تعوّل الحكومة السودانية على الإجراءات الاحترازية والوقائية المشددة لمجابهة وباء "كورونا"، فضلاً عن تكثيف البرامج التوعوية وفرض حظر التجول 12 ساعة يومياً بدءًا من اليوم 31 مارس (آذار) الحالي، في ظل الإمكانيات الصحية المحدودة مقارنة باتساع رقعة البلاد السكانية البالغ قوامها 40 مليون نسمة، وهو ما يقابله ضعف في استجابة كثيرين من السودانيين، خصوصاً العمالة الحرفية والهامشية التي ما زالت تمارس نشاطها من دون اكتراث لمخاطر هذا الوباء القاتل.
لكنّ مسؤولين سودانيين أكدوا أنه في حال زيادة أعداد الإصابات ورقعة انتشار الفيروس الذي أصاب حتى الآن ستة أشخاص توفي منهم اثنان، فضلاً عن استمرار تجاهل البعض وعدم مبالاتهم بالقرارات الصادرة من قبل الدولة لمنع اتساع رقعة هذا الوباء، ربما يجعل حكومة السودان ممثلةً باللجنة الفنية العليا للطوارئ في البلاد، مضطرة إلى تطبيق السيناريو الثالث الذي يقضي بزيادة مدّة ساعات حظر التجول بما يعزّز العزل أو الحجر المنزلي الذاتي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انقسام الشارع
وتسود حالة من الانقسام في الشارع السوداني لجهة التعامل مع الإجراءات الوقائية لهذا الوباء، فهناك من هو خائف من انتشار هذا المرض الذي اجتاح العالم بلا هوادة ومن بينه السودان، وبدأت هذه الفئة من الأشخاص، التي تشمل معظم شرائح المجتمع، تستشعر الخطورة بارتداء الكمامات في مشهد لافت مغاير للأيام الماضية، إضافةً إلى الالتزام بالتعقيم وغيره من إجراءات الوقاية الأخرى، بينما ما زالت فئة أخرى، غالبيتها من العمالة البسيطة، تتجاهل شروط السلامة الصحية الخاصة بهذا الوباء.
في هذه الأثناء، أكد عضو مجلس السيادة الانتقالي في السودان صديق تاور أن اللجنة الفنية العليا للطوارئ في البلاد هي من تحدّد الإجراءات الاحترازية المقبلة وفقاً للتقارير اليومية وعمليات رصد انتشار الوباء، مشيراً إلى أن تجارب الدول دفعت الحكومة السودانية إلى اتخاذ إجراءات أشد صرامة.
وأضاف "اللجنة العليا للطوارئ التي تضم وزير الصحة الدكتور أكرم التوم والإدارات الطبية في الوزارة، بدأت بتسلسل في الخطوات قبل ظهور الحالات في البلاد"، موضحاً أن "تلك الإجراءات انطلقت بإغلاق المعابر ثم منع التجمعات، وإقفال المدارس والجامعات، تلك كانت المرحلة الأولى. ومع ظهور أولى حالات الوفاة وعدد من الإصابات المحدودة التي لا تتعدّى أصابع اليد الواحدة، اضطررنا بعدها إلى الانتقال للمرحلة الثانية التي تمثلت في حظر التجول الجزئي، وإن تمكنّا من السيطرة على الوباء والحدّ من حالات الإصابة، في هذا الوقت، لن نكون بحاجة إلى الخطوة الثالثة أو المزيد من الإجراءات".
تعزيز العزل
وتابع تاور أنه "في حال زيادة أعداد الإصابات ورقعة انتشار الوباء، ربما نُضطر إلى تطبيق السيناريو أو الخطوة الثالثة التي تتمثل في زيادة مدّة ساعات حظر التجول بما يعزّز العزل أو الحجر المنزلي الذاتي، وهناك إجراءات أشدّ قد نلجأ إليها إذا تطورت الأمور إلى الحالة التي لا يمكن احتمالها. نحن الآن في حظر جزئي من الساعة السادسة مساء وحتى السادسة صباحاً، أي بمعدل 12 ساعة في اليوم، فضلاً عن منعنا التنقل بين العاصمة الخرطوم وولايات السودان المختلفة".
