Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أطباء عرب يخففون مصاب مدن غربية منكوبة بـ"كورونا"

280 طبيباً سعودياً في فرنسا بين الصفوف الأمامية لمحاربة الوباء... وآخرون سودانيون قضوا في بريطانيا أثناء مهمتهم الإنسانية

أزمة كورونا كشفت عن التضامن الإنساني  بين الشعوب  (رويترز) 

كشفت جائحة كورونا عن تضامن كوني غير مقصود أحياناً، إذ وجد العديد من العرب أنفسهم أمام تحدي الأزمة خارج أوطانهم، ومضوا في أداء مهمتهم الإنسانية في مدن غربية، في فرنسا وبريطانيا وأميركا وغيرها. وعلى الرغم من حاجة بلادهم الماسة إليهم، فإن إنقاذ حياة الإنسان، أينما كان، عمل نبيل.

ودفعت التضحيات التي قدّمها هؤلاء الأطباء البلدان التي يقيمون فيها لغرض الدراسة أو العمل إلى شكرهم، مثل حكومة فرنسا التي قدّمت شكرها لنحو 280 طبيباً سعودياً يقاتلون في الصفوف الأمامية مع زملائهم الفرنسيين، من أجل إعاقة التهام الفيروس نفوساً بشرية، كان الأطباء طوق النجاة الأخير الباقي لها بعد الإصابة.

سعوديون من أجل فرنسا

وأعربت السفارة الفرنسية في الرياض، هذا الأسبوع، على حسابها في "تويتر"، عن امتنانها للسعوديين عمق صداقتهم، بعد أن "قرر أكثر من 250 طبيباً سعودياً يشاركون في برنامج التخصص الفرنسي- السعودي البقاء في فرنسا من أجل مساعدة زملائهم في مكافحة جائحة (كوفيد19). روابط تعاون قوية للغاية ومحل تقدير. شكراً لتضامنكم أيها الأطباء الأعزاء". قبل أن تؤكد الملحقية الثقافية السعودية أن العدد الفعلي 280 شخصاً من مختلف التخصصات الطبية، قالت وزارة التعليم في البلاد إن 70 منهم جرى ابتعاثهم للزمالة الفرنسية قبل أشهر من معدودة.

وهي التغريدة التي وجدت تفاعلاً كبيراً بين السعوديين، أيدوا فيها الحسّ الإنساني لمواطنيهم الأطباء، وقالوا إنهم يمثلون بفعلهم قيم المجتمع السعودي، واعتبروا تصرفهم واجباً مهنياً وأخلاقياً. وقال الطبيب عائض القحطاني إن "معظم الأطباء السعوديين المتدربين في البرامج الطبية حول العالم لم يتركوا برامجهم، بل استمروا في تقديم المساعدة لزملائهم هناك، وهذا واجب أخلاقي ومهني ويجب على كل السفارات إظهار هذه المشاركات الإنسانية للطبيب والمتدرب السعودي".

وفي مدن عربية، مثل الرياض وأبو ظبي والكويت، تسهم فرق طبية أجنبية كذلك في تخفيف أعباء الوباء عن المصابين، لكن دور الأطباء العرب في معالجة الغربيين جاء لافتاً بوصفه غير مألوف في نقاشات ما قبل الوباء، إذ جرت العادة أن التجربة العلمية الغربية هي المتفوقة.

أطباء سودانيون في بريطانيا

وفي السياق نفسه، أظهرت الخارجية البريطانية امتناناً مماثلاً للأطباء العرب الذين ينشطون في مدن البلاد المنكوبة إلى جانب نظرائهم البريطانيين، وقامت بتأبين طبيبين من الجنسية السودانية، قضيا الأسبوعين الماضيين في فترة متقاربة وهما يؤديان واجباتهما الإنسانية، ضد وباء لا يخجل من لدغ الأطباء حتى وهم يسعفون ضحاياه.

وكانت الحكومة البريطانية أعلنت مع بدء الأزمة عن حاجتها إلى ربع مليون متطوع في أعمال الإغاثة والمساعدة والتمريض، لكن بعد ذلك بوقت وجيز أعلن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أن عدد الذين تقدموا أكثر من 400 ألف وباشروا العمل.

