Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تترنح بين الاحتكار والاستهتار في زمن كورونا

البعض يستثمر هذه المحنة لمساعدة من هم بحاجة وآخرون يستغلون الوضع القائم لرفع الأسعار

متطوعات في جمعية الهلال الأحمر التونسي يجهّزن الحصص الغذائية لتوزيعها على العائلات المحتاجة في بلدة الزهراء الساحلية (أ.ف.ب)

أظهرت أزمة كورونا معدن التونسيين الحقيقي بين من استثمر هذه المحنة لمساعدة الناس وتقديم العون، وبين من استغل حاجة المواطنين للمواد الغذائية الأساسية لرفع الأسعار وتخزين هذه المواد، وبيعها بيعاً مشروطاً أو احتكارها للمضاربة بها في الأسواق.

لماذا يختلف التونسيون في طباعهم بين التزام لا مشروط بتقديم المساعدة والتطوع، وبين من يستغل المحنة لتكديس المال عبر الاحتكار ورفع الأسعار؟

بين مسؤولية الدولة والحماية الذاتية

أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية ورئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع عبد الستار السحباني، حمل الدولة ومختلف أجهزتها كامل المسؤولية في خصوص تنامي ظاهرة الاحتكار وازدهار ممارسات الغش والبيع المشروط وغلاء الأسعار، وأيضاً الاستهتار بالحجر الصحي.

أضاف في تصريح لــ "اندبندنت عربية"، أن الدولة لا يعنيها ما يعانيه المواطن في معيشه اليومي، بقدر ما يعنيها تزويد السوق بالمواد الغذائية والسير العادي لمسالك التوزيع من دون الحرص على حماية المستهلك من ممارسات التجار المحتكرين مستثمري الأزمات.

واستغرب الخطاب الرسمي لبعض مسؤولي الحكومة، في إشارة إلى ظهور وزير الصحة عبد اللطيف المكي باكياً خلال ندوة صحافية حول مستجدات فيروس كورونا، معتبراَ أن في ذلك الظهور رسالة سلبية إلى المواطن البسيط الذي بدأ يفقد الثقة شيئاً فشيئاً في أجهزة الدولة.

مبادرات التضامن التلقائي

من جهة أخرى، نوه أستاذ علم الاجتماع بمجهود المجتمع المدني في تونس، معتبراً أنه غير كاف، داعياً الدولة إلى تشريك أهل الاختصاص من علماء اجتماع وعلماء النفس، واتخاذ الإجراءات الملائمة في اللحظة المناسبة، لتفادي النتائج العكسية للإجراءات كافة التي اتخذتها الحكومة على غرار قرار تقديم مساعدات مادية لمن هم بحاجة، من دون التفكير في آليات توزيعها، ليكتظ الناس أمام مكاتب البريد، وهو ما يهدد سلامتهم ويخالف إجراءات الحجر الصحي التي فرضتها السلطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشدد على أن كل المجتمعات تخلق لنفسها آليات وقائية ذاتية، تزدهر فيها مبادرات التضامن التلقائي والتطوع الإنساني وتقديم العون لمن يحتاجه، وهي سمة إنسانية طالما تجلت خلال الكوارث والأزمات، داعياً المعنيين إلى العمل على تعزيز ثقة المواطن بدولته، لتطويق هذا الفيروس من خلال فرض احترام القانون والالتزام بالحجر الصحي وحظر التجوال.

وأشار إلى أن ضعف أجهزة الدولة هو ما يدفع بالمحتكرين إلى استغلال هذه الأزمة، لأنهم يعلمون أنهم سيفلتون من العقاب، علاوة على أن عدم الثقة والاطمئنان لقرارات الدولة يعزز نزعة "الفردانية" وأحياناُ الأنانية في التعاطي مع الأزمات، لذلك يكدس بعض التونسيين المواد الغذائية في بيوتهم تحسباً من المستقبل الغامض في ذهنه، وهو ما خلق معضلة في التزويد في السوق.

2000 متطوع لخدمة الناس

وبقدر ما رحب التونسيون بما يقوم به المجتمع المدني من مبادرات تطوعية إنسانية، عبروا أيضاً عن رفضهم استغلال هذا الظرف لاحتكار مواد غذائية أساسية، ورفع أسعار مواد التعقيم والكمامات، ودعوا السلطة إلى "الضرب بقوة على أيدي المتلاعبين بقوت التونسيين وصحتهم".

 ويعتبر الهلال الأحمر التونسي واحداً من أبرز منظمات المجتمع المدني، الذي يقوم بمعاضدة مجهود الدولة في هذه المحنة. وقد وضع أكثر من 2000 متطوع في كامل أنحاء الجمهورية، من أجل تقديم المساعدة.

"خدمة الناس رصيد لا يفنى"

وخلال لقاء إحدى المتطوعات في هذه الجمعية وهي شيماء حسيني (28 سنة)، وهي إلى جانب شهادة الماجستير في اللغة الفرنسية، مدربة تايكواندو، تتسلح يومياً بأدواتها الوقائية من كمامات ومواد تعقيم، وتنطلق مع بقية زملائها في اتجاه مركز البريد أو أرياف المحافظة الكاف شمال غربي العاصمة تونس، لتقديم المساعدة، وقد اختارت أن تتطوع حباً بالناس وخدمتهم ومن دون مقابل.

وتضيف "سلاحي الذي يشحذ عزيمتي هو حب الناس والثقة التي يمنحونا إياها. فالناس هنا يأتمنوننا على أموالهم ويستمعون إلينا بانتباه ويلتزمون بما نضعه من إجراءات كالتعقيم وترك مسافة أمان عند الصفوف.

شيماء ممتلئة بحب الناس وتتقن مهمتها بشغف، لذلك تنجح المبادرات التي تنخرط فيها مع بقية زملائها على غرار حملات التوعية بكيفية انتشار فيروس كورونا أو تنظيم الصفوف أمام المصارف ومراكز البريد أو المساحات التجارية الكبرى.

مخالفات اقتصادية وأخرى قضائية

مبادرات تضامنية تطوعية يقابلها انتشار ظاهرة الاحتكار وعدم الالتزام بالحجر الصحي وحظر التجول، وقد أكدت وزارة الداخلية في بياناتها الرسمية الاحتفاظ بحوالى 1500 شخص من المخالفين لحظر التجوال، وما يقارب الـ 500 شخص لعدم التزامهم بالحجر الصحي الشامل. كما وُضع 140 شخصاً في الإقامة الجبرية لمخالفتهم الالتزام بالحجر.

وبخصوص المخالفات الاقتصادية من احتكار وبيع مشروط، أكدت وزارة الداخلية أنها سجلت حوالى 1200 مخالفة في هذا المجال، وإيقاف 50 شخصاً على ذمة العدالة.

وعلى الرغم مما تقوم به وزارة التجارة والداخلية ووزارة الدفاع الوطني من مجهود لاحترام الحجر وحظر التجوال المفروض منذ 17 مارس (آذار) الماضي، إلا أن وعي المواطن يبقى ضرورياً في مساندة هذا المجهود بالتعاون مع المجتمع المدني، من خلال احترام إجراءات الحجر والتبليغ عن كل التجاوزات التجارية وتعزيز قيمة التضامن ومساعدة ضعاف الحال خلال هذه المحنة.

المزيد من العالم العربي