Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اللاجئون في السودان ومحنتي كورونا وإعادة التوطين

الركود الاقتصادي المتوقع يهدد بوقف دفع المساعدات لدول النزوح

عامل إغاثة ينقل طفل أحد المهاجرين من على متن سفينة إنقاذ إسبانية الإثنين 30 مارس الحالي (رويترز)

يمرُّ ضحايا اللجوء الذين علقوا في السودان بتجربةٍ أصعب من تلك التي كانوا يعانون منها في بلدانهم. فقبل تفشي جائحة كورونا، بدأ المجتمع الدولي رويداً رويداً بالتخلي عن التزاماته تجاههم، إذ علّقت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة برنامج إعادة توطينهم في دولٍ غربية. وتعود خلفية هذا القرار إلى تحقيقَيْن جاريَيْن، الأول داخل السودان ويتعلَّق بقضية الكشف عن رشاوى وفساد استمر لسنوات عدّة في عهد نظام الرئيس السابق عمر البشير، بخصوص مقابلات إعادة التوطين والإجراءات المصاحبة له. أمّا الثاني، فكشفت عنه مجلة "شتيرن" الألمانية في تحقيق صحافي بتاريخ 9 يناير (كانون الثاني) 2020، أشار إلى أنّ موظفين في مفوضية الأمم المتحدة للاجئين يساعدون مواطنين أفارقة لإدراجهم ضمن قوائم برنامج المنظمة الدولية الخاصة بإعادة توطين لاجئين صُنِّفوا على أنهم محتاجون إلى حمايةٍ خاصة، في مقابل دفع مبالغ مالية معينة (قُدِّرت بـ2500 دولار أميركي للشخص)، وتقديم وثائق طبية مزوَّرة يُسمح بموجبها إدراج أسمائهم على قوائم إعادة التوطين في دولٍ غربية. وفي المقابل، يخسر لاجئون أفارقة يتمتعون بشروط الإدراج في تلك القوائم فرصتهم، إذ إنّ المقعد يذهب إلى لاجئ دفع المال للحصول عليه.


نشوء إعادة التوطين


وكانت فكرة إعادة التوطين نبعت من أن عدداً كبيراً من اللاجئين لا يمكنهم العودة إلى ديارهم بسبب استمرار الصراعات والحروب والاضطهاد، كما أنَّهم يعيشون في بلد العبور أوضاعاً محفوفة بالمخاطر ولا يحقِّق لهم البلد الذي طلبوا فيه الحماية حاجاتهن، لذلك عملت المفوضية على إعادة توطينهم في بلد ثالث.
وربط وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسلبورن، إبان "قمة مالطا" التي عُقت في العاصمة فاليتا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، إمكانية تفكّك الاتحاد الأوروبي بسبب أزمة اللاجئين، في حال واصل الاتحاد سياسة الانغلاق بدلاً من التعاون الداخلي والخارجي. وما زالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تنصح بأنَّه "لا يفيد الخوف من الغرباء"، ذلك الخوف الناشئ من تغيّر النظرة إلى اللاجئ فكان يُقيَّم بناءً على ما تكبَّده من مشقة للوصول إلى الملاذ الآمن. والآن وفي غمرةِ انشغال العالم ومن ضمنه الدول الأوروبية بمكافحة فيروس كورونا، تلاشت هذه النظرة، على الرغم من استمرار الأسباب ذاتها للهجرة، بل وتفاقمها.

