تتدافع الدول في جميع أنحاء العالم للحصول على مزيدٍ من أجهزة التنفّس الصناعي للمرضى المصابين بفيروس كورونا، لكن الأطبّاء يخشون من أنها قد لا تكون مجديةً من دون توافر أدويةٍ أساسية لإبقاء المرضى في حالٍ من الراحة، كما كشف "مكتب الصحافة الاستقصائية". فهذه الأدوية بما فيها العقارات المهدّئة والمسكّنات، بدأ عددها ينخفض بالفعل في صيدليّات المستشفيات في عدد من البلدان، بما فيها الولايات المتّحدة الأميركية.
وتقول إيمي* وهي صيدلانية سريرية تعمل في أحد مستشفيات ولاية نيويورك، إن "هذا هو أكثر ما شعرتُ به من ضغط". وتعالج منشأتها الصحّية عدداً متزايداً من المرضى المصابين بمرض كوفيد-19 بشكل حادّ، إلى درجة أنهم يحتاجون إلى الاتصال بجهاز تنفّس صنناعي لمساعدتهم على تلقّي الأوكسيجين. لكن المستشفى ينفد من أدوية التخدير وتخفيف الآلام التي يحتاجها هؤلاء المرضى.
وكان قد شهد أسبوع واحد فقط في مارس (آذار) الماضي، مقارنةً بفبراير (شباط) بأكمله، استخدام 10 وحداتٍ من مسكّنMidazolam (مقارنة بلا شيء في شباط)، وضعف كمية مهدّىء Propofol، وأكثر من ثلاث مرّات من مخفّف القلق Dexmedetomidine، و17 عيّنة مورفين، التي تُستخدم عادةً للرعاية المسكّنة للآلام فقط.
الصيدلانية إيمي تمضي معظم أيامها الآن في محاولة طلب مزيدٍ من إمدادات الأدوية المخدّرة والمهدّئات، ووضع قوائم جرد للأدوية الموجودة فعلاً في المستشفى، والخروج باستراتيجيّات لكيفية الحفاظ عليها. والمشكلة لا تقتصر على نيويورك فحسب، أو حتى على الولايات المتّحدة. فمجمل المستشفيات حول العالم تواجه نقصاً في الأدوية الحرجة اللازمة لمساعدة المرضى على التنفّس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونتيجةً لذلك، يُضطر بعض الأطبّاء إلى استخدام عقاقير بديلة غير مألوفة. ويُجبر آخرون على اختيار أدوية ذات آثارٍ جانبية أكبر، بما فيها تلك التي يمكن أن تزيد من طول فترة بقاء المريض مربوطاً بجهاز التنفّس الاصطناعي. ويقوم أطبّاء في بعض الحالات، بإجراء عمليات جراحية يمكن تجنّبها لإبعاد الأشخاص عن أجهزة التنفّس في مرحلةٍ مبكّرة، لأنهم يريدون الحفاظ على الأدوية الضرورية.
ومع ارتفاع الطلب العالمي على الأدوية الأساسية، تتزايد المخاوف من ألا تكون الشركات المصنّعة قادرةً على إنتاج ما يكفي لمواكبة الطلب. فقد كشف الوباء المستجدّ مدى هشاشة سلسلة توريد الأدوية في أنحاء العالم.
الأدوية الأساسية
يعاني معظم المصابين بفيروس كوفيد-19 من أعراض خفيفة. ومع ذلك، يُصاب البعض منهم بالمرض بشكلٍ أكثر حدّة، ما يستدعي وضعهم على أجهزة تنفّس آلي في أقسام العناية المركّزة، لمساعدتهم على استنشاق الهواء.
ويتطلّب التنفّس الصناعي إدخال أنبوب في مجرى القصبة الهوائية للمريض، يُعرف باسم "التنبيب الرغامي". وعندما يصبح المصاب مربوطاً بجهاز التنفّس، يجب أن يبقى في حال تخدير. وتتطلّب هذه العمليات إعطاءه مجموعةً من الأدوية. وبحسب أحد المستشفيات، يمكن أن يحتاج مريضٌ مصاب بفيروس كوفيد-19 وموضوعٌ على جهاز تنفّس صناعي على مدى أربعٍ وعشرين ساعة، نحو 50 دواءً مختلفاً، بما في ذلك العقّارات الخاصّة بالتنبيب والتخدير، إضافةً إلى أدوية القلب والتنفّس ومضادّات الميكروبات.
