ردت أسواق النفط بخيبة أمل على اتفاق المنتجين من أوبك وشركائها، أوبك+ لسحب ما يصل إلى 10 ملايين برميل يومياً، أو نحو 10 في المئة من إنتاج النفطي العالمي، لضبط السوق في ظل انهيار الطلب بسبب إغلاق قطاعات الاقتصاد العالمي ضمن إجراءات مواجهة وباء فيروس كورونا (كوفيد-19).
فبعد ارتفاعها قبل بداية اجتماع أوبك+، فقدت الأسعار مكاسبها لاعتبارات عدة، وليس فقط نتيجة حجم التخفيض الذي أعلن في الإنتاج. بالطبع يلعب العامل النفسي دوراً في حركة السوق والأسعار، فمع توقعات متفائلة بخفض الإنتاج أكثر من ذلك بعد تغريدات ترمب عن خفض يصل إلى 15 مليون برميل يومياً، وتوقعات ببنوك الاستثمار بخفض قد يصل إلى 20 مليون برميل يومياً، أصيب المتعاملون بإحباط مؤقت.
لكن الجميع بانتظار اجتماع وزراء طاقة مجموعة العشرين، وهي المرة الأولى التي يجتمعون فيها، وما يمكن أن يسفر عنه من مزيد من التخفيض من منتجين من خارج أوبك+ قد يعيد إلى السوق تفاؤلاً أكبر. وهو ما تهدف السعودية إليه تحديداً، التي تتولى هذا العام رئاسة مجموعة العشرين في ظرف استثنائي في العالم نتيجة آثار وباء كورونا الاقتصادية.
ومن يتعاملون في العقود الآجلة يتحسبون لمستقبل معادلة العرض والطلب، وفي ظل توقعات تعمق ركود الاقتصاد العالمي لن يحقق الطلب العالمي على الطاقة أي نمو يذكر إن لم يشهد انكماشاً واضحاً. ومع الفائض الحالي في المعروض سيحتاج ضبط السوق إلى مضاعفة حجم خفض الإنتاج.
لكن، من العوامل الأخرى التي تتحسب لها السوق هو مدى الالتزام بخفض الإنتاج الذي تتحمل السعودية وروسيا القدر الأكبر منه، بما يعني تخلي البلدين عن قدر كبير من حصتهما في السوق. صحيح أن اتفاق أوبك+ لم يكن ممكناً بدون اتفاق الرياض وموسكو على حجم الخفض ومداه، لكن الأطراف الأخرى في أوبك+ مهما كانت مساهمتها في الاتفاق يمكن أن تجعل السوق في حال توتر إذا لم تحافظ على الالتزام.
حتى في الاجتماع الذي استمر لساعات، لم تلتزم المكسيك بنصيبها من حجم الخفض عند 400 ألف برميل يومياً، وقالت إن بإمكانها خفض إنتاجها بنحو 100 ألف برميل يومياً فقط. كما أن استخدام آلية مراقبة حصص الإنتاج لدى أوبك، وإن كانت استخدمت مع أوبك+ منذ 2016 إلا أن الأسواق لا تثق كثيراً في قدرتها على الضبط والالتزام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اجتماع أوبك+
ربما كان أهم اتفاق في اجتماع أوبك+، كما جاء في بيان لها، هو تصديق المجتمعين من أوبك وشركائها على "إعلان التعاون" الذي تم التوصل إليه في 2016. ومع استمرار اتفاق ضبط السوق الحالي، مع التدرج في تقليل الخفض، حتى نهاية أبريل (نيسان) 2022 يعني ذلك عملياً أن منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) حل محلها ترتيب جديد هو أوبك+.
لكن العالم بانتظار اجتماع وزراء الطاقة في دول مجموعة العشرين الجمعة، وتوقعات بانضمام دول أخرى من خارج أوبك+، مثل النرويج والولايات المتحدة لآلية ضبط السوق وخفض إنتاجها بما قيد يجعل الأسعار تتحسن، وذلك لن يكون ضمن آلية ضبط السوق التي ينص عليها إعلان التعاون بين أوبك بقيادة السعودية وشركائها بقيادة روسيا. كما أن أي خفض من جانب منتجين من خارج أوبك+ لن يكون بالضرورة على أساس النسبة المحددة في اتفاق الرياض الأخير.
فرغم أنه لم تعلن حصص الخفض بالتفصيل، فإن من السهل حسابها استناداً إلى ما هو مقرر من خفض بنسبة 22 في المئة من أساس الإنتاج، بحساب إنتاج أكتوبر (تشرين الأول) 2018، باستثناء السعودية وروسيا التي يحسب أساس الإنتاج لكل منها عند 11 مليون برميل يومياً.
ويعني ذلك أن كلا من الرياض وموسكو ستخفضان الإنتاج بمعدل 2.42 مليون برميل يومياً، على أن يكون خفض الإنتاج من جانب المنتجين الآخرين بقدر تلك النسبة (22% من إنتاج أكتوبر 2018). ويعني ذلك أيضاً إشارة إضافية على أن حصص أوبك التقليدية لم تعد أساساً في حساب ضبط معادلة العرض والطلب، وأن أوبك+ بدأت في وضع أسس جديدة.
المنتجون الآخرون
المرجح في السوق الآن أن أي خفض للإنتاج من جانب آخرين خارج أوبك+ سيكون "اختيارياً"، بمعنى أنه لن يلتزم بالضرورة بالنسبة التي على أساسها اتفقت أعضاء أوبك+ على الخفض، ولا حتى بالمدى الزمني؛ أي لمدة شهرين، ثم تقليل الخفض 20 في المئة حتى نهاية العام ثم تقليل الخفض بنسبة مشابهة في 2021 والربع الأول من العام الذي يليه.
صحيح أن أوبك+ ستراجع اتفاقها الأخير غير المسبوق بعد شهرين، ثم مرة أخرى بنهاية العام، وقد تتخذ قراراً مختلفاً. لكن ذلك سيظل ضمن "اتفاق" يلزم من يوقعون عليه، وليس اختيارياً كما قد تفعل أميركا أو النرويج مثلاً.
حسب ما أعلن الرئيس الأميركي، فإن ما يهمّ واشنطن هو توقف الشركات وتسريح العاملين في قطاع الطاقة، وبالتالي فإن أي خفض اختياري سيكون مؤقتاً ومرهوناً بوضع السوق على اعتبار التزام أوبك+ بما اتفقت عليه.
ويرى بعض المراقبين أن الرياض وموسكو ليستا مضطرتين للتضحية بحصتهما من السوق لضبط الأسعار كي تتمكن شركات النفط الصخري الأميركي، التي أغلقت أعمالها من العودة إلى الإنتاج وإغراق السوق.
حتى مع بقاء الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم، بعدما تجاوزت السعودية وروسيا، "لن يكون من العدل أن تتحمل الرياض وموسكو تراجع عائداتها وخسارة نصيبها من السوق لصالح شركات ستعيد إغراقه بفائض الإنتاج بعد تحسن الأسعار قرب 40 دولاراً للبرميل"، كما يقول أحد متخصصي النفط.