تبدو ملامح سقوط حكومة "الوفاق" في تزايد ووضوح، لا سيما بعد تسرب فيروس كورونا، ما راكم أزماتها لحد عزلها عن محيطها وتراجع سيطرتها حتى وإن كانت إسمية.
وبعد إعلان 30 بلدية ليبية الأحد الماضي، إمهال الحكومة يومين لتوفير استحقاقات مالية ودعم لوجيستي يتعلق بجاهزيتها لمكافحة انتشار الفيروس، سارعت الحكومة إلى الإعلان عن موازنة للطوارئ بقيمة نصف مليار دينار ليبي، لكن الرقم تراجع إلى 75 مليون دينار فقط، ما أرجع حالة السخط وتعالت الأصوات المنتقدة بالبلديات لحد مطالبة بعضها بــ "إقالة السراج ومعاونيه".
وأعلن عدد من البلديات، من بينها طرابلس ونالوت، اليوم الخميس 2 أبريل (نيسان)، رفض حصصها من موازنة الطوارئ، وعلق عميد بلدية تاجوراء، حسين بن عطية بالقول، إن "المبلغ المخصص للبلدية تافه ولا يكفي لشراء حتى ملابس الأطباء وأجهزة تنفس، فضلاً عن الحاجات الكبيرة التي تنتظرها لجان مواجهة الوباء بالبلدية".
بيان مشترك
وشاركت بلدية تاجوراء، الضاحية الشرقية لطرابلس، في بيان مشترك لـ30 بلدية من جنوب ليبيا وغربها، الأحد الماضي، طالبوا فيه بإقالة وزير الصحة ووكيله، وأمهلوا الحكومة 48 ساعة لتنفيذ مطالبهم بشأن "تسييل الموازنة ونقل اختصاصات الصرف للبلديات"، مبينين بأنه في حال لم تنفذ الحكومة هذه المطالب خلال الفترة المحددة، ستقوم البلديات بإيقاف أشكال التعاون كافة معها.
ويؤكد بن حسين أنه وأغلب عمداء البلديات، لا يزالون على موقفهم وإمكانية قطع العلاقة مع حكومة السراج "واردة بل وربما المطالبة بإقالتهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي إجراء للتحايل على مطلب البلديات بضرورة "إقالة وزير الصحة ووكيله" لعدم توفير الإمكانات اللازمة لمواجهة الوباء، أعلنت الحكومة عن تفويض البلديات بموازنة طوارئ، التي يصفها بن حسين بــ "موازنة المحاصصة"، وأن الحكومة تعمل وفق مستشارين يعيشون بعيداً من الواقع.
ووصلت تداعيات عجز الحكومة عن إدارة أزمة كورونا في البلاد، لحد تهديد آمر ميليشيات "الصمود" صلاح بادي، للسراج وأعضاء الحكومة الذين وصفهم بــ "الفاسدين"، متوعداً، في تصريح لتلفزيون محلي، بــ"ملاحقة هؤلاء اللصوص، فالصبر قد نفد من استغلال الحكومة لانشغالنا بجبهات القتال لتكديس الأموال وسرقتها".
إجتماع لإنهاء الانقسام
وعلى مستوى آخر من تعقد الأزمة، كشفت دعوة السراج اليوم الخميس، لمجلس إدارة البنك المركزي "للاجتماع من أجل إنهاء الانقسام الذي يعانيه منذ سنين"، عن وصول تداعيات عجز الحكومة عن إدارة أزمة مواجهة الوباء إلى خلافات عميقة مع محافظ البنك المركزي، الصديق الكبير، أيضاً.
ولفت السراج إلى أن "الدعوة تأتي في وقت تواجه ليبيا مثلما تواجه شعوب ودول العالم كله، خطر جائحة كورونا وما تتطلبه مواجهتها من إجراءات طارئة"، مطالباً بضرورة "إنهاء حالة الانفراد بالقرار والسيطرة الأحادية على السياسة النقدية، وفرض وجهة نظر شخص واحد أوقف من دون سابق إنذار ولا إخطار منظومات المقاصة والتحويلات، وتأخر عن تنفيذ أذونات صرف المرتبات الشهرية المُحالة إليه من وزارة المالية"، في إشارة واضحة لمحافظ البنك المركزي في طرابلس، الذي أعلن مكتبه الإعلامي بعد بيان السراج بوقت قليل، عن بدء عقده لقاءً موسعاً مع أعضاء لجنة مواجهة فيروس كورونا، المشكّلة من عمداء البلديات لــ"متابعة استعداد البلديات لمواجهة أزمة تفشي الوباء والاستماع لأهم حاجاتها"، مؤكداً تعهد المحافظ بــ "تسهيل كل العقبات المالية التي تواجه البلديات".
ارتفاع مستوى الخلاف
ويقرأ الصحافي سالم عرفه تهديد آمر ميليشيات "الصمود" في مصراته، للحكومة بأنه "مؤشر إلى ارتفاع مستوى الخلاف بين الحكومة وميليشياتها التي بدأت تتجه للانقسام على نفسها"، مؤكداً أن معطيات مستجدات المعارك في محيط طرابلس ومصراته تشير إلى خلافات عميقة بين ميليشيات طرابلس المنحازة للسراج وميليشيات مصراتة التي يقودها وزير الداخلية فتحي باشاغا المنحدر من مصراته.
وعبّر عدد من قادة ميليشيات مصراته، من بينهم مدير إدارة التوجيه المعنوي في المنطقة العسكرية الوسطى ناصر القايد، عن انزعاجهم من طريقة إدارة الحكومة للمعركة ضد قوات الجيش الوطني، وعدم توفير الإمدادات العسكرية اللازمة لها، لا سيما بعد الضربات المتلاحقة التي وجهها سلاح الجو لمواقع الميليشيات في الفترة الأخيرة.
وكشف المتحدث باسم الجيش اللواء أحمد المسماري، عن مقتل 20 عسكرياً تركياً خلال استهداف أحد المواقع، مؤكداً أن ضربات الجيش الثلاثاء الماضي، طاولت غرفة عمليات الطيران المسير في الكلية الجوية.
لكن أوساطاً مطلعة من داخل مصراتة أكدت سقوط 51 قتيلاً من الميليشيات أثناء الضربة الجوية على أبو قرين غرب سرت، ما دفع بغرفة الطوارئ التابعة للمجلس البلدي لمصراته إلى استنكار موقف الحكومة واتهامها بالقصور في دعم الميليشيات.
وبينما أكدت وسائل إعلام ليبية نقلاً عن مصادر عسكرية تابعة للجيش، أن الغارة التي استهدفت إمداداً عسكرياً للجيش جنوب مدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرقي طرابلس) الخميس، تمت بواسطة طيران تركي مسير، اعتبر عرفه أن النشاط التركي العسكري الأخير قد يشير إلى تحولات جديدة استدعت تدخلاً تركياً بشكل أكبر، لافتاً إلى إمكانية أن تكون تلك التحولات على علاقة بالتوتر الحاصل بين الحكومة ومليشياتها.