وكانت دول الاتحاد الأوروبي تعتمد هذه المعالجة لدرء مشاكلها، بخاصة مع المهاجرين عبر البحر المتوسط، الذين يُعدُّ وضعهم سيّئاً جداً، إذ ينتظرون حيناً في دول الجوار ذات الظروف التعيسة، ثم ينطلقون في مخاطرة للوصول إلى "فرودس القارة الأوروبية" عبر البحر المتوسط.
قبل "قمة مالطا"، كان الاتحاد الأوروبي على أهبة الاستعداد لاتخاذ قرارٍ بشأن عملية عسكرية في البحر المتوسط ضد تهريب المهاجرين، في ظل اتجاهات عدّة برزت لدى دوله وأظهرت عُمق الأزمة المُؤرقة لها. ولكنّها تخفّت خلف قناع، فما ظهر في الواجهة هو اتجاهٌ إنسانيٌّ يسعى إلى إنقاذ هؤلاء المهاجرين من غدر البحر بتنشيط الحملة ودفع الأموال لتحمُّل أعباء الآلاف منهم. وفي هذا الاتجاه الإنساني رأيان، الأول هو أن تتحرّك دول الاتحاد الأوروبي إزاء هؤلاء المهاجرين وفقاً للمواثيق الدولية لمراعاة حقوق الإنسان، ملبيةً ضغوطَ تيارٍ من الرأي العام داخل هذه الدول ينادي بضرورة تقديم العون. أما الرأي الثاني، فهو ما حذَّرَ منه مسؤولو الأمم المتحدة من أنَّ إجراءات التحكم في حركة الهجرة غير الشرعية من دون إيجاد حلولٍ لها، من شأنها أن تُسفر عن مخاطر إضافية، لا سيما من خلال التجاوزات التي يتعرَّض لها المهاجرون واللاجئون. وعكست تلك العملية العسكرية في حينها ضيق صدر هذه الدول بمعالجة الأزمة حتى وهي في عرض البحر، وأوحت بأن نشوءها من الأساس كان بسبب عدم التعاطف.
كما برز اتجاه أمني يحرّكه استشعار الخوف من هؤلاء الآتين من مناطق النزاعات والصراعات، بأزماتهم وخلفياتهم السياسية والدينية والثقافية التي قد تكون تخريبية في كثيرٍ من الأحوال. فبعد احتضان عدد منهم، شهدت دول في الاتحاد الأوروبي أحداثاً تراوحت بين التفجيرات والقتل والمشاكسات. ويواجه ذلك الاتجاه الأمني في الوقت ذاته، شبكات التهريب وسماسرة الهجرة غير الشرعية، التي نشطت بشكلٍ كبير بعد السياسات الأوروبية التي اتُّبعت خلال السنوات الـ20 الماضية للقضاء على الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط. وظل المهرّبون يحققون مكاسب من بيع الأحلام للمهاجرين، كما زادت وتيرة نشاطهم الذي يدخل في صميم تجارة البشر. وفي وقت تستوجب مسألة وضع حدٍّ لشبكات التهريب، تعاون دول شمال أفريقيا، يستبعد الاتحاد الأوروبي ذلك، ما يدفعه إلى اللجوء إلى الشرطة الدولية "الإنتربول"، إضافةً إلى تعاون دوله في ما بينها.
كذلك، نجد اتجاهاً سياسياً ينحو إلى الموازنة بين سياساتِ دول الاتحاد الأوروبي الداخلية المنقسمة بين تياراتٍ شعبية، بعضها رافض وبعضها الآخر متعاطفٌ مع المهاجرين، وبين سياسة العلاقات الدولية التي تحرص كل الدول وليس الاتحاد الأوروبي وحده على أن تظهر بأفضل ما يكون. ولا ينفصل ذلك، عن الاتجاه الأخلاقي بوصف أوروبا تاريخياً كمستعمِرة لأفريقيا، إذ يتعذَّر النظر إلى علاقة أفريقيا بدول الاتحاد الأوروبي بمعزلٍ عن مراراتِ الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لجوء مزدوج

وتشير تقديرات عام 2018 إلى أنّ عدد طالبي اللجوء في السودان وصل إلى 460 ألف لاجئ ومعظمهم من إريتريا وإثيوبيا، إضافةً إلى أعداد كبيرة من سوريا. وتشير إحصاءات حكومية موثقة إلى أن 1000 شخص يعبرون الحدود الشرقية للسودان كل شهرٍ، آتين من إرتيريا. ويُعتبر السودان من بين دول المعبر الرئيسة لهؤلاء اللاجئين الذين غيّرت ملامحهم سنين النزاع والشتات والتسكّع بين معسكرات اللجوء، وذلك إمّا لمواصلة التسلُّل إلى الشواطئ الليبية في طريقهم إلى أوروبا أو في انتظار مكاتب مفوضية اللاجئين لتوزيعهم حسب حصصٍ محدَّدة على دولٍ يرسمون فيها هوياتهم الجديدة.

