جعل فيروس كورونا ملايين الأشخاص حول العالم يعيشون في حالٍ من الخوف منذ أن بدأ انتشاره المدمّر عبر الكوكب. لكنّ تفشّيه لم يشلّنا. فعلى العكس، ألهم هذا الوباء موجةً غير مسبوقة من الجهود التطوّعية لإنقاذ جيراننا وحمايتهم.
ففي المملكة المتحدة، استجاب جيش مكوّن من أكثر من 700 ألف شخص لدعوة الحكومة إلى المساعدة في دعم مرافق "خدمات الصحة الوطنية" NHS، وتقديم مواد غذائية وإمداداتٍ طبّية أساسية إلى نحو مليون و500 ألف شخص هم الأشدّ ضعفاً في البلاد.
وعلى امتداد الكوكب، قدّم أفراد عاديون أنفسهم للمساعدة في تعزيز خدمات الطوارئ الخاصة بمناطقهم، وإنشاء مجموعاتٍ شعبية جديدة لرعاية الجميع في مجتمعهم. "اندبندنت" تسلّط في ما يأتي الضوء على بعض الأعمال المشجّعة التي تحصل في أنحاء مختلفة من العالم.
إيطاليا
كان متطوّعو "الصليب الأحمر الإيطالي" على الخط الأمامي للمواجهة مع أزمة فيروس كورونا في منطقة لومبارديا، الأكثر تضرّراً على مستوى البلاد، بحيث نقلوا المرضى إلى المستشفيات في سيارات الإسعاف التابعة للمنظّمة، وقدّموا الغذاء والدواء إلى الأشخاص الضعفاء في منازلهم.
ماريا، شابة عمرها 23 سنة تطوّعت منذ عام 2015 في الفرع المحلي للصليب الأحمر في مدينة ميلانو، عاصمة المنطقة، لكنها لم تشهد من قبل أي وضع مماثلٍ لحال الطوارئ الراهنة. وتقول إنّ "نحو 80 إلى 90 في المئة من المكالمات التي نتلقّاها هي من المرضى المصابين بفيروس كوفيد-19".
وتضيف "بعض الأشخاص يخافون جدّاً من التوجّه إلى المستشفى حتى لو كانوا في حاجة إليه، خوفاً من عدم الخروج منه (مرة أخرى)"، مشيرةً إلى أنّ المستشفيات في المنطقة ما زالت "غارقة" في أعداد المصابين.
ويرى سامويل دافيد نافا، الشاب البالغ من العمر 24 سنة، وهو الآخر متطوّع في "الصليب الأحمر الإيطالي" ويعمل في مدينة مونزا، شمال ميلانو، أن "الوضع ليس جيّداً في الوقت الراهن". ويقول لـ"اندبندنت" إنّه "من الصعب جداً رؤية غضب الأسر الإيطالية عندما تشاهد أشخاصاً يُنقلون إلى المستشفى. لكن من المفيد أن يكون الفرد جزءًا من مجموعة مذهلة. إنّ التعاون والعمل الجماعي هما أفضل طريقة لمكافحة هذا المرض".
في المقابل، يسجّل إيطاليون آخرون أنفسهم متطوّعين، للانضمام إلى "الدفاع المدني"، الجهاز الذي يتولّى حماية المدنيين في البلاد. ويشير الرئيس التنفيذي لشركة "آبل" تيم كوك، إلى أن الشركة قدّمت "تبرّعاً كبيراً" للمنظمة لمساعدة "طلائع المستجيبين الأبطال والعاملين الطبيين والمتطوّعين".
هولندا
ماريكي فان وينجونغاردن، عمرها 43 سنة، متطوّعة من بين عددٍ من الأشخاص الآخرين في هولندا الذين تدخّلوا للمساعدة في بنوك الطعام في جميع أنحاء البلاد، حيث اضطُّر عدد من المتطوّعين الأكبر سنّاً في هذا العمل إلى البقاء في منازلهم.
