Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خدام... رئيس سوريا لشهر والمعارض لـ15 سنة

سطع نجمه مع الأسد الأب قبل أن يختلف مع ابنه بشار

خدام متحدثاً خلال مؤتمر صحافي في بروكسل في 7 أبريل 2011 (رويترز)

يدفع رحيل سياسي سوري مخضرم كعبد الحليم خدام عن الدنيا، المتابعين بعامة والسوريين بخاصة إلى نبش وتقليب صفحاتٍ من ذكريات الحياة السياسية بالعودة إلى حقبة، ما زالت ماثلة أمامنا، حظي فيها الراحل بمكانة أهّلته ليكون أحد أبرز الشخصيات الصانعة للقرار داخل سوريا وخارجها.
 

البداية من الجولان

حظي الرجل بسطوة لا متناهية يعلمها كل مواطن السوري جيداً قبل أن يرحل في منفاه الباريسي الهادئ، الذي اختاره منذ عام 2005 عن عمر ناهز 88 سنة، ابتعد فيها منذ ذلك الحين عن صخب وضجيج ما يحدث في بلده الأم.

تولى حقائب وزارية ومواقع سياسية وقيادية عالية، حتى تسلم رئاسة سوريا بالوكالة مدة 37 يوماً بعد رحيل الرئيس السابق حافظ الأسد، إذ كان حينها نائباً للرئيس، ثم سلّم بعد مرحلة انتقالية، الحكم للرئيس الحالي بشار الأسد في عام 2000، حين أطلق ما سُمي وقتها "مسيرة التحديث والتطوير".

يتحدر خدام من مدينة بانياس الساحلية، المطلّة على البحر المتوسط، وُلِد في سبتمبر (أيلول) 1932 من أسرة مسلمة سنية. عُرف لكونه من ضمن أكثر الشخصيات القليلة المقربة للرئيس السابق حافظ الأسد، مذ تسلّم مقاليد الحكم في عام 1970، إثر حركة سُميت "التصحيحية" مكّنت حزب البعث من القبض على السلطة منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا. قبلها، كان لخدام ظهور أول على المسرح السياسي عندما شغل منصب محافظ الجولان المحتل، وأذاع حينها بيانَ سقوطها بيد الإسرائيليين في عام 1967 وكان حافظ الأسد حينها وزيراً للدفاع.


ساحات خدام الخفية

أحد عرّابي السياسة الخارجية منذ عام 1975 وحتى عام 2005، تاريخ انسحابه من العمل القيادي وسفره إلى فرنسا التي مارس منها نضالاً سياسياً معارضاً للحكم في دمشق، وأسس بعد عام من استقراره هناك "جبهة الخلاص الوطني" التي انضمت إليها جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنهم سرعان ما أعلنوا انسحابهم منها على وقع أحداث غزة عام 2008.
آخر ظهور لـ "الرفيق عبد الحليم" (تسمية تُطلق على منتسبي حزب البعث) كان في مؤتمر قطري لقيادات الحزب، جرى فيه البحث في موضوع خلافي شائك، هو بقاء الجيش السوري في لبنان من عدمه، حين أصرّ خدام على عدم الانسحاب. وظهر جلياً وقتها، الخلاف المتفاقم بين أجنحة الحزب الحاكم، أمام الرأي العام.
في تلك الأثناء، سرت تسريبات بين أوساط البعث تنبئ بانسحاب خدام من جلسات مؤتمر هام لأبرز قيادات الحزب الحاكم في العاصمة وفروع المحافظات، اصطدم فيها مع فريق أراد الانكفاء عن الساحة اللبنانية لتجنيب دمشق الاصطدام مع قوى في الداخل اللبناني طالبت برفع الوصاية السورية.
أتى ذلك التطور عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري واتهام السلطات السورية بتصفيته عبر تفجير استهدف موكبه في 14 فبراير (شباط) 2005. وأدى قرار نائب الرئيس خدام حينها، بعدم مغادرة الجيش السوري الأراضي اللبنانية وتمسكه برأيه، إلى انتحاره سياسياً.

وما إن خرج من اللعبة السياسية، حتى عاد إليها معارِضاً مع اندلاع الانتفاضة الشعبية في عام 2011. ولم تكف وسائل الإعلام الرسمية والموالية بوصفه بـ "المنشق" و"الخائن". وأطلق بعد ذلك تصريحات لمح فيها إلى ضلوع النظام السوري باغتيال رفيق الحريري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


شؤون داخلية

ليس خافياً أن "أبو جمال" كما كان يُطلق عليه، ظل ممسكاً بملف العلاقات مع لبنان طوال حقبة "الوصاية السورية"، منذ دخول الجيش السوري إلى البلد الجار بهدف مُعلن كان وقف الحرب الأهلية الدائرة فيه منذ عام 1976. كما لعب دوراً في التحضير للاتفاق الذي أنهى الحرب اللبنانية في عام 1989، والذي سُمي "اتفاق الطائف"، نظراً إلى انعقاده في مدينة الطائف السعودية. وكانت له منذ ذلك الحين الكلمة المرجحة في السياسة الداخلية اللبنانية، وهو العارف بمفاتيح العمل السياسي والحزبي في الداخل. أفاده في ذلك تنقله محافظاً لمدن سورية عدة مثل القنيطرة وحماة ودمشق وتسلمه حقيبة الاقتصاد، قبل أن ينتقل إلى الإمساك بقوة بوزارة الخارجية ليخلفه فيها الوزير فاروق الشرع، ثم تسلم منصب نائب الرئيس.

وينقسم الشارع السوري في الداخل والخارج حول علاقة خدام بالناس ومحبتهم له، على الرغم من وقوفه إلى جانب القوى الثورية ضد السلطة، إلا أنه لم ينخرط في العمل السياسي كقيادي أو مسؤول بخاصة بعد فشل تجربته السابقة في "جبهة الخلاص".
 

الشعب والعاصفة

في هذا السياق، لا تخلو إدارته من زلّات كادت أن تودي به بعدما نشرت إحدى الصحف المحلية والرسمية، أثناء وجوده في سدة الحكم، تحقيقاً صحافياً كشف فيه عن تفاصيل تورطه بصفقة دفن نفايات نووية قيل وقتها إنها درّت أرباحاً مجزية عبر شركة إيطالية طُمرت في رمال صحراء تدمر. لكن أكثر ما ناله "خدام" من انتقادات حتى من الجمهور المعارض كانت عبارته الشهيرة أن "الشعب السوري يأكل من القمامة" في إشارة منه إلى مستوى الفقر المدقع للناس وقلة مردودهم المادي، إلا أن عبارته تلك أشعلت عاصفة شعواء، إذ لامه كثيرون، كونه كان أحد صانعي القرار في سوريا.

مسيرة عبد الحليم خدام الطويلة في العمل السياسي، طوت آخر صفحاتها مع وفاته في فرنسا ليتنادى محبوه باستذكاره، بينما يمر خبر وفاته في الداخل السوري مرور الكرام، فيما تحتضن الأرض الباريسية جثمانه.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي