Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جولة افتراضية داخل متحف أورسيه الباريسي

صرح حضاري كبير ملك لك وحدك وأنت دليل الجولة وزائره الوحيد

متحف أورسيه في باريس (تطبيق Google Arts & culture)

مع اضطرار المؤسسات الفنية والثقافية لإغلاق أبوابها أمام الزوار عقب جائحة كوفيد-19، وتحت شعار "البقاء في المنزل لا يعني فقدان الوصول إلى الثقافة"، أتاح 14 متحفاً حول العالم، من بينهم متحف أورسيه في باريس من خلال استخدام تطبيق Google Arts & culture، جولات افتراضية تستكشف كنوز الحضارات البشرية ومقتنياتها على مر العصور.

تتخطى الحدود... بتفكيرك

وعلى الصفحة الرئيسة لموقع متحف أورسيه Le Musée d’Orsay  عبر الإنترنت، يواجه المتلقي تحذيراً ثقيلاً على الروح جاء فيه التالي: "اتّباعاً للتوجيهات الحكومية، سيظل المتحف مغلقاً حتى إشعار آخر... نشكركم على تفهمكم وسنحيطكم علماً فور استئناف برامجنا". ويكاد لا يستوعب العقل كيف لهذا الصرح الحضاري الكبير أن يغلق أبوابه في وجه زائريه! فمنذ عام 1900 في موقع محطة سكة حديد سابقة على ضفاف نهر السين، احتلّ متحف أورسيه حيّزاً أساسياً من المشهد الفني في باريس. وركّز بمقتنياته من لوحات ومنحوتات وغيرها من الأعمال الفنية الأخرى، على تاريخ الفن من عام 1848 حتى 1914. واعتُبر مبناه أول وأضخم عملٍ فني فيه، صمّمه المهندس المعماري Victor Laloux، ويضمّ أرشيفه مجموعة من الصور الموثّقة لمراحل بنائه التي تعكس ضخامة هذا المشروع.

لكنّ صدمة التحذير ما تلبث أن تبدّدها معلومات الجولة الافتراضية التي تكسر حدّة الخطاب الموجّه، إذ بات بالإمكان أن تزور المعرض افتراضياً، وكل ما عليك فعله هو استخدام تطبيق "غوغل" لتبدأ جولتك الخاصة من قاعته الرئيسة، تماماً مثلما هي الحال على أرض الواقع. بعدها تستطيع التنقّل بين الأجنحة والأقسام الكثيرة للمتحف والمتاحة جميعها ضمن التطبيق. ستسقبلك أعمال الفنانين العظماء الذين تألّقوا بأسمائهم وأعمالهم في الفترة ما بين أواخر القرن الـ19 إلى بدايات القرن الـ20، باحثاً بين تشكيلاتها وألوانها عن خصائص المدرسة الانطباعية في الفن.

بلغ تطويع التكنولوجيا من أجل الثقافة، أوجّه ضمن البرنامج الافتراضي لمتحف أورسيه. تخيّل أنك تقوم بجولتك في أرجائه وأنت في منزلك داخل فرنسا أو خارجها. تدور في الاتجاهات كافة بزاوية تصل إلى 360 درجة، مدقّقاً ومتحكّماً في تقريب الصورة للإمعان بالتفاصيل وبكل ما هو مكتوب من معلومات وتعليمات. ولوهلة ستتخطى بتفكيرك الحدود بينك وبينه، وستفترض أنك تمشي على أرضه فعلاً.

