Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نادين لبكي بعد عودتها من حفل الأوسكار: "كفرناحوم" ثورة بوجه الظلم وبداية للتغيير

"أؤمن بقوة السينما وكان كفرناحوم مُتنفساً للممثّلين ومساحةً سمحت لهم بأن يعبّروا عن معاناتهم وأن يستمع لهم الآخرون "

صحيح أنّ "كفرناحوم" لم يحصد جائزة الأوسكار، لكنّه شارك في العديد من المهرجانات، ونال أكثر من 23 جائزة، بالإضافة إلى عدد كبير من الترشيحات المرموقة، هذا عدا التنويهات والإشادة به من نجوم هوليوود والصحافة العربية والعالمية.

أنا فخورة كوني أول لبنانية تترشّح لها

نادين لبكي التي تعدّ أوّل امرأة عربية تترشح لكلّ تلك الجوائز، وخصوصاً الأوسكار، تحدّثت عن شعورها، قائلةً "طبعاً أنا سعيدة جداً. ولكن قبل أن أكون أوّل امرأة تترشّح للجائزة، فأنا فخورة كوني أوّل لبنانية تترشّح لها، وأرجو أن أكون قد مثّلت بلدي خير تمثيل، كما أنني سعيدة، لتجربة زميلي زياد دويري الذي ترشّح قبلي للجائزة، لأنّنا استطعنا أن نضع هذا البلد الصغير الذي ليس لديه صناعة سينمائية على الخارطة العالمية. نحن كمخرجين لبنانيين، كما قرّرنا أن ننجز عملاً سينمائيا، نخوض معركة للتمويل والكتابة والصناعة".

وتابعت لبكي "وأنا لا أخفي فرحتي، لأنّنا صنعنا هذا الفيلم في المنزل، وبتمويل من زوجي الذي قام بعمل جبّار وخاض تجربة الإنتاج لأوّل مرّة، واضعاً كل ماله لإنتاجه، مع أنّ هذا الأمر جعل ظروفنا المادية ضاغطة. وأيضاً أنا ممتنة لفريق العمل الذي شارك في هذه المغامرة وضحّى بأربع سنوات من حياته من أجله، وكذلك أنا سعيدة بالممثلين، هؤلاء الأشخاص المهمّشون الذين لا صوت لهم، ويصارعون الحياة يومياً، لأنّني استطعت أن أوصل صوتهم إلى هذا المنبر، وهذا ما أعتبره النجاح والفوز الأكبر لي".

أوبرا وينفري تبنّت قضية فيلم "كفرناحوم" إنسانياً

ومع أنّ فيلم "كفرناحوم" لم يفز بجائزة الأوسكار، إلا أنّ صدى نجاحه كان كبيراً وحصد الكثير من الإشادة من نجوم هوليوود، كما من الإعلامية الكبيرة أوبرا وينفري، وحول هذا الموضوع تقول نادين لبكي "أنا سعيدة بكل تلك الأصداء وسعيدة أكثر لأنّ الإعلامية الكبيرة تبنّت قضية الفيلم، وهي تريد أن تهتم بهذا الموضوع إنسانياً. أنا أؤمن أنّ السينما يمكن أن تغيّر الواقع".

وعن سبب اختيارها "كفرناحوم" اسماً للفيلم، تقول نادين "الاسم فرض نفسه من دون أن أخطّط لذلك. حينما بدأت بالتفكير بهذا الفيلم، اقترح عليّ زوجي كتابة جميع المواضيع التي أريد التطرّق إليها على لوحٍ أبيض في وسط غرفة الجلوس في منزلنا، وهي طريقة اتّبعها عادةً لدراسة الأفكار التي أريد تطويرها. وعندما عدت بعد فترة إلى اللوح، أخبرتُ زوجي بأنّني أشعر بأن هذه القضايا والأعباء والهموم أشبه بجحيم لا يطاق (أي كفرناحوم) ومن هنا جاء الاسم".