أما المهدّئات ومسكّنات الألم فهي ضرورية للحفاظ على هدوء المريض وراحته. ومن دون هذه المواد، يمكن أن يصبح الأشخاص الموضوعون على جهاز التنفّس في حال اضطراب، ولا سيما في بيئة غير مألوفة داخل جناح العناية المركّزة، وقد يلجأ هؤلاء إلى محاولة سحب أنبوب استنشاق الأوكسيجين الموصول برئاتهم. وفي المقابل، يمكن للمرضى المصابين بأمراضٍ خطيرة البقاء على آلة التنفّس الصناعي في العناية المركّزة أسابيع عدّة.
يتعامل الصيادلة السريريّون مع النقص في الأدوية على قاعدةٍ شبه يومية، لكن الزيادة في الطلب على مسكّنات الألم والمهدّئات في المستشفيات بسبب فيروس كورونا، تساهم في تفاقم المشكلة.
فالمستشفى الذي تعمل فيه الصيدلانية السريرية إيمي، ضاعف بنحو ثلاث مرّات استخدامه بعض المهدّئات الشائعة ومسكّنات الألم الأفيونية. لكن حتى الآن، وعلى الرغم من عدد قليل من النداءات الحثيثة، فما زال بإمكان زملائها العثور على الأدوية التي يحتاجونها في المستشفى. ومع ذلك، تستعدّ إيمي لسيناريو ألا يكون في إمكانهم طلب المزيد من تلك المواد.
ويثير قلقها بشكلٍ خاص مهدّىء بروبوفول Propofol الشائع استخدامه مخدّراً. فالإمدادات به تتناقص في المستشفيات في جميع أنحاء العالم. ومعروفٌ عن بروبوفول أنه مهدّئ سريع المفعول، لا يبقى في الجسم فترةٍ طويلة. وهذا يعني أنه بعد التخدير والتنبيب الرغامي، يمكن إبقاء المرضى مخدّرين بشكلٍ خفيف كي يكونوا في إقامةٍ هادئة داخل غرف العناية المركّزة.
يستغرق المرضى عادةً وقتاً أطول للاستيقاظ من الأدوية التي تعطيهم تخديراً أعمق. ونتيجة لذلك، قد يقضون وقتاً على جهاز التنفس الصناعي أكثر من اللازم، ما يمنع المرضى الآخرين من الوصول إلى السرير. من ناحيةٍ أخرى، التخدير الخفيف يعني أن المرضى يميلون إلى قضاء وقتٍ أقلّ في العناية المركّزة بشكل عام، ما يقلّل من خطر إصابتهم بالعدوى أو التعرّض للهذيان، وهي حالة شديدة من الارتباك ترتبط بنقص الأوكسيجين في الدماغ والأدوية المعطاة في غرفة العناية الفائقة. ويمكن أن يسبّب هذيان وحدة العناية المركّزة ضعفاً في الإدراك لدى المريض، و "اضطرابَ ما بعد الصدمة" PTSD، وهو عاملٌ خطر قد يؤدّي إلى حدوث وفاةٍ مبكّرة للمريض.
وتوضح الصيدلانية في أحد مستشفيات نيويورك أن "دواء بروبوفول هو أكثر ما يقلقني. فكثيرون من مرضانا يحتاجون إلى جرعات عالية حقّاً للحصول على عامل التهدئة، في وقتٍ نشهد نقصاً كبيراً وسريعاً في إمداداتنا، ونواجه صعوبةً في الحصول على أيّ منها، أو في أن نكون قادرين على طلب المزيد".
مستشفياتٌ أخرى أبلغت عن نقص مماثل. ففي مقطع فيديو حمّلته ماري ماكدونالد على حسابها عبر إنستغرام، وصفت الممرّضة في مقاطعة أوكلاند، ولاية ميتشيغان، كيف نفدت أدوية التخدير من المستشفى الذي تعمل فيه. وقالت إن "الموارد ضعيفة للغاية. وليست لدينا أدوية لإبقاء هؤلاء المرضى يتنفّسون، ناهيك بأجهزة التنفّس الصناعي. إن أدوية مثل فنتانيل Fentanyl أو بروبوفول التي من شأنها أن تبقي المريض مخدّراً أثناء مرحلة "التنبيب الرغامي" قد نفدت".
وأبلغ مستشفاها إلى وسائل إعلامٍ محلّية، أنه سعى إلى الحصول على تلك المواد من مرافق أخرى، مباشرةً من الشركات المصنّعة، إضافة إلى تقييم إمكان استخدام منتجاتٍ بديلة. وقال متحدث باسمه إن "سلامة مرضانا وشركائنا ومقدّمي الرعاية، هي أولوية قصوى لدينا".