المتحف ملك لك وحدك

هي تجربة غنية تفرض نوعاً جديداً من التواصل الثقافي والفني، يختصر المسافات ويتجاوز حدود شاشات الأجهزة الذكية ليضعك أمام أعظم النتاجات الفنية، بينما تتجوّل بحرية من دون ضوضاء أو تقييد من أي نوع. المتحف بكل ما فيه ملك لك وحدك، أنت دليل الجولة وأنت زائره الوحيد، علماً أن جولة واحدة لمشاهدة كل المتحف قد لا تكفي، فحتماً ستحتاج إلى جولات أخرى إذا كنت مهتماً بأكثر من مجرد معرفة استطلاعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لن تُشبِع هذه التجربة الافتراضية شغف عشّاق الفن الذين لا يقنعون إلّا بأن يكونوا وجهاً لوجه أمام اللوحات والمقتنيات الأخرى. لكنها ستكون كافية بالنسبة إلى أولئك الراغبين في الاستكشاف والمعرفة والاستفادة من الوقت أثناء فترة بقائهم في المنزل، محجورين صحياً. كما أنها تتيح الفرصة للطلاب والباحثين في مجال الفنون، لمتابعة دراساتهم وأبحاثهم من دون انقطاع.

إنّ مثل هذه المبادرات في العالم الافتراضي تسعى إلى أن تخفّف ولو قليلاً من صدمة الإنسانية جراء تعطيل الحياة الثقافية في العالم الحقيقي، وأن تكون بديلاً تفاعلياً وحيداً بين الإنسان ومراكز الفن والثقافة. وتدلّ المؤشرات كلها حتى اللحظة على نجاح التجارب الافتراضية في ضمان استمرارية اكتساب المعارف والثقافات، إذ يتبادل الأشخاص في كل البلاد وباللغات كافة روابط البحث المتعلقة بأية مبادرة من شأنها أن تبقيهم بعيدين من فراغ الحجر وما يسبّبه من اكتئاب.

برنامج متكامل للأطفال يبدأ من أرض الوحوش

كان المتحف قد بدأ معرضه الأخير (في أرض الوحوش) في 10 مارس (آذار) الماضي، على أن يستمر حتى 29 يونيو (حزيران) المقبل. وبسبب الإغلاق، تحوّل أيضاً إلى معرضٍ افتراضي يستقبل عبر الإنترنت زواره، الذين أغراهم الفضول لاستكشاف الوحوش الخرقاء واللطيفة التي ابتدعها الطبيب والنحات والرسام ومؤلف كتب البالغين والأطفال الفرنسي ليوبولد شوفو 1870 – 1940.

من المؤسف بالفعل عدم قدرتنا حالياً على زيارة المعرض المصمّم بطريقة مبدعة، أوجدت فضاءً فانتازياً يصوّر الغرابة في الفن، ويضمّ أكثر من 100 عمل فني من منحوتات ورسومات منحها إلى المتحف حفيد الفنان، من أجل تسليط الضوء على النتاج الإبداعي الضخم والمثير لفنانٍ عظيم لم ينصفه التاريخ.

تُجسّد أعمال المعرض المخلوقات الأسطورية المستوحاة من قديم الزمان. ومن الواضح أنها من وحي اللاوعي الخاص بـليوبولد شوفو الذي وصل بخياله فيها إلى القرون الوسطى متأثّراً بالإرث الفني الياباني. إنها كائنات مصنوعة وفق منطق السهل الممتنع، خطوطها وتشكيلاتها وألوانها بسيطة، لكنها في الوقت ذاته عصية على التخيّل.

ويبرز المعرض العالم الغرائبي الذي صنعه شوفو في قصصه المكتوبة للأطفال واليافعين، والتي تحكي عن العلاقة بين هؤلاء الصغار وبين مخلوقاته وحيواناته العجيبة، ما يجعل من المعرض مكاناً مناسباً لزيارات الأطفال الافتراضية، خصوصاً أنه يقدّم ورشات عمل تفاعلية تعلّمهم رسم الوحوش والحيوانات واستخداماتها في فن كتابة القصة.

أنشطة تجذب الصغار

استطاع المتحف أن يعدّ برنامجاً كاملاً لزيارات الأطفال الافتراضية تحت عنوان  LES PETITS M'O، يبدأ من عمر خمس سنوات إلى 18 سنة، متضمناً مجموعة من الجولات والأنشطة الممتعة التي تستطيع أن تجذب الأعمار الصغيرة. وقد صُمّم الموقع بطريقة الرسوم المتحركة، وهو عبارة عن مبانٍ عدّة يتضمّن كل واحدٍ منها قسماً فنياً يعرض معلوماته بأسلوب مبسّط يجذب هذه الأعمار، ويتنقل في ما بينها قطار ملون يمكنك التحكّم بوجهته. أما قائدا الجولة، فهما ضفدع Water Lilies، الهارب من لوحات كلود مونيه، والدب M'OS الذي نحته فرانسوا بومبون.