ويروي الطبيب السعودي هاني الجهني، من مدينة كولمار الفرنسية المنكوبة، مشاهد من الحياة اليومية لزملائه هناك، سعوديين وعرب أو فرنسيين، وسط أمواج المصابين في المدينة التي أضحت لأسابيع إحدى بؤر القاتل المتجوّل "كوفيد- 19".

وقال الجهني إن "البنية التحتية للمنظومة الصحية في الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، متطورة ومتينة جداً. أن تعلن هذه المنظومات حالة الخطر أو تنهار تماماً، هذا يعني أن الأمر خطير! الدكتور (جون فرانسوا سيرفون) رئيس نقابة الأطباء في Grand Est ورئيس قسم التخدير والعناية المركزة لدينا وعمره 68 سنة، قال لي بالحرف: هاني أنا لم أرَ في حياتي مثل هذه المصيبة"!

غير أنه أضاف في سياق مشاهداته، أخباراً وصفها بالمفرحة، قائلا "تعافت 32 حالة كورونا في المستشفى. وهناك 40 حالة تدخل يومياً في وضع حرج. الحالات (المستقرة) المصابة بكورونا، يرسل المريض إلى منزله وينصح بعزل نفسه لمدة أسبوعين. أصغر حالة منومة في العناية لدينا مريض بعمر 41 سنة".

عربيان فقط والباقون فروا من كورونا

وزاد "في بعض الحالات التي وصلت إلينا، بين وصول المريض إلى المستشفى ودخوله في فشل كامل للتنفس ووضعه على التنفس الصناعي 6 ساعات فقط! 60 في المئة تقريباً من المرضى الذين يوضعون على التنفس الصناعي يتوفون. لدينا قرابة العشر حالات وفاة يومياً، والعدد في ازدياد".

وقال في اتصال هاتفي مع "اندبندنت عربية"، إن الظروف التي وجد نفسه في أتونها مهولة، "فلا أبالغ إن قلت أن المنطقة تشبه منطقة الحرب، وهذا ما ذكره بالضبط الرئيس الفرنسي في حديثه، حركة طائرات الإخلاء الطبي لا تتوقف وأصوات الإسعاف لا تنقطع.مؤخرا نعاني من استنزاف كبير في الطواقم الطبية، والإصابات في إزدياد بين الممارسين الصحيين".

وذكر أن العرب ليسوا استثناء من تلك الخسائر، إذ "قبل أيام أعلن عن وفاة طبيب لبناني متأثر بإصابته بفيروس كورونا، كما اتصل بي طبيب فرنسي متقاعد من أصل عربي وقال لي: لماذا تبقى أنت في الصفوف الأمامية بينما بعض من أعرفهم من الأطباء الفرنسيين قدموا على إجازات مرضية وانسحبوا خوفاً على سلامتهم الشخصية".

وكان الطبيب اللبناني الفرنسي هو سامي عبد الرضا، الذي قالت وسائل الاعلام اللبنانية على سبيل الفخر، إنه "طبيب قلب بين اوائل الاطباء الذين هبوا للتصدي للفيروس في فرنسا، وهو يبلغ من العمر 63 عاما، ويعمل في مستشفى لعلاج مرضى كورونا،

وفي كولمار حيث يمارس الجهني مهامه الطبية قبل اجتياح كورونا فرنسا ولا يزال، يكمل حديثه بأنه "منذ بداية فترة الحظر حتى هذه اللحظة كل العمليات التي أجريت في قسم جراحة المخ والأعصاب بمستشفى كولمار وهي قرابة ٣٢ عملية أجريتها أنا وجراح لبناني، لأننا نحن من بقينا في القسم من أصل ثمان جراحين مخ وأعصاب.أنا أنقل لكم المشهد كما أراه وكما نعيشه نحن هنا! الكوادر الطبية وإدارة المستشفى يعيشون في خوف ويتوقعون أن القادم أسوأ. لا أحبّ أنا أرى هذه الحالة في بلدي لذلك وجب التنبيه".

أجهزة تنفس الخيل تسعف البشر

من جهتها أكدت وزارة الصحة المغربية أن نحو سبعة آلاف طبيب مغربي هاجروا إلى فرنسا، يقومون بالمساهمة في الواجبات الإنسانية المناطة بهم هنالك، حيث ساءت الأوضاع بفعل الفيروس على نحو أربك الجهاز الطبي في باريس، وإن كان بصورة أقل من إيطاليا.

