Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

باختصار، تلوث الهواء انخفض مع كورونا!

تراجع ثاني أوكسيد الكربون لا يلبي طموحات اتفاق باريس للمناخ، لكن "كأننا عدنا بالزمن إلى الوراء"

هل ثمة درس من انخفاض تلوث الهواء مع جائحة كورونا؟ لنتأمل خيراً (أ.ب.)

أفادت مجموعة من العلماء الذين يرصدون البيانات عن انبعاث غازات التلوث في الجو، بأنّ انتشار وباء فيروس كورونا قد يؤدّي هذا العام إلى تراجع التلوّث بغاز ثاني أكسيد الكربون عالمياً إلى أدنى مستوياته في 70 عاماً.

وأشار روب جاكسون، رئيس مشروع "غلوبال كربون" الذي يُعنى بإصدار توقعاتٍ عن انبعاث غازات التلوّث سنوياً وتُتابع على نطاقٍ واسع، إلى أنّ مجموع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قد يتراجع بما يفوق الـ5 في المئة بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، ما يشكّل أول تراجع منذ انحفاض مشابه بلغ 1.4 في المئة في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008.

وذكر البروفسور جاكسون من "جامعة ستانفورد" في كاليفورنيا "لن أتفاجأ لرؤية تراجعٍ بـ 5 في المئة أو أكثر في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون هذا العام، وذلك أمر لم يحدث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية." وأضاف، "لا انهيار الاتحاد السوفياتي ولا أزمات النفط أو المدّخرات والقروض التي حدثت خلال الخمسين عاماً السابقة تمكّنت من التأثير في هذه الانبعاثات بالطريقة التي فعلتها هذه الأزمة المستجدّة".

تجدر الإشارة إلى أنّ التراجع الذي تشهده انبعاثات ثاني أكسيد الكربون حاضراً يأتي في وقتٍ أفادت فيه دول العالم عن تحسّناتٍ جذرية وملحوظة في نوعية الهواء فيها جرّاء الإقفال التام الذي أوقف الرحلات الجوية وعلّق النشاطات الصناعية.

وتُعتبر هذه التوقعات الجديدة عن تراجع تلوّث الغلاف الجوي بانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، أحد أقوى غازات التلوّث المرتبطة بظاهرة "الاحتباس الحراري" [تسمّى أيضاً "ظاهرة الدفيئة"]، بمثابة بارقة أملٍ إيجابية في وقتٍ يتصدّى فيه العالم بأسره لتبعات هذا الوباء الذي أصاب أكثر من مليون شخص أخيراً، وحصد أرواح أكثر من 50 ألف آخرين.

وفي أوقات سابقة، أطلق علماء من كل أنحاء الكوكب صرخاتٍ متكرّرة لحكومات العالم طالبت بكبح جماح هذه الانبعاثات لتجنّب "كارثة"، وفق وصف "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" [= هيئة علمية تابعة للأمم المتحدة ومتخصّصة في رصد التبدّل في مناخ الأرض].

في المقابل، لم يحدث هذا الانخفاض في معدلات ثاني أكسيد الكربون والتلوّث بسبب المخاوف من التغير المناخي، بل نجم عن الطوارئ الصحية غير المسبوقة التي أجبرت الناس على ملازمة منازلهم.

وسبق أن حذّر العلماء أنّه في غياب إعادة تنظيمٍ هيكلي للاقتصادات العالمية، قد لا يتمكّن هذا التراجع في الانبعاثات الذي سبّبه فيروس كورونا، من الاستمرار طويلاً وسيكون تأثيره صغيراً في تركيزات ثاني أكسيد الكربون التي تراكمت في الجو على مرّ عقودٍ من الزمن.

في هذا السياق، أشارت كورين لو كيري، عالمة مناخ في "جامعة إيست أنغليا"، إلى أن "هذا التراجع لم يحدث بسبب التغييرات الهيكلية المنظّمة. واستطراداً، عندما سينتهي العزل المنزلي، أتوقّع أن تعود الانبعاثات لترتفع وتصل إلى ما كانت عليه في السابق".

وعلى نحو مماثل، أشار البروفسور جاكسون إلى أنه بعد تراجع انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، عادت [تلك الانبعاثات] وارتفعت بـ5.1 في المئة في مرحلة الانتعاش ما بعد الأزمة.

وفي هذه الاثناء، بدأ نمط مماثل للعودة السريعة يظهر بالفعل في الصين حيث تراجعت الانبعاثات حوالى 25 في المئة مع إقفال البلاد للمعامل وفرضها تدابير صارمة على تحركات السكان لاحتواء فيروس كورونا في أوائل العام الحالي، ولكن الانبعاثات عادت مجدداً لتسجّل معدلاتٍ طبيعية. وإن دلّ هذا الانتعاش المرتبط بالتلوث على شيء، فإنّه بالتأكيد يسلّط الضوء على التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لبلوغ الأهداف التي أرساها "اتفاق باريس عن المناخ"، وتفادي حدوث أسوأ سيناريوهات التغيّر المناخي.

