Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البيتلز بعد ستين عاماً: الاستماع إلى أغنياتهم في أوقات الشدة يشبه الرجوع إلى الكتاب المقدس

العودة إلى عالم الفرقة المألوف لكنه الغريب والمتغير في آن معاً ونحن نعيش حالة الإغلاق

صورة أرشيفية لفرقة البيتلز لدى الاحتفال من انتهاء العمل بأسطوانتها الجديدة "سرجنت بيبر لونلي هارتس كلوب" في 1967 (غيتي)

تكونت فرقة البيتلز في وقت أقرب إلى انتشار الإنفلونزا الإسبانية الذي حدث بين عامي 1918و 1920 منه إلى وباء كوفيد - 19 الحالي. وتصادف هذا العام الذكرى السنوية الستون لتشكيل الفرقة، لكن وللغرابة، فإنني أستمع إلى موسيقاها الآن أكثر من أي وقت مضى.

مع استمرار تأثر الفنون بفيروس كورونا - حيث ألغيت المهرجانات أو تأجلت العروض أو تأخرت الإصدارات - الشيء الوحيد الذي نتحكم فيه هو الأمور التي نستمع إليها أو نقرأها أو نشاهدها في المنزل. يمكن للموسيقى، كما نعلم جميعاً، أن تؤثر على مزاجنا بطرق متعددة. يمكننا أن نجد الراحة والعزاء في الموسيقى، كما هو عهد البشر دائماً. لا يمكننا السفر بعيداً جداً الآن، لكن يمكننا السفر بأذهاننا بواسطة الأغاني. سيتخذ حزننا في هذا الوقت أشكالاً مختلفة، وبالتالي ستتغير موسيقانا تباعاً.

الآن، وعلى هذه السفينة المخيفة الغريبة التي وجدنا أنفسنا على متنها، يمكن أن تكون الموسيقى وسيلة نجاة مؤقتة للتواصل. عندما أفتقد أصدقائي، أستمع إلى أغنية "212" للمغنية آزيليا بانكس، لأنني أستطيع تصورهم وهم يرقصون عليها في حفلة منزلية قبل بضع سنوات. عندما أشعر بالحزن لأنني لا أعرف متى سأتمكن من احتضان والدي مرة أخرى، أستمع إلى أغنية ”لوفلي داي“ (يوم جميل) لـبيل ويذرز. لكنني أعود باستمرار إلى فرقة البيتلز، وتحديداً ألبوم ”سيرجنت بيبرز لونلي هارتس كلَيب باند“ (فرقة نادي القلوب الوحيدة للرقيب بيبر).

في الحقيقة، لم أستمع إلى فرقة البيتلز لسنوات ولعقود من الزمن حتى. عندما كنت أكتب عن الموسيقى في العشرينات من عمري، كنت متعطشة للأغنيات التي أحدثت "شيئاً جديداً". أردت أصواتاً وتقنيات جديدة: الموسيقى التي تميزت في الأصالة والاختراع. إن لم تحقق الموسيقى تلك الشروط، لم أكن مهتمة بها. لذلك رفعت أعمال فرقة البيتلز على الرف واعتبرتها خارج اهتمامي.

لكن الآن، لقد تغير العالم. نحن نعيش في المستقبل البائس الذي توقعنا أنه سيأتي بعد وقت أطول، إن حدث ذلك على الإطلاق.  أحتاج إلى شيء مهدىء ومريح ومألوف، وفرقة البيتلز تحقق هذه الشروط لعدة أسباب.

أولاً، السبب الذي يجعل طفلي البالغ من العمر ثلاث سنوات يسمح لي بتشغيل تلك الأغاني: قوة اللحن والزخم الإيقاعي. هناك فورية حركية في تلك الأغاني. إنها تجذبك بإيقاعات ونقرات ونقلات موسيقية رئيسية تبدو مثل قوس قزح. يقول جون لينون: "عش الآن، هذه اللحظة"، وينطبق هذا الوصف على أغاني الفرقة. إنها نغمات مشمسة ومشرقة ترفع المعنويات على الفور في الوقت المناسب، كتبَ معظمها صديقان في تعاون مبدع ووثيق. الأغاني مفعمة بالحيوية، متفائلة، مزدهرة: هناك ضرورة لأي شيء ينقل البهجة في الوقت الحالي. "هل هي ثقافة؟ إنها ليست ثقافة، إنها ضحكة جيدة"، كما قال بول مكارتني.