فإنّ فان وينجونغاردن التي تعمل مديرة مشروع في مؤسسة إسكان اجتماعي في مدينة روتردام، تساعد الآن، كلّما كان لديها وقت خارج دوام عملها، في تغليف صناديق الطعام لشبكة Ready2Help التابعة لمنظّمة "الصليب الأحمر الهولندي".
وتقول لـ"اندبندنت": "شاركتُ في هذه المبادرة عندما احتاجوا إلى مزيدٍ من الأشخاص خلال أزمة اللاجئين قبل بضعة أعوام. لكن عندما جاء فيروس كورونا، رأيتُ أنّ الوقت قد حان لتقديم مزيدٍ من المساعدة. وكان كثيرون من كبار السن يقومون بهذا العمل هنا، لذا نأمل في أن نتمكّن من أن نردّ لهم الجميل، ونقدّم شيئاً لهم الآن، ونحقّق لهم ما يحتاجون إليه".
وتعتبر أنّه "من الجيد أن تكون مفيداً في هذه المرحلة، وأن يكون لديك هدفٌ يومي أكبر بقليل خلال هذه الأزمة. إذا كنتَ لائقاً من الناحية الجسدية وقادراً في الوقت الراهن، فإنّ القيام بشيء صغير ما زال مفيداً. إن كثيرين من أصدقائي يسألون الآن عن الطريقة التي يمكنهم من خلالها المشاركة".
الهند
أطلقت مجموعة من الأصدقاء في بنغلور شبكةً بشريةً على الإنترنت من الأشخاص الذين يريدون مساعدة الكبار في السن وأولئك الذين يعانون من مشاكل صحّية مزمنة وهم عالقون في منازلهم بعدما أوصت حكومة الهند قبل نحو أسبوعين بوجوب تطبيق التباعد الاجتماعي.
وتقول ماهيتا ناغاراج، مؤسّسة مجموعة "كيرمونغرز" إنها بدأت انخراطها في العمل التطوّعي عندما تلقت مكالمةً من صديقةٍ لها في المملكة المتحدة طلبت منها المساعدة في التأكّد من حصول والديها المسنَّين على حاجتهم من الغذاء والدواء.
بعد طرح فكرة إعانة الضعفاء على صفحتها عبر فيسبوك، بدأت تتلقّى طلباتٍ من أشخاص آخرين يريدون مساعدة أسرهم أيضاً. وتقول المرأة البالغة من العمر 38 سنة وتعمل في مجال التسويق الرقمي لـ"اندبندنت": "بدأتُ في المقابل أتلقّى رسائل من أشخاص أبدوا استعدادهم للقيام بالأمر ذاته للآخرين في مدنهم".
ومن اللافت للنظر، أنه مع الإغلاق الذي تفرضه السلطات في الهند الآن، تمكّنت المجموعة من جمع قاعدة بياناتٍ لأكثر من أربعة آلاف شخص ضعيف في جميع أنحاء البلاد، مدعومةً بجيشٍ من المتطوّعين يضمّ أكثر من 8500 شخص، تم العمل على تنظيمهم جميعاً باستخدام فيسبوك وخط مساعدة الطوارئ.
وتقول ناغاراج: "من خلال فكرة إشراك الجميع في العمل معاً على منصّة مشتركة، نحاول معالجة الشعور بالعجز لدى الأفراد الضعفاء".
الدنمارك
تقدّمت هيللي روتينغ لتكون متطوّعةً في شبكة جديدة تعمل على مساعدة "الصليب الأحمر الدنماركي"، أُنشئت للتأكّد من حصول المسنّين والضعفاء في جميع أنحاء البلاد على الطعام والأدوية وغيرها من المستلزمات الضرورية، خلال فترة الإغلاق والتباعد الاجتماعي على مستوى البلاد.
