Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر أمام "سيناريوهات" سياسية مفتوحة والكلمة للشارع بعد تعهدات بوتفليقة

ردود فعل غاضبة في الشارع وانسحابات بالجملة لمرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة

عناصر مكافحة الشغب تقف متأهبةً في أحد شوارع العاصمة الجزائرية الإثنين 4 أبريل (نيسان) (رويترز)

تجددت دعوات على شبكات التواصل الاجتماعي لتنظيم مسيرات في يوم الجمعة المقبل، مناهِضة لترشح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة متتالية. وتباينت ردود فعل سياسيين بعد تعهد بوتفليقة (82 سنة) مغادرة الحكم وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في حال منحه الجزائريون أصواتهم.

وأكد السفير الجزائري لدى فرنسا عبد القادر مسدوة الاثنين، أن بوتفليقة "قد لا يكون متمتعاً بصحة من هم في العشرين من العمر، لكنه يملك خبرة 20 سنة" في الحكم. وأضاف أن الرئيس "هو مَن يقرر وليس النظام مَن يقوم بتعيينه... لقد قام على الأرجح (بوتفليقة) بتقييم الأمور وبناءً على ذلك قرر أن يكون مرشحاً". وتابع "هذا خياره وقراره. فهو يشعر بأنه ما زال لديه ما يفعله حتى يتمكن من نقل السفينة الجزائرية إلى الميناء". وقال مسدوة في تصريح تلفزيوني "بالطبع هو متعب جسدياً، لكنني أعتقد بأن هذه ستكون بالتأكيد معركته الأخيرة".

أما أول ردود الفعل السلبية فأتت من معسكر الرئيس أيضاً، إذ أعلن وزير الفلاحة الجزائري السابق سيدي فروخي الاثنين استقالته من عضوية البرلمان ومن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، في دلالة نادرة على الاستياء داخل النخبة الحاكمة. ولم يشر فروخي في بيان نشره على "فيسبوك"، إلى بوتفليقة، بل اكتفى بالقول إن البلاد تمر بظروف وتغيرات استثنائية. 

في السياق ذاته، لم يكد عبد الغني زعلان، مدير حملة بوتفليقة الانتخابية، يغادر مقر المجلس الدستوري في "بن عكنون" في أعالي العاصمة الجزائرية، إلا وكانت المسيرات ملأت شوارع وساحات العاصمة وعدداً من المحافظات.

ونُشرت تعزيزات أمنية فورية في وسط العاصمة الجزائرية لتفريق المتظاهرين، وسط دعوات ناشطين إلى تفادي أي "انزلاقات أمنية"، بينما نفت مصادر عسكرية لـ "اندبندت عربية" تلقي الجيش تعليمات بالانتشار في المدن، لافتةً إلى أن التوجيهات الوحيدة للعسكريين "تتعلق برفع درجة التأهب داخل الثكنات لحمايتها من أي محاولة اختراق".

 

تعهدات بوتفليقة الستة في حال انتخابه

 

وكان عبد الغني زعلان قرأ رسالةً وجهها بوتفليقة إلى الشعب في مؤتمر صحافي عقده في مقر المجلس الدستوري عقب إيداع الملف الترشيح، تضمنت ستة التزامات في حال إعادة انتخابه.

ويُعتقد في محيط الرئيس الجزائري، أن التعهدات الستة هي أقصى ما يمكن تقديمه من تنازلات، لتهدئة المسيرات الشعبية الرافضة لاستمرار حكم بوتفليقة لخمس سنوات جديدة.

وتعهد بوتفليقة أولاً "تنظيم ندوة وطنية شاملة وجامعة لاعتماد إصلاحات سياسية ومؤسساتية واقتصادية واجتماعية من شأنها إرساء أسس نظام جديد"، وثانياً "تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة طبقاً للأجندة التي تعتمدها الندوة الوطنية" على ألا يكون مرشحاً فيها.

كما وعد بوتفليقة ثالثاً بـ "إعداد دستور جديد يزكيه الشعب الجزائري عن طريق الاستفتاء"، ورابعاً "وضع سياسات عامة عاجلة كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنية". وأخيراً "مراجعة قانون الانتخابات، مع التركيز على إنشاء آلية مستقلة تتولى، دون سواها، تنظيم العملية الانتخابية".

 

رد فعل غاضب بين رواد مواقع التواصل

 

في المقابل، تناقل ناشطون ومدوّنون على مواقع التواصل الاجتماعي، رسالة بوتفليقة وتعهداته الستة، واصفين إياها بـ "محاولة استفزاز غير مسبوقة لحراك الشارع الجزائري".

وقال إلياس فيلالي، وهو ناشط ضمن حراك المسيرات الأخيرة لـ "اندبندت عربية" إن "بوتفليقة بدا كأنه يعيش في عالم آخر"، مرجحاً أن "تؤجج الرسالة التوتر في الشارع، إذ أتت استفزازية بما يكفي".

 

جدلية قانونية حول الترشح

 

من ناحية أخرى، دار جدل بين رجال القانون حول مدى دستورية تولي عبد الغني زعلان، مسؤولية إيداع ملف ترشح بوتفليقة أمام المجلس الدستوري. وسارع الأخير إلى إصدار بيان ينفي وجود ما يوجب حضور المرشح المعني شخصياً، في الدستور. إلا أن خبراء قانون وصفوا الترشّح بالوكالة بـ "الخرق الدستوري المكشوف". وقالت خبيرة القانون الدستوري، فتيحة بن عبو لـ "اندبندت عربية" إن "النظام الداخلي للمجلس الدستوري واضح في مادته الـ 28 التي تنصّ على حضور المرشح".