وتبدو آثار النقص في الإمدادات ملموسةً خارج الولايات المتّحدة. فقد أضافت كلٌّ من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا عقّار بروبوفول إلى قائمة الأدوية الوطنية المتناقصة، ما يعني أن بعض مصنّعي الأدوية أبلغوا عن تأخيراتٍ في الإمداد.
وأفاد بعض منتجي الأدوية المستخدمة بشكل شائع بالاشتراك مع بروبوفول - بما في ذلك فنتانيل وديكسميديتوميدين Dexmedetomidine وميدازولام Midazolam- عن نقص في الولايات المتّحدة وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا. وقد حظرت المملكة المتّحدة تصدير جميع هذه الأدوية الأربعة من أجل الحفاظ على الإمدادات منها إلى مستشفياتها.
البحث عن بدائل
في المقابل، ينعكس النقص في الأدوية بشكلٍ مباشر على رعاية المرضى. فالصيدلانية السريرية إيمي من ولاية نيويورك، تعقد اجتماعاتٍ يومية مع أطبّاء العناية المركّزة في المستشفى، لإطلاعهم على ما يمكنها أن تطلبه من إمدادات. ثم يقومون بمراجعة قوائم نظام الأدوية لكلّ مريض، ويعملون على استبدال مهدّىء بروبوفول بخياراتٍ أخرى من أجل الحفاظ على الإمدادات.
وتشمل الأدوية البديلة مسكّن بينزوديازيبين Benzodiazepines. وفي كثير من الأحيان، لا يكون هذا الخيار الأول للمرضى الذين يوضعون على جهاز التنفّس الآلي، بحيث تشير دراسات إلى أن الدواء يمكن أن يسبّب هذيان وحدة العناية المركّزة. هذا يعني أنه يُستخدم عادةً فقط على المرضى الذين لا يمكنهم تحمّل الخيارات الأفضل. أما الآن، فبات يتوجّب على إيمي أن تصفه على نطاق أوسع.
ويبدي الدكتور علي حيدر طبيب القلب التدخّلي الذي كان يعمل في "مركز بايستيت الطبّي" في ولاية ماساتشوستس، أثناء أزمة كوفيد-19، هو كذلك قلقاً. ويقول في هذا الإطار: "إننا نشهد نقصاً واضحاً في مهدّئات بروبوفول وفنتانيل وميدازولام". ويستخدم الطبيب وزملاؤه كما الآخرين، أدويةً مختلفة عن المعتاد من أجل تخدير المرضى، بما في ذلك هايدرومورفونHydromorphone (يُباع تحت اسم ديلوديد Dilaudid ).
ويضيف الدكتور حيدر: "بدأنا استخدام جرعات ديلوديد، التي لا نستعملها عادةً في إعدادات وحدة العناية المركّزة. هذه المخدّرات القوية لا نلجأ إليها في كثير من الأحيان، لكنّنا اضطررنا إلى الاعتماد عليها أخيراً بسبب النقص في مهدّئات فنتانيل".
"مركز بايستيت الطبّي" امتنع عن التعليق على ما قاله طبيب القلب التدخّلي لديه.
وتُعدّ حالات الإصابة بفيروس كورونا بمثابة ضربةٍ مزدوجة لوحدات العناية المركّزة – فالمزيد من المرضى المتدفّقين عليها لا يحتاجون إلى التنفّس الصناعي فحسب، بل يتطلّب وضعهم على الآلات لمدّة أسبوع أو حتى اثنين.
ويرى الدكتور حيدر أن "عاصفة الوباء لم تضرب هنا بعد، لكننا نراقب ما يجري في نيويورك. وإذا حاولتُ التخمين، فقد ضاعفنا على الأقل مرّتين أو ثلاث مرّات قدرات وحدة العناية المركّزة لدينا... والفارق هنا يكون طبيعياً عندما يتم منح شخص ما التنفّس المطلوب ويكون هدفنا هو نقله. لكن المرضى يبقون على جهاز التنفّس الاصطناعي لبضعة أيام. وفي هذه الحال، يصبح لديك أشخاص على أجهزة التنفّس لفترةٍ طويلة من الزمن، يقومون باستهلاك (الدواء). إنها مسألةٌ تتعلّق بالحجم وبالمدة".