وأضاف "الإجراءات التي اتُّخذت حتى الآن هي إجراءات احترازية بعد ظهور عدد من الحالات، وتلك الحالات لم تكن كبيرة ولكننا فضّلنا الاستباق بتلك الإجراءات قبل تفاقم الأزمة ومن باب الاتعاظ بتجارب أخرى في العالم، فنحن والعالم أجمع أمام حالة خطيرة في مواجهة فيروس له ينتشر ويوقع عدداً كبيراً من الإصابات والوفيات، التي تجاوزت نصف مليون حالة حتى الساعة، مع وفيات عدّة في ظل عدم التوصل إلى لقاح للوقاية حتى الآن، نظراً إلى أن مواصفات عدّة لهذا الوباء غير معروفة علمياً ومختبرياً، ولم يتّضح أن هناك قدرة على التعامل معه من الناحية الأمنية أو الصحية أو القدرة على السيطرة عليه".
الحيطة والحذر
ودعا عضو مجلس السيادة الانتقالي السودانيين كافة إلى أخذ الحيطة والحذر، قائلاً "لا بدّ من أن نكون على أعلى درجة من الحذر، خصوصاً في ظروف كالتي تعيشها بلادنا، حيث أن الوضع الصحي في السودان متأخر والحقل الطبي والصحي فيه تعرض خلال العقود الثلاثة الماضية إلى خراب كبير وانهيار وتدهور من ناحية ضعف التجهيزات سواء الكوادر الطبية نفسها والمعامل والمختبرات والأدوية وغيرها، ونستطيع القول إن الوضع الصحي في البلاد بشكل عام هشّ ولا يحتمل المغامرة، لذلك اتّخذنا الإجراءات الاحترازية".
أجهزة تنفس صناعي
في السياق ذاته، كشف وزير الثقافة والإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية فيصل محمد صالح، عن اتجاه بلاده إلى تصنيع أجهزة للتنفس الصناعي، مؤكداً أن مجلس الوزراء وجّه مؤسسة التصنيع الحربي باستنفار إمكانياتها للقيام بهذه المهمة على وجه السرعة لسدّ نقص المستشفيات في مختلف البلاد في ظل انتشار هذا الفيروس، مضيفاً "سيُعرض نموذجان من هذه الأجهزة هذا الأسبوع على الكوادر الطبية المتخصصة لمعرفة مدى فاعليتها".
ووفقاً لعدد من الأطباء السودانيين تحدثت إليهم "اندبندنت عربية"، فإنّ المستشفيات تعاني من نقص كبير في أجهزة التنفس الصناعي التي تُعتبر الأمل الوحيد لشفاء المصابين بهذا الوباء الذي يضرب الجهاز التنفسي ويعطّل عمله، لافتين إلى أنه إذا لم تتم مساعدة المريض بهذه الأجهزة المهمة، قد تُصاب الرئتان بالتليّف وبالتالي سيفارق الحياة لا محال، ومتسائلين عن مدى استعدادات وزارة الصحة السودانية في حال ازدياد الحالات المؤكدة بهذا الفيروس القاتل، لأنّ ما تم توفيره من هذه الأجهزة لمراكز العزل والمشافي يُعتبر قليلاً جداً وقد يعرّض البلاد إلى كارثة إنسانية حقيقية.
ومن المعلوم أن جهاز التنفس الصناعي يتولى عملية التنفس في الجسم، عندما يتسبب مرض "كوفيد-19" في الفشل التنفسي على إثر التهاب حاد في الرئتين، ويمنح ذلك، المريض، وقتاً لمكافحة العدوى والتعافي، ومن ثم تنقذ تلك الأجهزة أرواح المصابين الذين يعانون من مضاعفات خطيرة بسبب الفيروس. لذلك، أصبحت معظم المستشفيات حول العالم في حاجة ماسة إلى أجهزة التنفس الصناعي، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يتعافى 80 في المئة من المصابين من دون الحاجة إلى العلاج في المستشفى، إلاّ أنّ واحداً من بين كل ستة أشخاص تتفاقم حالته ويمكن أن يعاني من صعوبة بالغة في التنفس.
حالات اشتباه
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحة السودانية أعلنت في وقت سابق ارتفاع حالات الاشتباه بالوباء إلى 99 حالة في مراكز العزل في البلاد، في حين سُجّلت حالة وفاة ثانية الأحد 29 مارس ليرتفع عدد الوفيات إلى حالَتَيْ وفاة من بين الإصابات المؤكدة والبالغ عددها ست إصابات.
في المقابل، أكدت التقارير الرسمية أن عدد الوافدين عبر مطار الخرطوم من الدول الموبوءة منذ 25 يناير (كانون الثاني) الماضي بلغ 2868 شخصاً وتمت متابعتهم بنسبة 77 في المئة موزّعين على عدد من الولايات السودانية.