Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نساء الروائية نينا بوراوي "رهائن" الحب والعمل

رواية فازت بجائزة "أناييس نين" لكنّ الاحتفال الغي بسبب كورونا

الكاتبة الفرنسية الجزائرية الأصل نينا بوراوي (دار النشر)

في وقتٍ يعيش الإنسان رهينة الوباء العالمي كورونا، نقرأ رواية الكاتبة الفرنسية (الجزائرية الأب) نينا بوراوي "الرهائن" (دار لاتيس، باريس) بعينٍ مختلفة، كأنّ الأسر هو قدر الإنسان منذ ولادته. هذه رهينة جسدها، وذاك رهينة عمله، وآخر رهينة خوفه... أمّا "رهائن" بوراوي، فهنّ نساء دفعن ثمن "أنوثتهنّ"، في الحبّ كما في العمل.

في روايتها الحائزة أخيراً جائزة "أناييس نين"، تستمدّ الكاتبة قصتها من تجارب نسائية واقعية تكشف عن طبيعة حياةٍ تستغلّ المرأة في كثير من نواحيها. وهي تهدي روايتها "إلى كلّ رهائن الاقتصاد والحبّ، ونحن منهنّ"، في حين تترك لبطلتها أن تعرّف القرّاء بنفسها: "اسمي سيلفي ميير. عمري 53 سنة. أنا أمّ لطفلين. انفصلت عن زوجي قبل عام. أعمل في "كاجيكس"، شركة كاوتشوك. أدير قسم التجهيزات. لا سوابق لي". تكتب بوراوي روايتها بلغة صريحة، واضحة، مندفعة، تمتاز بجملٍ قصيرة ونقاطٍ كثيرة، ما يعكس نَفَس الراوية اللاهث جرّاء إيقاع حياتها المتسارع.

سيلفي، امرأة خمسينية تكبت رغباتها وتصطنع قوّةً كي لا تضعف أمام ولديها. وهي أيضاً امرأة عاملة ومتفانية، على الرغم من كلّ ضغوط مهنتها ومتطلبات رؤسائها. العمل والبيت، مساران متوازيان إذاً، ترسمهما المؤلفة لكي تحكي معاناة النساء في عالمٍ يستعبدها، مهما حاول النكران. وليس غريباً هذا البعد النسوي في رواية بوراوي، الكاتبة الملتزمة أيديولوجياً بقضايا المرأة، سواء في كتاباتها أو في حياتها الخاصة.

في المسار الأول، تصحو سيلفي (الزوجة والأم)، ذات يوم، لتكتشف أنّ زوجها تركها ومضى في مغامرة جديدة. هكذا رحل بصمت، بلا صراخ وبلا عراك. وبقيت هي امرأة وحيدة تلعب دور الأمّ والأب. وفي المسار الآخر، تلتزم سيلفي بعملها الى أن تتعرّض لابتزاز مديرها الذي يمنحها ترقية لقاء الوشاية بزميلاتها أو "نحلاتها"، كما تُحب أن تُناديهنّ. وليس عبثاً أن تختار بوراوي "مصنع الكاوتشوك"، وهو مكان ذكوريّ الطابع، لتحكي عن واقع استغلال النساء في العمل.

هذه المعاناة تسوق سيلفي إلى ماضٍ اعتقدت أنّه دُفن في طبقاتٍ بعيدة من الذاكرة. تسترجع وجع المراهقة يوم تعرّضت لتحرّش جنسي أوجع روحها قبل جسدها. تستعيد الرعب الذي كان يُطاردها كلّما وجدت نفسها في مكان مقفل مع رجل، أو أكثر. هذا الحصار الذي تعيشه منذ زمن، يجعلها تُعيد النظر في وضعها كامرأة رهينة، لا تدري من يأسرها، وما دوافعه، أو متى يمكن الفكاك من قبضته. والأهم، إن كانت ستموت أو تنجو منه. هذه المقاربة تُبرّر اختيار الكاتبة لهذا العنوان الذي يبدو مُكرّراً وخالياً من أيّ ابتكار. ومع كلّ معاناتها، تبقى بطلة بوراوي متمسّكة بالحياة. هروب زوجها لم يُنهِ حبّها له، وظلم رؤسائها لم يمنعها من العمل، هذا ما نسمعه على لسان الراوية نفسها: "من البديهي أن نعاني. هذا مكتوب في قصتنا: قصتنا نحن النساء". هكذا، تبدو الرواية صرخة احتجاج، حادّة وصريحة، ضدّ "تعنيف" المرأة جسدياً ونفسياً ومعنوياً.

قد يتساءل كثيرون عن المرأة التي تقصدها بوراوي. هل يمكن أن تكون سيلفي نموذجاً للمرأة العربية المحرومة من عددٍ كبيرٍ من حقوقها؟ أم هي المرأة الفرنسية/ الغربية المحاصرة بسلطة الذكور على الرغم من المزاعم عن المساواة بين الجنسين؟ والحقيقة أنّ سيلفي هي بورتريه المرأة، كلّ امرأة، تُناضل في عالمٍ يغتصب حقوقها وأحلامها. والكاتبة في الأساس مهمومة بقضايا الإنسان أينما كان، هي التي وُلدت لأب جزائري وأم فرنسية، وعاشت في مدن مختلفة، ما منح لغتها نَفَسَاً إنسانياً شاملاً. ويأتي هذا العمل الإبداعي بعد جدل واسع حول واقع النساء عقب حملة "مي تو" (أنا أيضاً) التي قادتها نجمات شهيرات لفضح المضايقات التي تعانيها النساء في أماكن عملهنّ.

ولعلّ أكثر ما يُميّز هذه الرواية عن بقية أعمال بوراوي أنّ الكاتبة ابتعدت فيها عن المساحة "الأوتوبيوغرافية"، الذاتية، التي كشفت من خلالها عن ميولها المثلية وتفاصيل حياتية أخرى، مثل رواية "الدمية الجميلة" و"المسترجلة" و"أفكاري السيّئة" التي حازت عنها جائزة رينودو الأدبية عام 2005. واختارت أن تكتب عملاً نسوياً بمقاربة اجتماعية كاشفة، علماً أنّ هذا العمل كتبته بوراوي للمسرح قبل أن تحوّله إلى رواية من 151 صفحة.

فازت رواية بوراوي (52 سنة) بثمانية أصوات مقابل ثلاثة أصوات لرواية "لامعة كالدمعة" للكاتبة جيسيكا نيلسن عن دار ألبان ميشيل. وكان من المقرّر إعلان جائزة "أناييس نين" في المسرح الأوروبي في باريس، لكنّ الحفلة أُلغيت بسبب وباء كورونا. وتعمد الجائزة التي تأسست عام 2015، إلى ترجمة العمل الفائز إلى اللغة الإنجليزية، علماً أنها أول جائزة فرنسية يشترك في لجانها محكّمون فرنسيون وأنغلوفون.

المزيد من ثقافة