أما مستشفى الصيدلانية السريرية إيمي فيستعمل المواد الأفيونية بشكل أكبر، على الرغم من ارتفاع خطر إدمان المرضى عليها. وتأمل في ألا يُعاد المرضى إلى منازلهم ومعهم وصفات الأدوية الأفيونية التي يتم تناولها بالفم، لأن الصيادلة وأطبّاء الأسرة لا يدركون أن هذه الأدوية كانت تُستخدم لفترةٍ مؤقّتة داخل غرف العناية الفائقة. وتعاني الولايات المتّحدة من أزمة في الأدوية الأفيونية، بحيث يسيء ملايين الأشخاص هناك استخدامها. وكان معدل الوفيات يوميّاً في العام 2018 نتيجة تناول جرعةٍ زائدة من المواد الأفيونية، نحو مئةٍ وثمانيةٍ وعشرين أميركيا.
المسؤولة عن الصيدلية السريرية في المستشفى، بدأت أيضاً استخدام مادة كيتامين Ketamine مسكّناً من أجل الحفاظ على بروبوفول. وفيما يُستعمل مهدّىء كيتامين بانتظام في وحدات العناية المركّزة الأخرى، لم يُجرَ استخدامه من قبل في قسمها. وعادةً ما تتمّ مراجعة إدخال مثل هذا الدواء الذي يمكن أن يسبّب ضرراً كبيراً للمرضى إذا استُعمل بشكلٍ غير صحيح، من قبل مجموعة متعدّدة التخصّصات، تعتمدها لجانٌ مختلفة، ثم يتمّ طرحه وفق خطّة تعليمٍ يتمّ من خلالها تلقين الممرّضات طرق التحكّم به.
ولا يوجد في خضمّ هذه الأزمة الوقت الكافي للقيام بذلك. وتقول إيمي: "بدأنا العمل على ذلك خلال أربعٍ وعشرين ساعة فقط، في محاولةٍ منّي لأقوم بأقصى مقدارٍ ممكن من التعليم الفوري. هذا بالتأكيد هو أقلّ من الوضع المثالي".
وتضيف أن الأطباء في مستشفى آخر تابع لجامعة نيويورك هو لانغون هيلث NYU Langone Health، يقومون بإجراءٍ جراحي يعتمد على ثقب القصبة الهوائية، لإخراج المرضى من أجهزة التنفّس الصناعي بعد ثلاثة أيام، وبالتالي الحفاظ على الأدوية.
وأثناء ثقب القصبة الهوائية، يتمّ إحداث فتحةٍ في عنق المريض، ويُدخل من خلالها أنبوب في مجرى الهواء، ويكون هذا الإجراء ذلك عادةً موقّتاً. ولا يحتاج المرضى إلى مثل هذه الجرعات العالية من المهدّئات أو أدوية تخفيف الألم عند ثقب القصبة الهوائية، ممّا تكون الحال عليه عند استخدام جهاز التنفّس الصناعي.
وتُجرى عمليات ثقب القصبة الهوائية عادةً بعد أسبوع على الأقل من وضع المريض على آلة التنفّس، وفي حال إخفاق محاولات جعل المريض يتنفس من دون مساعدة. وتُعدّ عمليات ثقب القصبة الهوائية شديدة الخطورة بالنسبة إلى الفريق الذي يتولّى هذا التدخّل الجراحي، لأنها قد تجعل الأشخاص عرضةً لتلقّي قطراتٍ من حلق المريض ربما تحتوي على الفيروس.
وقد طوّر أطبّاء في مستشفى لانغون هيلث لجامعة نيويورك، تقنيةً جديدة للمساعدة في تنفيذ هذا الإجراء بشكل أكثر أماناً، بحيث يقلّل من عدد القطرات التي قد يرشّها الحلق. وذكر متحدّث باسم المكتب أن القيام بهذا الإجراء على مرضى كوفيد-19 يجب أن "يسمح بفطم الذين يكونون على جهاز التنفّس الصناعي في وقتٍ أقل، وبالتالي التقليل من الحاجة إلى بعض الأدوية كتلك التي تزيد العوامل المسبّبة للشلل".
ويقوم المستشفى الذي تعمل فيه إيمي بتطبيق سياسةٍ مماثلة في ظل النقص في الأدوية. وقالت: "لم نلجأ من قبل إلى إحداث ثقبٍ في القصبة الهوائية لمجرّد الاقتصاد في الأدوية المسكّنة. لكننا نفكّر في اعتماد هذا الإجراء في مستشفانا الآن. إنهم يتطلّعون إلى المضي في هذه العملية في الأسابيع القليلة المقبلة".
وتضيف الصيدلانية السريرية أنه إذا توافرت لدى المستشفيات الأدوية اللازمة، فلن يُضطر المرضى إلى الخضوع لهذه العمليات الجراحية، التي يمكن أن تترك ندوباً واضحة لديهم.
