبرزها رغبة جميع القوى السياسية بعودة التوافقات في المرحلة المقبلة، لا سيما أن أغلب تلك القوى متخوفة من تضررها نتيجة التظاهرات".

وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، أن "التشكيلة الوزارية المقبلة ستبنى على أساس ما يسمى بحكومة الكفاءات الحزبية بمعنى أن تقدم الكتل السياسية مجموعة من الأسماء لشغل المناصب الوزارية"، مبيناً أن "هذا يعني عودة دور القوى السياسية في الحكومة المقبلة".

وتابع أن "الحكومة المقبلة قد تتعدى فكرة الحكومة المؤقتة وتنتهي عند موعد الانتخابات الطبيعي"، لافتاً إلى أن "كل تلك المؤشرات تبيّن أن الكاظمي سيكسب الثقة في البرلمان العراقي". 

وأشار إلى أن "أبرز التحديات التي ستواجه الكاظمي هي محاربة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة، وكلا الملفين لم ينجزا على مدى 17 عاماً"، مردفاً "على الرغم من تعهدات الكاظمي بملف حصر السلاح إلا أنه يتطلب جملة إجراءات على المستوى الدستوري والقانوني".

وبيّن أنه "إذا لم تكن هناك إجراءات واضحة من قبل القوى السياسية في تقديم التنازلات فلن يستطيع الكاظمي النجاح في مهمته".

وعن تكليف الكاظمي من قبل القوى الشيعية القريبة من إيران، أشار عبد الإله إلى أن "القوى الشيعية باتت تدرك أن هناك ضرورة بعودة التوازن الإيراني - الأميركي، وهذا الأمر دفعها إلى حسم ملف رئاسة الوزراء، خصوصاً أن المباحثات العراقية مع واشنطن ستبدأ في يونيو (حزيران) المقبل".

المزيد من العالم العربي