وتعمل السيدة البالغة من العمر 57 سنة، مديرة مشاريع في أحد البنوك، لكنها لجأت إلى ترتيب جمع مواد البقالة وإيصالها إلى عددٍ من الأشخاص في بلدتها كوغي وضواحيها، جنوب العاصمة كوبنهاغن. وتقول: "في بعض الحالات لم أكن أقابل الأشخاص في الواقع، بل أترك الأغراض عند بابهم أو في مرآب سيّاراتهم. سيّدة واحدة تحدّثتُ معها عند مدخل بيتها. كانت ممتنّةً للغاية، وقد جعلتني أذرف الدموع".
وتعرب روتينغ عن أملها في أنه "عندما ينتهي كلّ هذا، يمكننا أن نتعلّم منه ونواصل هذا النوع من المساندة. المسألة ليست صعبة، إنها مساعدة لجارك ومدّ يد الدعم للمجتمع من حولك".
الولايات المتّحدة
عبّأت "سيتي هارفيست"، وهي أكبر منظمةٍ للمعونات الغذائية في مدينة نيويورك، طاقمها وجهودها من أجل إطعام بعضٍ من أشدّ الناس فقراً وضعفاً في المدينة التي أصابها وباء كوفيد-19 بشكلٍ أقوى من أي مكان آخر في البلاد.
وتواصل المؤسسة الخيرية التي صُنّفت خدمة أساسية من قبل حاكم ولاية نيويورك، استخدام أسطولها من شاحنات التسليم لجمع المواد الغذائية الفائضة من المطاعم ومحال البقالة والمصنّعين، لتوزّعها في ما بعد على أنحاء الأحياء الخمسة من المدينة.
وشهد القيمون على المؤسسة ارتفاعاً في عدد المتطوعين لديها، وزيادةً بنسبة 30 في المئة في حضور هؤلاء إلى "الأسواق المتنقّلة"، وهي عبارةٌ عن بنك طعام في الهواء الطلق، على الرغم من الاضطرار إلى توخّي مزيدٍ من الحذر في ما يتعلّق بتدابير التباعد الاجتماعي. وتساعد المتطوعة كاتي وركمان، البالغة من العمر 52 سنة، في قسم إعداد الحزم في لونغ آيلاند سيتي في كوينز.
وتقول: "كلّ شخص يستحق الحصول على طعام وأغذية، والجميع يستحقّون إطعام أسرهم، فيجب ألاّ يكون أحدٌ جائعاً في هذه البلاد. لم أطرح على نفسي حتى السؤال، شعرتُ فقط بالحاجة إلى أن أكون هناك لمدّ يد العون. وقد كان ملهماً للغاية أن أقف إلى جانب أشخاص آخرين جاؤوا للتطوّع، وجعلوا مدينة كبيرة جدّاً كهذه، تشعر بالتماسك."
وتصف جين ماكلين، رئيسة العمليات في مؤسّسة سيتي هارفيست الخيرية، التجربة الراهنة بالقول: "ما رأيته هو تدفّق أناس يرغبون في المساعدة. أعلم أننا جميعاً نشعر بالمحبّة الآن. نحتاج فقط إلى الحفاظ على مسافة التباعد الصحّية كي نتمكّن من إعداد هذا الطعام، وإيصاله إلى الأشخاص الذين يعتمدون عليه لمواصلة العيش".
كيف يمكنك المساعدة؟
في بريطانيا، تناشد الحكومة المتطوّعين بالمساعدة في أربعة مجالات: الاستجابة المجتمعية ونقل المرضى ونقل إمدادات "خدمات الصحة الوطنية" والتطوع في مساعدة الأشخاص الذين يعيشون في وحدة من خلال "تفقّدهم والدردشة معهم".
لتسجيل اهتمامكم، يُرجى زيارة موقع: https://www.goodsamapp.org/NHS. ولمعرفة المزيد عن عمل "الصليب الأحمر البريطاني" خلال أزمة فيروس كورونا، أو للتطوّع أو التبرّع بخدماتكم، يُرجى الاتصال بالصليب الأحمر البريطاني.
© The Independent