التطّلع إلى الأمام
لا يُعدّ النقص في المواد المخدّرة مشكلةً جديدة. فيمكن أن تكون أسبابها مشكلات في الجودة، ما قد يعني أنه يجب إتلاف الدفعة المرسلة منها، أو إعادتها. ويمكن أن يكون هناك أيضاً مقدارٌ محدود من الربح الذي يمكن تحقيقه من هذه الأدوية، ما يعني أن عدداً قليلاً من الشركات المصنّعة تنتجها. وهذا يجعل سلسلة التوريد عرضةً للخلل إذا واجهت الشركة المصنّعة مشكلات.
ففي الولايات المتّحدة على سبيل المثال، أدّى الارتفاع في الطلب على بعض الأدوية، الذي يسبّبه فيروس كورونا، إلى تفاقم المشكلة. ولم يبلّغ المصنّعون عن أي مشكلة في إنتاج مهدّىء بروبوفول، لكن النقص الراهن سببه أن الطلب على الدواء قد ارتفع بشكل كبير.
وفي ما يتعلّق بدواءي ميدازولام وكيتامين، أبلغت الشركات المصنّعة بما فيها شركة الأدوية العملاقة "فايزر" عن نقص بسبب التأخيرات المستمرّة في التصنيع والزيادة على الطلب. وتقدّر "فايزر" أن بعض منتجات هذين العقّارين في الطلبات الآجلة لن تكون متاحةً حتى السنة 2021.
وتؤكّد "إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتّحدة" أنها تعمل عن كثب مع الشركات المصنّعة، لضمان استمرارها في إخطار الوكالة عن أي انقطاع في التصنيع يمكن أن يؤدّي إلى نقصٍ في العرض. وأوضح متحدّث باسمها أن الوكالة كانت تعمل على تحديث قائمة بالمواد الناقصة بانتظام، وتتواصل في الوقت الحقيقي حتى تحصل المستشفيات على أحدث المعلومات في شأن النقص في الأدوية.
وقد كشف الوباء المستحدث مدى غموض سلسلة التوريد العالمية للأدوية وهشاشتها. فمعظم المكوّنات الخام لعددٍ من الأدوية الأميركية يُصنّع في الصين والهند والاتّحاد الأوروبي. وقد انخفضت القدرة التصنيعية في الصين مع تفاقم أزمة فيروس كورونا هناك. ونتيجةً لذلك، حظرت الهند تصدير نحو ستةٍ وعشرين مكوّناً نشطاً للأدوية، من أجل الحفاظ عليها للإنتاج المحلّي.
وفيما تجد الشركات المصنّعة الأوروبية بعض الإمدادات لمواصلة صنع الأدوية، فإن عمليات الإغلاق المفروضة في دولها، تتسبّب في مشكلاتٍ في توزيع الأدوية.
مع تزايد عدد المرضى الذين يعانون من كوفيد-19 كلّ يوم في المستشفى، تأمل إيمي الصيدلانية السريرية في أفضل سيناريو في أن تتمكّن من طلب الزوّد بـ"طن" من أدوية بروبوفول وفنتانيل، أما في أسوأ السيناريوهات، فسيتعيّن عليها استخدام الأدوية المضادّة للصرع المستمرة لوضع المرضى الذين هم على أجهزة التنفّس الصناعي في حال غيبوبة. وتأمل في ألا تصل الأمور إلى هذه النقطة.
وتضيف: "في هذه المرحلة نكون جميعاً مبدعين وبالكاد نجتاز الوضع". وما يمكن أن يحدث في الأسابيع المقبلة لن يكون بعيداً عن ذهنها.
وكما في مستشفيات عدّة في جميع أنحاء العالم، تعمل إيمي بشكل يائس على زيادة عدد أسرّة في وحدة العناية المركّزة، المزوّدة بأجهزة تنفّس، لعلاج تدفّق حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19. لكن، كما تقول، ستكون الآلات "عديمة الفائدة في الأساس"، إذا لم يتمكّن المستشفى من تجديد أدوية التخدير اللازمة لإبقاء المرضى عليها.
وتختم بالقول: "في كلّ مرّة أرى أنهم يتحدّثون في شأن الحصول على مزيدٍ من أجهزة التنفّس، أطرح السؤال: وماذا عن الأدوية المخدّرة والمهدّئات؟"
(* تم تغيير الاسم لحماية هوّية المتحدّثة)
© The Independent