مواضيع على اللوح

وتحدّثت نادين لبكي عن أبرز المواضيع التي دوّنتها على اللوح، قائلةً "دائماً، كنت أشعر بأهميّة مناقشة النظام القائم وتناقضاته من خلال أفلامي، ولا أكتفي بمجرّد الطرح أو النقاش، بل أسعى أيضاً إلى تصوّر أنظمةٍ بديلة. في البداية كانت المواضيع التي شغلت بالي هي: قضايا المهاجرين غير الشرعيين، والأطفال الذين يعانون سوء المعاملة، والعمّال المهاجرين، وفكرة الحدود وغرابتها، وحقيقة أنّنا نحتاج إلى ورقة لكي نثبت وجودنا، والتي يمكن أن تكون باطلةً إن دعا الأمر، إضافةً إلى العنصرية والخوف من الآخر، وعدم الاكتراث باتفاقية حقوق الطفل".

هكذا بدأت فكرة "كفرناحوم"

ولماذا انتهى بها الأمر بجعل قضية الطفولة المحور الأساسي في الفيلم؟ تجيب "لأنّني قرّرت التركيز على قضيّة الأطفال الذين يعانون سوء المعاملة بالتوازي مع هذا العصف الذهني الذي مررت به لبلورة فكرة الفيلم. لقد عشت موقفاً أثر فيّ كثيراً، وأشعرني بأهمية هذا الطرح، عندما عدت من إحدى الحفلات عند الواحدة فجراً، وتوقفت بسيارتي عند إحدى الإشارات الضوئية ولمحت عيناي تحت نافذة سيارتي طفلاً غافياً في حضن أمه التي كانت جالسة تتسوّل على قارعة الطريق. وتمثّلت الصدمة، بأن الطفل لم يكن يبكي، بل يريد أن ينام فقط. ولم تفارق صورته وهو يغلق عينيه مخيّلتي، وعندما وصلت إلى المنزل، كان لا بدّ من أن أتصرّف حيال تلك الصورة، فرسمت وجه طفلٍ يصرخ في وجه أناسٍ بالغين ويلومهم لأنهم أتوا به إلى عالم سلب منه كل حقوقه. وهكذا بدأت فكرة كفرناحوم بالنمو، وكانت الطفولة هي نقطة الانطلاق لأنها المرحلة التي ترسم وتحدّد ما يتبقى من حياتنا".

وعن رسالة التغيير التي تجلّت في كفرناحوم كما في سائر أعمالها، توضح "السينما هي وسيلةٌ لطرح الأسئلة قبل كل شيء، بما فيها تلك التي أطرحها على نفسي، بشأن النظام الحالي، كما أنّها وسيلة أقوم من خلالها برسم تصوري للعالم الذي أتطوّر ضمن دائرته. كنت وما زلت مثالية جداً، وأؤمن بقوة السينما. حتى لو كانت أعمالي، وكفرناحوم تحديداً، ترسم صورةً صادمةً ومجرّدة للواقع، فإنّني مقتنعة تماماً بأنّ السينما، وإن عجزت عن تغيير الواقع، تستطيع أن تؤسّس لنقاش مثمر أو أن تدفع الناس إلى التفكير".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أظهرت حقيقة الوجه الخفي لبيروت

وتضيف لبكي " في كفرناحوم، جعلت من مهنتي سلاحاً، وليس مجرّد شجب لمصير هذا الطفل الذي رأيته في الشارع والاستسلام لشعور العجز. وقرّرت إنجاز العمل، على أمل أن يكون لي أثرٌ على حياته كما أقرانه، ولو عبر لفت انتباه الناس ووعيهم لهذه المشكلة، وأكثر ما حفزّني على تقديمه، رغبتي برسم صورةً حقيقية للوجه الخفي لبيروت كما معظم المدن الكبيرة، من خلال التوغلّ في الحياة اليومية لأولئك الأشخاص الذين يعتبر الفقر المدقع مصيراً حتمياً لهم ولا يستطيعون الفرار منه".

