في الوقت الذي تتصاعد فيه المخاطر التي خلّفها فيروس كورونا المستجد على اقتصاديات العالم، سواء الكبرى أو الدول النامية والأسواق الناشئة، لكن تبقى مشكلة التمويل هي الأكبر في ظل ما تواجهه الأسواق من خسائر حادة وعنيفة.
في الولايات المتحدة، التي تتصدّر قائمة المتضررين، قال كبير المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، لاري كودلو، إنه يؤيد اقتراحاً ببيع الولايات المتحدة "سندات حرب" مصممة بشكل خاص لمكافحة تفشي فيروس كورونا.
وأضاف "فكرة رائعة سأعرضها على الرئيس دونالد ترمب"، مؤكداً أن "الوقت مناسب الآن لإصدار سندات خزانة أميركية خاصة بجمع تمويل للتخفيف من تداعيات فيروس كورونا المستجد. سيكون هذا استثماراً طويل الأمد في مستقبل نظام الصحة والسلامة والاقتصاد الأميركي، لذا من وجهة نظري، بغضّ النظر عن الاعتبارات الفنية، أعتقد أن المفهوم صحيح تماماً".
وخلال الأيام الماضية، أقرّت الولايات المتحدة حزمة تحفيزية بقيمة 2.2 تريليون دولار لدعم الاقتصاد المتضرر من فيروس كورونا وسط عمليات الإغلاق وتقييد حركة المواطنين لمنع تفشي الوباء.
أوروبا قد تلجأ إلى الاقتراض بالدولار
وتشير التوقعات إلى أن وتيرة انكماش الاقتصاد العالمي تتجاوز ما كانت عليه في بداية الأزمة المالية عام 2008، حيث يكشف مؤشر الناتج المحلي الإجمالي العالمي لوكالة "بلومبيرغ" أنه قد انخفض بنسبة 0.5 في المئة بمعدل سنوي في مارس (آذار)، بعد أن حقق 0.1 في المئة في فبراير (شباط) و4.2 في المئة في يناير (كانون الثاني) الماضيين.
وفي تقرير حديث، توقع بنك "جي بي مورغان" انكماش الاقتصاد الأميركي بنسبة 25 في المئة في الربع الثاني من 2020 وارتفاع معدل البطالة إلى مستوى 14 في المئة. لكن في الوقت نفسه أشار البنك الاستثماري إلى أنه يمكن لأوروبا الآن الاقتراض بالدولار بأسعار فائدة سلبية بعد تراجع تكاليف مبادلة النقد الأجنبي. حيث تسببت تداعيات أزمة "كوفيد-19" في تراجع تكلفة مبادلة اليورو والجنيه الإسترليني أمام الدولار إلى المنطقة السلبية مجدداً بعد أن كانت ارتفعت إلى مستويات أزمة الديون الأوروبية عام 2011.
ونقلت وكالة "رويترز" عن وسيط العملات، سايمون هارفي، قوله إن هذا الأمر يعد تحولاً غير معتاد في الأحداث، نظراً لأن العلاوة على الدولار كانت أمراً شائعاً في أسواق مبادلة النقد الأجنبي منذ الأزمة المالية، وعلى الرغم من التراجع في تكاليف الاقتراض في عقود المبادلة، فإن التكلفة ما زالت مرتفعة في نظام الإنتربنك بالولايات المتحدة، وهي مفارقة تُظهر أنه ما زالت هناك مخاطر ائتمانية أو نقص في السيولة في الأسواق.
خيارات تمويل محتملة في دول الخليج
عربياً، قالت مصادر مطلعة إن دبي في مراحل مبكرة من محادثات مع بنوك بشأن خيارات تمويل محتملة، بينما يعاني اقتصادها في ظل تداعيات فيروس كورونا المستجد. وأشارت إلى أن حكومة دبي لم تصدر حتى الآن طلباً لمقترحات، لكنها خاطبت في الأيام القليلة الماضية بنوكاً سبق أن أقرضت الإمارة، لمعرفة ما إذا كان من الممكن تقديم تمويل بين ثلاثة مليارات وخمسة مليارات دولار. في ما امتنعت دائرة المالية في دبي عن التعقيب، وفقاً لما ذكرته وكالة "رويترز".