 وثمنت الوزارة على لسان وزيرها السابق أنس الدكالي عدم نسيان أولئك الأطر وطنهم الأم على الرغم من هجرتهم إلى فرنسا "فهم يعودون إلى المغرب من أجل التأطير أو الإشراف على الطلبة وتقديم دورات تكوينية لهم، فضلا عن إشرافهم على مجموعة من العمليات في المراكز الطبية الجامعية بالمغرب".

وتقول إحدى العائلات العربية المقيمة في فرنسا لعقود إن "الظروف الصحيّة في فرنسا ساءت على نحو مخيف، ما دفع طبيب الخيل البيطري لدى العائلة إلى هجر مهمته والفزع لعتق أرواح الناس، بل إنه استأذن في أن يستخدم جهاز التنفس الخاص بالخيل، لصالح المصابين بالفيروس، من شدة الفراغ الذي أحدثه الوباء في المستلزمات الطبية".

وتأتي المبادرات التضامنية من العرب نحو أصدقائهم الغربيين، معاكسة للأصوات التي وصفها البعض بالنشاز بادئ الأمر، والتي اندفعت نحو "الشماتة" بالغربيين الذين سقطت أوهام تفوقهم أمام جائحة كورونا، كما يقولون. وهي الآراء التي ندّد بها باحثون وكتاب عرب، مثل الصحافي السعودي، عثمان العمير، الذي رآها تعبّر عن "الكره الدفين" الذي يسكن أعماق البعض.

وقال "كيف أصبح نقد الغرب والتشفي ببعض أخطائه إزاء كورونا مهنة يومية يمارسها كثير ممن تعلم وتثقف هناك؟ هل ما زال الداعشي يتجول حراً في أغوار أدمغتهم"؟

 لكن تلك الأصوات تراجعت، بعد أن بدا الجميع سواسية أمام الوباء، إلا أن الغربي لا يزال يحتفظ بتفوقه في أبحاثه العلمية، ونظرياته الوقائية التي لا تزال أملا للبشرية في الخروج من الأزمة بأقل الخسائر. حتى إن دولة عربية في القرن الافريقي هي الصومال، عن تجهيزها طاقماً طبياً من 20 طبيباً أرسلتهم إلى إيطاليا، ضمن الجهود الدولية في الوقوف مع روما في محنتها.

"فرنسا تحتاجنا الآن أكثر"

وكانت السلطات السعودية تمكنت من توسيع دائرة اتفاقها مع نظيرتها الفرنسية، ليشمل أعداد الأطباء السعوديين المقبولين سنوياً في "البورد الفرنسي" 70 طبيباً في العام الماضي، بعد أن كان العدد قبل ذلك مقصوراً على 50 مقعداً فقط. وقد نشأ على إثر ذلك نواة لتكتل "أطباء سعوديون في فرنسا"، الذي أوضح في حسابه على "تويتر"، أن برنامج الزمالة الفرنسية "يقع ضمن إطار اتفاقية تعاون بين المملكة العربية السعودية وجمهورية فرنسا تم التوقيع عليها بدايةً في عام ٢٠٠٦ وباتفاقية تكميلية عام ٢٠١١ بقبول ٥٠ طبيباً سعودياً كل سنة في كافة التخصصات الطبية". وهكذا عادت الأيام، لتقطف باريس ثمرة ذلك التعاون من حيث لا تحتسب.

وحول التساؤلات بشأن ما يدفع أطباء سعوديين وعرباً إلى البقاء في بلدان أخرى منكوبة، وسط حاجة بلدانهم أحياناً إلى خدماتهم في الظرف الحرج الراهن، يجيب عن ذلك الدكتور هاني الجهني بأن "تربيتنا عوّدتنا على نجدة الملهوف ورد الجميل والوقوف مع المحتاج. بلادنا ولله الحمد في أمن وأمان وعافية، وعدد الحالات فيها قليل وتحت السيطرة. ثم إن فرنسا وغيرها من الدول الأوربية، بينها وبين بلادنا عقود ومواثيق والله أمرنا أن نوفي بالعهد، وفوق هذا هم احتضنونا وعلمونا وأحسنوا معاملتنا، وهذا وقت رد الجميل والإحسان بالمثل".

المزيد من تحقيقات ومطولات