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت قد تعمّدت أن يكون ممثلو الفيلم أشخاصاً يعيشون حياة قريبة من حياة شخصياتهم في الفيلم، تقول "بالفعل. حياة زين على أرض الواقع تشبه حياة شخصيته في الفيلم ومن أكثر من زاوية، وكذلك بالنسبة إلى رحيل، السيدة التي تعيش بلا أوراق رسمية. أما شخصية أم زين، فاستوحيتها من امرأة قابلتها، أنجبت 16 طفلاً، وتعيش في ظروف مشابهة لتلك التي يصوّرها الفيلم، مات ستة منهم، وتُرك البعض الآخر في دورٍ للأيتام لأنها لا تستطع الاعتناء بهم. أما السيدة التي لعبت دور كوثر فكانت تطعم أولادها مكعبات ثلج مغطاة بالسكر فعلاً، وحتى القاضي كان قاضياً في الواقع. وكنت الوحيدة التي لم تعايش ظروفاً تُماثل ما يحدث على الشاشة، ولهذا أردت أن يكون دوري هامشياً قدر الإمكان. لطالما كانت لديّ بعض التحفّظات حول استخدام كلمة "لعب الدور" عند الإشارة إلى ممثلي العمل السينمائي، وخصوصاً في فيلم "كفرناحوم" الذي كانت فيه المصداقية أولويةً مهمّة".

 

 

الفيلم صرخة لقضية

وقالت لبكي "أنا أدين لكل من كان الفيلم صرخةً لقضيته. كان من الضروري أن يدرك الممثّلون نوعيّة الظروف التي نريد إبرازها، لإعطائهم الشرعية حين يتحدّثون عن قضاياهم. وأظنّ أنّ مهمّة تجسيد شخصيات تحمل كل هذه الهموم والآلام، أشبه بمهمّة مستحيلة للممثّلين بشكل عام. ومن هذا المنطلق، رغبت بأن يغوص فيلمي في أعماق شخصياتي وليس العكس، ولهذا كان اختيار أشخاص غير محترفين للتمثيل أمراً بديهياً. طوال فترة التصوير، آمنت بأنّ هناك قوةً خفيةً رعت الفيلم، وشاءت الأقدار بأن يسير كلّ شيء كما أردنا. كنت أكتب شخصياتي، وأشاهدها وهي تقفز من الصفحات إلى الشارع، لتتلقفها عيون المسؤولة عن اختيار الممثلين. كل ما طلبته منهم أن يكونوا على طبيعتهم، لأن حقيقتهم كانت كافية، وأنا وقعت في غرامهم. وبعيداً من إعجابي بمدى صدقهم على الشاشة، كنت سعيدةً لأنّ الفيلم منحهم منبراً يعبّرون من خلاله عن أنفسهم، ومساحةً لتعرية معاناتهم".

رحلة بطل الفيلم "زين"

وعما إذا كانت تعتبر أن محرّك الفيلم الأساسي هي رحلة بطل الفيلم "زين" الذي لا يحمل أي أوراق رسمية، تقول نادين لبكي "عدم امتلاك زين لأي وثائق رسمية، يعني من الناحية القانونية أنّه غير موجود. وقضيته تختزل مشكلةً أبرزتها على مدار الفيلم، وتتمثّل في شرعية وجود الإنسان. لقد وجدت العديد من الحالات المشابهة، خلال بحثي عن أطفال ولدوا من دون توثيق لأنّ ضيق حال ذويهم حال دون ذلك، والذين خطف الموت الكثير منهم، غالباً بسبب الإهمال أو سوء التغذية، أو ببساطة لغياب الرعاية الطبية. هؤلاء الأطفال ماتوا من دون أن يلاحظ أحد، وكأنّهم بلا وجود في هذه الحياة، وكلّهم كانوا يقولون بأنّهم كانوا غير سعداء لمجيئهم إلى هذا العالم، وبحثي حول هذا الموضوع يبرهن ذلك".