وتتكفّل المفوضية السامية للاجئين بإعادة توطينهم بنقلهم من بلد اللجوء إلى دولةٍ ثالثة وافقت على قبولهم ومنحهم الاستقرار الدائم فيها، باعتبارها الحل الوحيد الذي ينطوي على هذا الإجراء. وبدأت إعادة التوطين تتحوّل إلى وظيفة غير معلَنة لإدارة الهجرة. وليس صدفةً أنّ بعض الدول التي تتمتّع بأقوى تقاليد إعادة التوطين هي ذاتها التي يُنظَر إلى اللجوء فيها بدرجةٍ من الشك. فعلى الرغم من أنّ مكاتب المفوضية في السودان تتولّى تنسيق الدعم مع الوزارات المعنية والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة، إلاّ أنّ هذه الخدمات تظل متواضعةً، مقارنةً بحاجات اللاجئين. وأثار ذلك ضجةً لإعادة النظر في نهج تعامل منظمات الأمم المتحدة في الدول الأفريقية الذي يشجّع أو يغضّ الطرف عن الفساد الحكومي والفردي.
 

 السودانيون في المركز الثاني

ولم يكن دور السودان في ما يتعلّق باللاجئين على أرضه يخضع لأيّ من المعايير من قبل، سوى تلك المحقَقة بفعل الضغوط الدولية، لذا كانت الصورة مزدوجة. فبينما يحتضن السودان عدداً كبيراً من اللاجئين، حلَّ السودانيون أنفسهم في المركز الثاني في عدد اللاجئين الذين يحتاجون إلى إعادة التوطين خارج بلادهم، وفق تقرير حاجات إعادة التوطين المتوقعة، الذي أصدرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. كما تتقاطع هذه الوقائع مع تزويد الاتحاد الأوروبي حكومة السودان السابقة (خلال عهد الرئيس السابق عمر البشير) بالمال والعتاد لمواجهة الهجرة غير الشرعية إلى دوله. ونشرت الحكومة السودانية السابقة في يونيو (حزيران) 2016، الآلاف من قوات الدعم السريع التي كانت جزءًا من ميليشيا الجنجويد، على الحدود بين السودان وليبيا لوقف عبور اللاجئين. وثَبُت ذلك بإعلان قائد تلك القوات، محمد حمدان "حميدتي" أنّ عناصره تقوم بمهمات كبرى في إطار وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، بل وصف عمله بأنَّه "دفاعٌ عن الأوروبيين"، وطالب دول الاتحاد الأوروبي بدفع المال لقاء عمله.

في المقابل، لا تسهم المساعدات الأوروبية المقدَّمة في كبح جماح الهجرة واللجوء إلى القارة العجوز، إلَّا على مستوى الإسكان الذي سرعان ما يزول. وبينما يُتوقّع نضوب هذه الموارد وعدم استمرارها نظراً إلى الأزمة الاقتصادية التي تمرُّ بها دول الاتحاد الأوروبي ذاتها، إذ أعلنت المفوضية السامية للاجئين في 19 مارس (آذار) 2020، وعلى الرغم من عدم ظهور حالات إصابة بفيروس كورونا في صفوفهم، أنّ الإجراءات المُتَّخذة لمكافحة الجائحة، أجبرتها على تغيير طبيعة عملها بشكلٍ مؤقَّت للحدِّ من انتشار الوباء، وحمايةً لأكثر المجتمعات ضعفاً في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا. ويقبع اللاجئون الآن في محنةٍ بين مجازفات التسلُّل، وإجراءات مكافحة كورونا وكل ذلك تحت ظروف العيش السيئة في السودان الذي استجاروا به، في انتظار إعادة توطينهم.         

المزيد من تحلیل