نفّذ موظفون وصيادلة وعمال سودانيون إضراباً عن العمل يوماً واحداً، الثلاثاء، تلبيةً لدعوات أطلقتها "قوى الحرية والتغيير" التي تنظم احتجاجات شعبية منذ 76 يوماً، تمهيداً لإضراب وعصيان مدني شامل في البلاد.
صيدليات ومدارس وشركات مغلقة
وأغلقت مؤسسات خاصة وصيدليات أبوابها، استجابةً لدعوات "قوى الحرية والتغيير" إلى الإضراب عن العمل في 5 مارس (آذار) الحالي.
ودخلت المدارس الحكومية في عطلة رسمية، لكنها فتحت أبوابها للممتحَنين في الشهادة المؤهِّلة لدخول الجامعة. وزارت "اندبندنت عربية" مدارس خاصة في شرق الخرطوم تدرّس المناهج الأجنبية، حيث وجدت مدرستين مغلقتين بسبب اضراب غالبية المعلمين.
وأفاد "تجمع المهنيين السودانيين" عبر صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك" أن موظفي شركات خاصة وكوادر مختبرات طبية ومهندسين وصحافيين ومزارعين ومصرفيين وتجاراً وأصحاب محال تجارية استجابوا نداء الاضراب. وأضاف "التجمّع" أن "بعض موظفي شركات النقل أضربوا أيضاً، إضافةً إلى عمّال الورش في المناطق الصناعية وكوادر طبية في المستشفيات".
ونشرت "لجنة أطباء السودان المستقلة" صوراً لأطباء وهم يرفعون لافتات متعلقة بالإضراب في عدد من المستشفيات. وذكر شهود أن حركة المواصلات كانت خفيفة في أغلب شوارع العاصمة، إلا أن الشوارع الرئيسة وسط الخرطوم شهدت حراكاً طبيعياً.
سجال بشأن صور الإضراب
وظهر مشاركون في الاضراب يحملون لافتات وإشارات كُتب عليها "مضرب عن العمل" أو تظهر مواقفهم الرافضة لاستمرار النظام الحاكم.
وبثّ ناشطون معارضون للحكومة صوراً على مواقع التواصل الاجتماعي عن اغلاق محال تجارية ومؤسسات وصيدليات وشركات استجابةً للإضراب، في حين عرض مساندون للحكومة صوراً أخرى أظهرت فتور الاستجابة للإضراب وأن الحياة تمضي بصورة طبيعية ولم تتأثر بالدعوة إلى الاضراب.
وفرض الرئيس السوداني عمر البشير حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد، وأتبعها بإصدار أوامر تمنع التظاهر والتجمهر والإضراب، وتهدد المخالفين بعقوبات قاسية كالسجن ودفع غرامات مالية.
الافراج عن قيادي معارض
من جهة أخرى، قال حزب المؤتمر السوداني المعارض إن السلطات الأمنية أفرجت في وقت متقدم من ليل الإثنين، عن رئيس الحزب عمر الدقير بعد اعتقاله في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وقال المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني المعارض إن جهاز أمن النظام أفرج عن الدقير "بعد أكثر من شهرين من الاعتقال التعسفي المخالف للقوانين والدستور والمنتهك لحقوق الإنسان". وأضاف "لا يزال حوالي 40 من قياديي المؤتمر السوداني وأعضائه رهن الاعتقال، إلى جانب قادة سياسيين". واعتُقل عمر الدقير بعد تأييده الاحتجاجات المطالِبة برحيل النظام الحاكم.
ونفى بيان حزب المؤتمر السوداني معلومات سرت بشأن اعتزام البشير زيارة الدقير في منزله بعد الافراج عنه. وأضاف البيان "لا علم لنا البتة بزيارة رئيس النظام اليوم الثلاثاء أو في أي يوم آخر، ونؤكد أن موقفنا من هذا النظام ثابت لا يتزحزح ولن يجمعنا برئيسه لقاء أو حوار".
وشدد الحزب على اتساق موقفه مع قوى إعلان "الحرية والتغيير" وموقف الشارع السوداني الذي قضى بأن موعد التغيير حان، وأن تنحي البشير وتسليم السلطة إلى الشعب "أمر لا يقبل القسمة على اثنين".
وكان وزير الداخلية السوداني السابق أحمد بلال صرح قبل يومين بأن البشير بصدد اتخاذ قرارات مهمة تزيل الاحتقان وحالة الاحتراب والكراهية التي تسود هذه الأيام من دون الإفصاح عن تفاصيل أخرى. وانتشرت تسريبات مفادها أن أبرز القرارات التي ستُتخذ هي الإفراج عن المعتقلين السياسيين ودعوتهم إلى حوار شامل، وحضهم على المشاركة في حكومة وحدة وطنية.
فشل مساعٍ للتقريب بين الخرطوم وأسمرة
وفشل لقاء ثلاثي جرى التّرتيب له سراً بين الرئيسين السوداني عمر البشير والاريتري اسياس أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في الخرطوم، الإثنين الماضي، وأُرجئ إلى وقتٍ لاحقٍ لإعادة تشكيل خريطة التحالفات في القرن الإفريقي.
وأعد رجال القصر ومَراسم الدولة الصالةَ الرئاسية في مطار الخرطوم لتشهد لقاءً مُهمّاً، وأجروا مُراجعة دقيقة لتأمين الشق العسكري من مطار الخرطوم، وهيّأ عُمّال النظافة البساط الأحمر انتظاراً لقدوم الضيف الكبير. وجرت مساء الأحد اتصالات بين الخرطوم وأديس أبابا، في حين أبلغت إثيوبيا الحكومةَ السودانية بتوقف طائرة رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد في مطار الخرطوم ومعه الرئيس الإريتري لكسر جمود العلاقات بين الخرطوم وأسمرة، على أثر رسالةٍ بعث بها البشير الشهر الماضي إلى أفورقي من كسلا في شرق السودان لفتح الحدود بين البلدين. إلا أن إريتريا لم تُرحِّب بالقرار واعتبرته شأناً خاصاً بالخرطوم.
وبعد مُغادرة آبي أحمد وأفورقي مطار أديس أبابا في طريقهما إلى جوبا عاصمة جنوب السودان، نَشَبَ خلافٌ بينهما على التّوقُّف بمطار الخرطوم وإنهاء القطيعة بين البلدين بمبادرة من إثيوبيا. واتخذت الطائرة مساراً آخر نحو جوبا عاصمة جنوب السودان التي فوجئت برغبة الإثيوبيين والإريتريين بزيارتها.
وكان رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت في طريقه إلى الولايات الجنوبية، في زيارة تشمل بحر الغزال وأعالي النيل، لحضّ الجنوبيين على دعم المصالحة، لكنه قطع جولته لاستقبال أحمد وأفورقي.
وَجَرَت مُفاوضات ثلاثية، هَاتَفَ خلالها مسؤولون في الحكومة الإثيوبية، وزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد. وأُبلغت الخرطوم رسمياً بتأجيل اللقاء الثلاثي لإبرام مصالحة بين البشير وأفورقي. وقرّرت حكومة جنوب السودان إحياء مبادرة سلفاكير التي طرحها على القيادة السودانية بالوساطة بين الحكومة ومتمرّدي "الحركة الشعبية - الشمال" التي تقاتل الحكومة في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.