وتؤثر قيود اجتماعية وعلى صعيد أنشطة الأعمال ناتجة عن الجائحة بشدة على قطاعات حيوية في مركز التجارة والسياحة بالشرق الأوسط. وتشير تقديرات محللين إلى أن التفشي قد يكلّف دبي ما بين خمسة في المئة إلى ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 إذا استمرت القيود لثلاثة أو أربعة أشهر أخرى. ولم تصدر دبي سندات حكومية منذ 2013، وتجري محادثات مع بنوك منذ العام الماضي، كما سبق وأوردت "رويترز"، بشأن عودة محتملة إلى أسواق الدين العالمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الوقت الذي تزيد فيه الجائحة ضغط حاجة الإمارة للتمويل، قالت مصادر مصرفية إنه من المستبعد العودة إلى سوق السندات في ظل الضبابية الحالية بالسوق. لكن مستثمري الديون العالميين ربما يكونون حذرين حيال أي سندات جديدة نظراً لثقل عبء ديون دبي، التي تقدّر بنحو 135 مليار دولار، أو ما يوازي 125 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويحلّ موعد سداد نصفها تقريباً قبل نهاية 2024.
وقالت المصادر إنه من غير الواضح ما إذا كانت أي أموال قد يتم جمعها ستذهب إلى حكومة دبي أو إلى شركات مملوكة للحكومة من خلال ضمان حكومي.
في الوقت نفسه، تستكشف أيضا دول أخرى في منطقة الخليج خيارات تمويل من خلال الاستدانة في مواجهة الضغط الاقتصادي على مالياتها بسبب الجائحة من ناحية، وإثر تهاوي أسعار النفط من ناحية أخرى. حيث أشارت المصادر إلى أن "الجميع في محادثات"، وأفادت مصادر مطلعة بأن وزارة المالية السعودية تستكشف خيارات تمويل. ولم ترد الوزارة حتى الآن على طلب للتعقيب. ورفعت السعودية الشهر الماضي سقف الاستدانة إلى 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، من مستوى 30 في المئة.
وأوضحت المصادر أن منتجي النفط الخليجيين الأقل ثراء، مثل البحرين وعُمان، خاطبا أيضا بنوكهما المعتادة على مدار الشهر الفائت بشأن قروض محتملة، وذلك في الوقت الذي ستجعل فيه تقلبات سوق السندات إصدار سندات لمستثمرين عالميين أكثر تكلفة بالنسبة إليهما.
الأزمة تبدو أكثر عنفاً في إيران
لكن تبدو الأزمة أعنف في إيران، حيث وافق الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي على سحب مليار يورو من صندوق الثروة السيادي للبلاد للمساعدة في مكافحة وباء فيروس كورونا المستجد. وتظهر بيانات رسمية أن إيران هي الدولة الأكثر تأثراً حتى الآن بفيروس كورونا في الشرق الأوسط، مع تسجيل 3739 وفاة وإصابة 60500 شخص بالفيروس حتى أمس الاثنين.
ومع عدم قدرتها على الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية وتعرّض ماليتها العامة لمزيد من الضرر من انهيار أسعار النفط العالمية، إضافة إلى عقوبات أميركية، تسعى طهران جاهدة لحماية اقتصادها من جائحة فيروس كورونا.
وفي أواخر شهر مارس الماضي، قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إن الحكومة الإيرانية تسعى إلى الحصول على موافقة على سحب الأموال من الصندوق السيادي للثروة. وستستخدم الأموال لتلبية حاجات وزارة الصحة وصندوق تأمين خاص بالبطالة، حسبما قال البيان الذي نشر على موقع الرئاسة الإيرانية على الإنترنت، مضيفاً أن روحاني شكر الزعيم الأعلى على هذا التحرك.