وضمن البرنامج ذاته، يوفّر المتحف 12 "بودكاست" كتبتها المؤلفة بياتريس فونتانيل وتقرأها مجموعة ممثلين، من بينهم أريان أسكاريد وبول بوفارتيغ، بأصواتهم مع موسيقى تصويرية. يحكي كل "بودكاست" قصة لوحة جرى اختيارها لتناسب الكبار والصغار، بحبكة تجمع بين الحقائق التاريخية والمعلومات الفنية للوحة، وبين بعض الأحداث الدرامية المتخيّلة الضرورية لاستكمال القصة.

هذا النوع من التواصل قد يكون عبارة عن هدنة بين الأطفال وذويهم في هذه الفترة الحرجة، التي تفرض عليهم البقاء في المنزل من دون أنشطة خارجية على الإطلاق. وهو فرصة لتثقيفهم فنياً وجعلهم يتذوّقون منذ سن مبكرة أعمال فان غوخ وكلود مونيه وغوغان وغيرهم. كما أنه فرصة للاستمرار بالتواصل الثقافي من جانب الأهل، سواء لمن اعتاده في حياته اليومية أو لمن يريد أن يملأ أوقاته حالياً بممارسات مفيدة.

تفاعل عبر وسائل التواصل

تحت وطأة كورونا، عزّزت إدارة المتحف من أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في التفاعل بين الفن والجمهور. وبات يتابع حساب المتحف على "إنستغرام" حوالى 925000 شخص من جميع أنحاء العالم، يخوض معظمهم في مناقشات وحوارات حول المواضيع والمنشورات المطروحة ضمن ملتقى افتراضي ينمّي الخيال ويطوّر الحس الثقافي. ومنذ بدأ الإغلاق الاضطراري، تم الالتفات بشكل مضاعف إلى مبادرة لوحات الطبيعة على "الفيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام"، إذ يجري اختيار لوحة من مقتنيات المتحف تجسّد المناظر الطبيعية بين البر والبحر لمناقشتها مع المتابعين بشكل يومي. وبعد أن تُشرح بإسهاب مفصّل، تأتي التعليقات لتعبّر عن الانطباعات الشخصية حولها أو لتزيد على المعلومات وتلفت النظر إلى نقاط لم تكن قد أُثيرت من قبل المتحف.

وبالنقر على قناة المتحف عبر موقع "اليوتيوب"، يمكن للمتلقي مشاهدة أكثر من 550 مقطع فيديو لمعرفة المزيد عن الفنانين وعن لوحاتهم ومنحوتاتهم، إضافةً إلى مقابلات خاصة مع ضيوف استثنائيين مثل نيكولاس جودين ومحمد بورويسة وماري داريوسيك. كذلك أصبح متاحاً الذهاب في جولات خلف الكواليس لمشاهدة ترميم بعض اللوحات والمقتنيات أو للاستماع إلى المؤتمرات الفنية.

وللراغبين في الاطلاع على المتحف كمبنى بحد ذاته واستكشاف مراحل بنائه، هناك صور وفيديوهات ومقابلات توضيحية عدّة تستعرض كيف أُنجز ليكون أيقونة في مجال الفن العالمي.

يبدو أن الأشخاص بمختلف أعمارهم وجنسياتهم اعتادوا في الأيام القليلة الماضية على هذا النوع من التواصل الافتراضي. فعلى الرغم من الظروف الصحية الكارثية التي تعصف بالعالم، ثمة فئات كثيرة تستمتع بالجولات والمبادرات المتاحة مجاناً عبر الإنترنت من قبل مراكز الفن والثقافة ومن بينها متحف أورسيه.

المزيد من منوعات