نادين لبكي التي بدأت التصوير بعد ولادة ابنتها بفترةٍ وجيزة، هل عانت من مشكلة التوفيق بينهما؟ تقول "ابنتي مايرون و"يوناس" (إحدى شخصيات الفيلم) متقاربتان جداً في العمر، وأنا وشخصية "رحيل" كنا نرضع ابنتينا في الوقت نفسه، وأدت هذه التجربة المزدوجة، بين موقع التصوير وبين حياتي الشخصية عندما حاولت أن أوازن بينهما، إلى تعميق علاقتي بالفيلم. حتى عندما كان يتوجّب علي أن أغادر إلى المنزل بين كل لقطة وأخرى لكي أرضع ابنتي، أو بالكاد لكي أنام، كانت هناك قوة، لا أستطيع شرحها، تبعث في داخلي وتحملني على إتمام التصوير. كان ذلك أمراً مذهلا حقاً".

"كفرناحوم" قصة روائية

وعمّا إذا كانت تعتبر "كفرناحوم" فيلماً وثائقياً، تجيب "كفرناحوم قصة روائية، لديها سيناريو مدروس ومكتوب، لكنّني عايشت وشاهدت خلال بحثي جميع عناصرها. لا يوجد في الفيلم شيء مختلق أو من وحي الخيال، بل هو نتاج زياراتي لمناطق فقيرة، ومراكز الاحتجاز، وسجون الأحداث التي زرتها وحيدةً وأنا متخفية وراء قبعة ونظارات شمسيّة. استغرق الفيلم ثلاث سنواتٍ من البحث، لأنّه كان يجب أن أؤمن بالقصة لكي أكون قادرة على سردها. صوّرنا الفيلم في مناطق فقيرة بين جدرانٍ شهدت مآسي مماثلة، باستخدام أدواتٍ متواضعة وممثّلين طُلب منهم، أن يكونوا على طبيعتهم. وحرصت على إخراج التجربة بطريقةٍ تخدم العمل، ولهذا السبب استغرق التصوير ستة أشهر، وفي النهاية، وجدنا بين أيدينا أكثر من 520 ساعةٍ من المشاهد التي تمّ تصويرها".

فيلم لبناني بالتأكيد

وهل تعتبر أن "كفرناحوم" فيلم لبناني أم عالمي، توضح "على صعيد الإنتاج والمكان، هو فيلم لبناني بالتأكيد. ولكن القصة هي قصة كل إنسانٍ لا يملك حقوقه الأساسية، أو حالت العوائق بينه وبين حصوله على التعليم، والرعاية الصحية، والحب أيضاً. هذا العالم المظلم الذي تتنقّل هذه الشخصيات بداخله هو اختزال لحقبة، ولمصير كل مدينة كبيرة في هذا العالم".

وهل ترى نادين لبكي أنّه يمثّل نقلةً نوعية في مسيرتها الإخراجية، كونه بعيداً عن أعمالها السابقة التي يسودها التفاؤل؟ تجيب "ينجح زين في الحصول على وثائقه في نهاية الفيلم، وتجد رحيل طريقةً للتواصل مع ابنها. ونحن نجحنا أيضاً بتسوية أوضاعهم القانونية في لبنان، لأنّني لم أرغب بأن تكون النهاية السعيدة مقيّدةً بحدود الشاشة، وآمل بأن يحدث ذلك في الحياة عبر النقاش الذي يثيره هذا الفيلم. لقد كان كفرناحوم مُتنفساً للممثّلين، ومساحةً سمحت لهم بأن يعبّروا عن معاناتهم وأن يستمع لهم الآخرون، وهذا يعدّ انتصاراً بحدّ ذاته".

أحلام نادين

إلى الجوائز تحلم نادين لبكي بطموحات أخرى بالنسبة إلى فيلمها، وتقول "أقصى ما أريده هو أن يدفع الفيلم أصحاب المناصب والقرار إلى سنّ قانونٍ يؤسّس لبنية حقيقية تحمي من يتعرّضون لمعاملة سيئة والأطفال المهملين. آمل أن نصون، ولو قليلاً، حرمة هؤلاء الأطفال، الذين لم يأتوا إلى هذا العالم سوى بقضاء الله، أو ربّما هم كانوا مجرد تنفيس لشهوة أو نزوة وليدة لحظة، تركت خلفها أطفالاً يعانون لسنين وعقود".

المزيد من فنون