ثانياً، وأنا متأكدة من أن هذا أمر شائع، أن فريق البيتلز  يبدو مألوفاً لأنني أحببت موسيقاه لأول مرة في مرحلة الطفولة. عندما يصبح كل شيء مرهِقاً وغريباً، فإن ألبوم سرجينت بيبر هو شبيه برَحِم صوتي. إنه يذكرني بأوقات كانت أكثر أماناً وطمأنينة، عندما كنت أطبع  كلمات أغنية ”لوسي إن ذا سكاي ويذ دايمندز “ (لوسي في السماء مع الماسات) على الآلة الكاتبة الحمراء في أمسية صيفية عندما كنت في الثامنة أو التاسعة من عمري.

لكنني أتساءل عما إذا كان هناك سبب آخر لرجوعي لألبوم سيرجنت بيبر، الألبوم الذي جربتْ فيه الفرقة تقنية الصدى وتنوع الأصوات والتنافر والمؤثرات الصوتية وأفكاراً استعارتها من الملحنين الطليعيين مثل الملحن الألماني كارلهاينز شتوكهاوزن. إنه عالم مألوف، ولكنه غريب ومتواضع أيضاً، ويتردد صداه اليوم.

خذوا مثلاً أغنية ” أ دي إن ذا لايف“ (يوم في حياة). بداية، تتحدث كلمات الأغنية عن طرق رؤية المعلومات وإدراكها ومعالجتها. يتم تنظيم الموسيقى مثل مجموعة ملصقات، تتنقل من حركة موسيقية إلى أخرى، قبل أن تسفر عن تنافر أوركسترالي مع ذلك العزف الرئيسي للبيانو الذي يُنفَّذ في النهاية على أدوات متعددة (دعونا نأمل في عزف نغمة النهاية للوضع الراهن قريباً). رغم أنني أعرف الأغنية جيداً، فقد تكون مثيرة للدهشة ومبهرة. يشبه مقطع "استيقظتُ، وسقطتُ من السرير" المنبّهَ في حد ذاته، حيث يعكس الحياة التي تسير بشكل طبيعي الآن، بأفضل وجه ممكن، داخل حدود منازلنا. المشط. الكأس. لكن للأسف، ليست هناك حافلة.

رابعاً، لأن فرقة البيتلز ليست مجرد أعمال غنائية فقط. فقد كانت دعامة للعالم الاجتماعي والنفسي الذي انتهى في الخمسينيات من القرن الماضي وأخذ في الازدياد منذ الستينيات. لم يكن مجرد فريق البيتلز الذي بدأ في عام 1960 - بل كان العالم الجديد، عالمنا الحديث من الحرية والراحة والاستهلاكية والتكنولوجيا والعلمانية والفردية والمادية، والذي استمر على نفس المنوال إلى حد كبير بالنسبة للكثيرين منا، لغاية الأسابيع القليلة الماضية فقط. بسبب توقيتهم، فإن فريق البيتلز، كي استخدم المفهوم الذي صاغه الفيلسوف البيئي تيموثي مورتون، هو نوع من الأشياء الفائقة: إنه واسع جداً ومتشعب ومتشابك مع تطورنا خلال نصف القرن الماضي. الأمر شبيه بالعودة إلى الكتاب المقدس. أو أكلات الطفولة المحببة.

في ألبوم سيرجنت بيبر، يمكنكم سماع الدراما التي أطلق عليها العالم الراحل الذي درس البيتلز، إيان ماكدونالد "هذا التوق لدى الجيل إلى حياة روحية تتجاوز تفاهة الحياة المادية" في السماء والصور السماوية. يمكنكم سماع تلك الأيديولوجية الهيبّية للمجتمع والعمل الجماعي، والتي نحتاجها جميعاً في الوقت الحالي، مع ظهور الشقوق في مجتمعنا المتفتت، في أغنيات مثل "عندما أبلغ 64 عاماً - وين آيم 64" و  "بمساعدة صغيرة من أصدقائي - ويذ أ ليتل هيلب فروم ماي فريندز". ويمكنكم الرقص على الأغنية التي تحمل عنوان الألبوم عندما تكونون في المطبخ لإعداد فنجان الشاي السادس في اليوم، الأمر الذي قد يخفف التوتر قليلاً، كما كان الناس يفعلون لعقود من الزمن.

© The Independent

المزيد من فنون