كما تراجع رئيس الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات عبد الوهاب دربال، عن تصريحات طعن فيها بقانونية الترشح بـ "الوكالة"، ليعلن أن "العرف هو الذي فرض حضور المرشح بينما الدستور والقانون لا يلزمانه بذلك".

 

انسحاب مرشحين وتلويح آخرين بمغادرة السباق

 

وأثار إعلان ترشح بوتفليقة وتعهده تقديم "تنازلات" في حال أُعيد انتخابه لولاية خامسة، تهديداً من مرشحين منافسين في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 18 أبريل (نيسان) المقبل، بالانسحاب قبل تلقي ردود المجلس الدستوري.

وصرح رئيس "جبهة المستقبل"، المرشح عبد العزيز بلعيد يوم الأحد، أنه "سينسحب إذا ثبت تعنت السلطة في ترشيح الرئيس غيابياً". وكان بلعيد قدم ترشيحه السبت الماضي، آملاً في استجابة بوتفليقة لمطالب المسيرات الرافضة لترشحه.

أما في حال عدم انسحاب بلعيد قبل تأكيد المجلس الدستوري لملفه، فالقانون يقيّده بمواصلة السباق حتى النهاية. وتنص المادة 32 من قانون المجلس الدستوري أنه عندما ينال ترشيح للانتخابات الرئاسية موافقته، "لا يمكن سحبه إلا في حالة حصول مانع خطير يثبته المجلس الدستوري قانوناً أو في حالة وفاة المرشح المعني طبقاً للمادة 103 (الفقرة الأولى) من الدستور".

 

بن فليس، مقري وحنون غادروا السباق

 

وتوالت إعلانات انسحاب مرشحين آخرين بعد تأكيد ترشيح بوتفليقة رسمياً. وأعلن السعيد بوحجة، رئيس البرلمان الذي أُجبر على التنحي قبل بضعة أشهر، انسحابه من السباق مباشرةً بعد إيداعه استمارات الترشح لدى المجلس الدستوري. ولاحظ صحافيون حضروا المؤتمر الصحافي الذي عقده في ساعة متأخرة، قبل منتصف ليل الأحد - الإثنين، تلقي أحد معاونيه مكالمة هاتفية أعقبها إعلانه الانسحاب.

كذلك، أعلن رئيس الحكومة السابق علي بن فليس رئيس حزب "طلائع الحريات" المعارض، انسحابه من السباق الرئاسي، ليتبعه انسحاب عبد

الرزاق مقري، رئيس "حركة مجتمع السلم" الإسلامية. كما أعلنت زعيمة حزب العمال لويزة حنون قبلهما مقاطعتها للانتخابات الرئاسية، مبررةً انسحابها، كما مقري وبن فليس، بـ "غياب ظروف إجراء انتخابات نزيهة".

وأعلن مقري أمس، إن حزبه "سيتبنى ثلاث مبادرات جديدة لطرح بدائل تتفاعل مع تطورات المشهد السياسي الأخير، أبرزها الحراك الشعبي".

 

الجزائر أمام سيناريوات سياسية مفتوحة

 

وعلى الرغم من قصر مهلة بتّ المجلس الدستوري في صحة الترشيحات لرئاسة الجمهورية، التي لا تتعدى عشرة أيام، فإن تطورات سياسية عدة ممكن أن تحدث في هذه الفترة. ويمكن للمجلس الدستوري إلغاء ترشيحات بما فيها ترشح بوتفليقة، وهو سيناريو محتمل في حال استمر الحراك الشعبي في الأيام المقبلة، ويستمر بالتالي السباق الرئاسي "بمَن حضر" ومن دون بوتفليقة. إلا أن مَن يعلم مدى تمسك بوتفليقة ومحيطه بمشروع الولاية الخامسة، يدرك أن هذا السيناريو غير متاح لدى رئيس المجلس الدستوري، الطيب بلعيز، الذي رافق بوتفليقة منذ سنته الأولى في الحكم، ويُعدّ أحد أبرز الرجال الذين عوّل عليهم في وزارتَي العدل والداخلية وكمستشار في رئاسة الجمهورية.

في المقابل، يراهن أنصار الرئيس، المنتمين إلى أربعة أحزاب موالية كبرى، على تعهداته الستة لإنهاء حالة الغليان في الشارع. وعلى الرغم من عدم تحديد بوتفليقة مسألة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بأي فترة زمنية، إلا أن حلفاءه يتداولون الحديث عن مهلةٍ لا تتعدى السنتين. إلا أن إشكالاً دستورياً قد يحول دون ذلك، بخاصة في غياب مبرر لتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة غير المادة 102 من الدستور، التي تحدد حالات شغور منصب الرئيس بـ "المرض أو الوفاة".

وطرحت هذه المادة الدستورية إشكالات عدة في السابق، إذ تنصّ على وجوب اجتماع المجلس الدستوري لإعلان حالة شغور المنصب، بسبب المانع الصحي لرئيس الدولة الذي يعالّج من جلطة دماغية أصابته في العام 2013 وأثرت في وضعه الصحي في شكل كبير.

المزيد من العالم العربي