في سياقٍ متصل، وجد تقرير أعدّته الأمم المتحدة ونُشر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، أنّه يجب على الانبعاثات أن تبدأ بالتراجع بمعدّل 7.6 في المئة سنوياً للوصول إلى إمكانية الحدّ من ارتفاع الحرارة العالمية بـ1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الأكثر طموحاً في إطار "اتفاق باريس". واعتبر كريستوفر كارنوسكاس، الأستاذ المحاضر في قسم علوم الغلاف الجوي والمحيطات في "جامعة كولورادو بولدر"، أنّه "لا يرى بشكلٍ من الأشكال أنّ ذلك يشكّل أخباراً جيّدة، سوى أنّها تثبت بأنّ الإنسان يمثّل السبب في رفع معدّلات انبعاثات غازات الدفيئة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي أوقات سابقة، أشار عدد من المجموعات العلمية إلى أنّ كل "بارقة أملٍ" في تراجع معدّلات الكربون في الجو بسبب انتشار الوباء، "قد تتلاشى بسرعة البرق". ويبقى العالم معتمداً بشكلٍ كبير على الوقود الأحفوري في أكثر من 80 في المئة من إنتاج الطاقة، وغالباً ما تعتمد توقّعات الانبعاثات على تقديراتٍ متعلّقة بالنمّو الاقتصادي العالمي.

وفي الشهر الماضي، توقّع غلين بيترز، مدير الأبحاث في "مركز الأبحاث المناخية الدولية" في أوسلو بأن تتراجع انبعاثات الكربون ما يتراوح بين 0.3 و1.3 في المئة هذا العام على أساس أعلى التوقعات وأدناها لجهة نموّ إجمالي الناتج المحلي العالمي، والصادرة عن "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية". وبعد مرور بضعة أيام، توقّع "معهد برايكثرو" وهو مركز أبحاث في كاليفورنيا، أن تتراجع الانبعاثات بين 0.5 و2.2 في المئة. وانطلق في حساباته من توقعات النموّ الصادرة عن بنك "جي بي مورغان"، مفترضاً انتعاش الاقتصاد العالمي في النصف الثاني من العام. وفي هذا السياق، قال سيافر وانغ، محلّل شؤون المناخ والطاقة في المعهد ذاته، إنّ "تقديراتنا تشير إلى أنّ بارقة الأمل المناخية المرتبطة بالوباء ستتلاشى بسرعة. يبدو الأمر كأننا عدنا بالزمن وأنتجنا الكمية ذاتها من الانبعاثات التي كنّا ننتجها قبل بضعة أعوام، وقد كانت في الأساس مرتفعة للغاية. في المشهد العام، لا يختلف الأمر كثيراً".

وفي مقلب آخر، يرى البعض في ذلك ضربة كبرى للاقتصاد. فقد صرّح "مركز بحوث الاقتصاد والأعمال" (مقرّه لندن) إلى وكالة "رويترز"، أنّه يتوقّع تراجع إجمالي الناتج المحلي العالمي 4 في المئة على الأقلّ هذا العام، ولو أنّ في ذلك هامش خطأ ضخماً". وأشار المركز إلى أنّه من شأن هذا التراجع أن يكون أكثر من ضعفَيْ ما سُجّل خلال الأزمة الاقتصادية العالمية وأكبر تراجع سنوي في إجمالي الناتج المحلي منذ 1931، مع عدم احتساب فترات الحرب. وفي الوقت الذي تطلق فيه الحكومات حزمات دعم هائلة للحدّ من انهيار اقتصاداتها، يراقب المستثمرون حالياً كيف تتعامل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي واليابان مع مصادر الطاقة التي تعتمد على انبعاثات أقلّ.

وتعقيباً على ذلك، اعتبر بيار فريدلينغستاين، رئيس "وحدة النمذجة الرياضية للنظام المناخي" في "جامعة إكستر" في جنوب غربي إنجلترا أنّه "حتى لو حصل تراجع في الانبعاثات عام 2020، لنقل 10 أو 20 في المئة، وذلك ليس أمراً تافهاً بل مهمّاً، لكن من وجهة نظر مناخية، لن يشكّل ذلك سوى اختراق صغير إذا عادت الانبعاثات في 2021 إلى ما كانت عليه قبل أزمة فيروس كوفيد-19". وكذلك أشار دان لاشوف، المدير الأميركي في "معهد الموارد العالمية" إلى إنه "لهذا السبب من المهم التفكير في طبيعة رزمات الدعم الاقتصادية المقدمة عالمياً، مع خروج البلدان من أحدث أزمة صحية واجهتها".

( تقارير إضافية من وكالة "رويترز")

© The Independent

المزيد من بيئة